اخر الاخبار

تتجه أغلب الأبحاث الأكاديمية العراقية اتجاها تزامنيا تطبيقيا في دراسة النصوص الأدبية وقليلة هي الدراسات التي اتجهت نحو التاريخ لتراجع الموجهات الأيديولوجية والاتجاهات الخطابية للأدب والنقد منذ تأسيس الدولة حتى الوقت الراهن حقبة حكم حزب البعث البائد بخاصة إذ تتعامل الجامعة مع نتاج تلك الحقبة تعاملا مزاجيا بالرفض والإنكار تارة والريبة والشك تارة أخرى وبالتغاضي أحيانا وهي بسلوكها هذا تتخلى عن دورها في تعميق الفهم بالتحولات التاريخية للثقافة العراقية ذلك الفهم الذي يعد أساسا لتقدم البحث العلمي، من تلك الأبحاث القليلة كتاب  الباحث ( كاظم حسن عسكر) والذي حمل عنوانا رئيسا “ الأمة والشعر” وآخر فرعي” نقد التفسير القومي للأدب في العراق” ومادة الكتاب في أصلها هي رسالة الباحث لنيل شهادة الماجستير في آداب اللغة العربية من جامعة البصرة، تمكن الباحث من اجراء مراجعة تاريخية مكثفة للكتب النقدية الصادرة في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين في طرح موضوعي وأسلوب رشيق ووسطي لا يكتنفه الانفعال أو الأدلجة أو الخطابة الفائضة، أشار الباحث في المقدمة إنه سوف يتخذ من مناهج تحليل الخطاب “سبيلا لفهم المتون المدروسة لأن المنهج يعضد الأفكار الليبرالية التي ترفض وجود علم خال من الانحياز”/13 بينما من يقرأ الكتاب يكتشف أن الدراسة تنحو باتجاه تحليل المضمون وليس تحليل الخطاب الأقرب للسانيات والفيلولوجيا منه إلى التفسير والتأويل إذ ما زالت دراسات تحليل الخطاب تلاقي لبسا في الفهم لدى الباحثين لتعدد مداخل النظرية الابستمولوجية مع الارباك الذي تسببه الترجمة إلى العربية. استند الباحث بشكل رئيسي على آراء من سبقه من الباحثين المتمرسين في هذا المجال وقد ذكر تلك المراجع من أهمها كتاب الناقد المغربي (عبد الاله بلقزيز) عنوانه “نقد الخطاب القومي” وكتاب الناقد (عقيل عبد الحسين) “تحليل الخطاب والمركزية النقدية”، عرف الباحث بمفهوم القومية من وجهة نظر (ميشيل عفلق) مؤسس حزب البعث” القومية للشعب كالاسم للشخص والملامح للوجه وهي قدر قاهر يسير مجموعة من البشر في مجرى من الحوادث والظروف”/20 . درس الباحث الفكر القومي في حاضنته البعثية العراقية حيث قدم النظام الحاكم دعما معنويا وماديا كبيرا للأدب والثقافة القوميين وأقصى ما دونهما من طروحات فكرية وكان من البديهي أن تتصدر كلمة شعر عنوان الكتاب لاحتفاء الفكر القومي وعنايته بالتراث على وجه العموم وبالشعر جنسا ابداعيا سجل مآثر العرب ومعارفهم ومثل صورة أدبية ناصعة لهويتهم وثقافتهم” فقد دعا القوميون إلى الوحدة العربية استنادا لرؤيتهم الوحدودية للتراث”/27 ،وقد ذكر الباحث عددا من المعارك الأدبية التي جرت بين مريدي الحداثة والقطرية من جانب وانصار التراث والوحدة من جانب آخر ومنها جدال القومي (ساطع الحصري) مع  الحداثي (طه حسين) . في بحث نشر في مجلة “المورد” المحكمة  1979عنوانه “ حول كتابة التاريخ” للرفيق (صدام حسين) قال فيه “ لا بد أن يكون لنا في النظرة إلى التاريخ وكتابة منهج يعبر عن نظرتنا وينسجم مع خصوصية فكرنا”/40، ذلك هو المنهج البعثي كما أطلق عليه كاتب المقال وهو منهج تاريخي يبتغي ترويض الثقافة والآداب والفنون لصالح التاريخ ويروض الأخير لصالح السياسة فالهدف الأسمى للقومية توحيد الأمة ولو بالعنف والاكراه، يتميز المنهج البعثي بأنه انتقائي وليس نقديا بالمعنى الاصطلاحي الصارم “ يؤمن أتباع هذا المنهج أن ثمة حقيقة معروفة سابقة على المنهج وموجهة له”/ 41، يعلي هذا المنهج من شأن المؤلف وقصديته ويمنحه جميع الامتيازات الفكرية ويحرم القارئ أو المتلقي منها لأن الفردية تتعارض مع حقيقة الأمة الواحدة،  وهو منهج سجالي “ يسعى المخاطب في السجال إلى تحقيق الغلبة النفسية على المخاطب عبر شل قدرته على الرد أو افحامه”/45، يسعى المنهج البعثي للمغالبة والايقاع بالخصم سواء أكانت المغالبة في ميدان السياسة أو في ميدان الفكر والادب، يدعي البعثيون أن منهجهم يقوم على أسس فكرية رصينة وليس إلى طرائق أو أساليب متباينة للوصول إلى الحقيقة الأدبية، كما يقولون إن منهجهم فكري وليس وضعيا أو استقصائيا أو جدليا مثل بقية مناهج النقد المعروفة، من أهم المنظرين لهذا المنهج واللذين جعلا من مقالة صدام مرجعية لهما في الدراسات الأدبية الدكتور(نوري حمودي القيسي) في مجمل كتبه والباحث (مصعب حسون الراوي)في كتابه ( الشعر العربي قبل الإسلام بين الانتماء القبلي والحس القومي) أهم ما جاء في الكتاب من طروحات وثقها الباحث عن اهتمام الفكر القومي بالنظام القبلي العربي الأصل والتراث” تمثل القبيلة المرحلة الأولى من مراحل تطور التنظيم الاجتماعي والسياسي في المجتمعات البشرية” /65، فالقبيلة والدولة كلاهما وحدة سياسية تسيرها قوانين متشابهة وإن التأكيد على مفهوم الأمة/القبيلة يخلص المجتمعات من  الفردية المتطرفة والتوجه القومي يستند إلى الانتماء سمة تربط الفرد بالجماعة يدعو الفكر القومي لتطويع الانتماء القبلي في دعم الانتماء للدولة أو للسلطة الحاكمة”،  اهتمام النقاد البعثيين بتاريخ الأدب موجه سياسيا لدعم السلطة وتثبيت ركائزها، فالشعر العربي قيمة أدبية وحضارية لأنه سجل لمآثر القبائل العربية في الغزو والقتال والحرب وليس لقيمته الفنية والثقافية، من الأدلة الأخرى على طروحاتهم السياسية التي تلبس قناعا أدبيا وثقافيا ترويجهم لمصطلح الشعوبية في دراستهم للأدب العباسي عدوها نزعة معادية للعروبة والإسلام وقد رموا بها أغلب الشعراء والكتاب من أصول فارسية “ فالأدباء الشعوبيون إذن لم يكتفوا بمسخ القيم الاسلامية ولم يقفوا عند حد المجاهرة بالفسق والمجون والدعوة إلى التحلل بل راحوا يهاجمون الفضائل العربية ويشوهون مفاهيمها”/96، ذلك ما أورده الدكتور (نعمة رحيم العزاوي) في بحث له بعنوان” مقالات في أثر الشعوبية في الأدب العربي وتاريخه”، اهتم الباحث( طراد الكبيسي) بالكتابة عن أسلوبية شعر الحرب في الأدب العربي القديم بغية تمجيد الحرب بوصفها قيمة قومية وسياسية والناقد (عادل البياتي) له كتاب نقدي عنوانه(الأدب ومعارك الأدب المصيرية) عد فيها نموذجا عربيا قوميا وشكلا من أشكال عولمة الفكر العربي/68. أما الشاعر (سامي مهدي) فقد تخصص بالكتابة عن حركة الحداثة الشعرية في العالم العربي ،ألف في ذلك المقالات والكتب مشيرا إلى مجلة “شعر” متهما اياها بمناهضة التراث العربي والعمالة للأجنبي، يواصل الباحث(كاظم حسن عسكر) مراجعته للكتب الصادرة تلك الفترة محللا لمضمونها ناقدا لما تطرحه وهو في كل ذلك يحاول أن يوجه النقد توجيها اصطلاحيا مناسبا للنقد القومي أو البعثي من تلك الاصطلاحات النقد التعبوي والنقد السجالي والنقد التوجيهي وأطلق على الناقد القومي لقب الناقد الموظف “ الناقد الذي يجند لتمرير فكرة ما فهو سلم للأفكار الأيديولوجية العليا”/97. وبحسب وجهة نظري الشخصية فإن النقد المعياري هو الأقرب للدراسات التي تبنت الأيديولوجيا القومية في تناولها لتاريخ الأدب العربي وأساليبه الفنية، يستند النقد المعياري لفكرة المثال اللغوي والأسلوبي الذي يصلح أن يكون مثالا يحتذى للنصوص الأخرى ويعتبر الناقد هو الحكيم أو الفيلسوف الذي يملي على جمهور القراء ما يجب عليهم استحسانه أو نبذه وتحويل دور النقد الأدبي للدفاع عن سياسة الدولة.

عرض مقالات: