اخر الاخبار

(حَلْويات) هذ هو عنوان آخر منجز للشاعر عمر السراي، وبما أن العنوان هو العتبة التي لابُد أن ترتبط بوشائج تشدها الى ما في المحتوى الداخلي للمنجز، ولذا لابُد من أن نمسك بالخيط الرابط بين العتبة ومحتواها، للكشف عن علاقة اللغة ألفاظاً بالمعنى وظلاله ومُوحياته، والشاعر أخذ بالشائع المعروف – حلويات- لأنه مفهوم من قبل أوسع الجماهير التي أراد الشاعر مخاطبتها، لأنه جزء منها، والحلوى في معاجم اللغة هي كل ما عولج من الطعام بسكر أَو عسل، واذا كان هدفُ الشاعر مخاطبة أوسع الجماهير، منحازاً لفقراء هذا الوطن وأطفالهم، فأين هذا الخطاب من واقع الفقراء الذين يعز عليهم رغيف الخبز عارياً من كل غُموس من سكر أو عسل أو غيرها؟! لنتمهلْ في حسم الحكم ولنقلّب أوراق السراي، وعندها يطالعنا أول ما يطالعنا الأهداء: (الى طفل لم يمتلك ثمنَها) هذا الأهداء هو المصباح الثاني – بعد العنوان – الذي يكشف لنا بكل وضوح لِمن يهدي السراي هذه الحلويات، إِنها للذين حرموا منها، ويخصص الاطفال من المحرومين لِما في لفظة الأطفال من انزياح يظهر قلقهم بالحلوى، ويثير عواطف الناس، فالشاعر حسم الأمر وأعلن عما يعتمل في قلبه ، ويعشعش في تلافيف مخّه من حسرات أفرزها واقع ظلم الفقراء وأطفالهم، وصورة الحرمان هذه هي الهاجس العاصف بمشاعر الشاعر المنتمي الى الفقراء، والى من يمثلهم فكراً وتاريخاً ومواقف وتضحيات، فهو يعلن:

(الله الذي أعرفه كما عرفه آبائي الفقراء حينما

كانوا يوزعون فائض القيمة على الجيران

وهم يدركون أن فائض القيمة يختلف عن القيمة)

من الواضح أن زمام اللغة بيد الشاعر يصرفه كما يريد، فهو يمسك (فائض القيمة)، ذلك المفهوم الماركسي الذي يعد حجر الزاوية في الفلسفة الماركسية التي فضحت سراق هذا الفائض، والسراي يشير شعرياً الى طبيعة أهله وناسهِ الذين يوزعون فائض القيمة لمستحقيها، فيأتي تعبيره مازجاً بين المفهوم الماركسي وطعام مرقة القيمة التي تُوزع ثواباً في ذكرى استشهاد الأَمام الحسين (ع)، خصوصاً أيام عاشوراء، وهو توزيع يعيد بعضاً من حقوق الفقراء، ويأتي تعبير السراي مثيراً كل هذه الانثيالات في نفس أبسط متلق لشعره ولا ينسى أن يرسم حلماً يتمتع فيه الفقراء وأطفالهم بــ (حلويات) في مدينة حلمية باذخة الجمال حتى أن أسوارها بنيت من أصابع الحلوى، والمدينة هذه هي المعادل الموضوعي لمدن حرمان الفقراء وأطفالهم من الحلوى:

(سآتيِك مرتدياً ثوب مدينة جديدة

أسوارها أصابع من حلوى)

بِسين الاستقبال الداخلة على المضارع صورّ مدينتهَ الفاضلة، مستبعداً حرفالاستقبال (سوف)، لأنه أراد المستقبل القريب، ولاينسى الشاعر – متغزلاً وحالماً – عتبةَ ديوانه، فتأتي غزلياته وأحلامُه، بلغة حداثة لاغريب في الفاظها

(لقلبكِ لمسة من ضوءِ

والشوق لعبة طفلة تشتهي الحلوى

والليالي لغة من أنين الغابات)

لاحظ (لمسة من ضوء) وحداثةَ هذا المجاز، ولكن الشاعر لا ينسى الأطفال والحلوى، حتى وإن غمرته لمسة ضوء، فأشواقه تلح عليه حتى تفيض مخيلته بهذه الصورة الأخاذة: (والشوق لعبة طفل تشتهي الحلوى)، إِنه يعيدنا الى العتبة من جديد، والى الاهداء، وحرمان الأطفال من الحلوى، ولذا فأن لمسة الضوء لا تُنسيه ما يعج بقلبه من عواصف الألم فيصرخ: (والليالي لغة من أنين الغابات)، فأن اشتشهاء طفلة للحلوى لايمكن الحصول عليها يبعث الألم متفجراً غاباتٍ، لا غابةً واحدة، تفور بالأنين والألم الذي يفرزه واقع يعيش السراي تفصيلاته في جموع التشرينين وكل فقراء العراق، إِنَّ (حلويات) انجاز جدير بالقراءة، واسهامتي هذه محاولة متواضعة للربط بين لغة الشاعر وأدائها لمعاناة شعب، عمر السراي واحدٌ من ابنائه الذين يرفعون لافتة حُب الوطن والناس والأطفال عسى أن نستبدل بهذا الواقع المر (حلويات) حقيقة تشع عدلاً وسعادة.

عرض مقالات: