اخر الاخبار

 وطيس المعركة التي دارت في العراء، أوقعت خسائر جسيمة في جسد الأسد الذي لم يكن أهلًا لمواجهة مخالب خمس لبوات متعطشات، غاضبات فعلن ما فعلن في جسده الضامر، كانت الدماء تنزف بتؤدة رغم نظرات الرعب التي تلبست به وهو ينظر بهلع إلى الواقعة الخاسرة والغبار الداكن الذي خيَّم على المكان. شعر الرجل المستلقي أسفل اللوحة بأول قطرة دمٍ تهبط على ظهره العاري من اللوحة الكبيرة المعلقة على الجدار أعلى السرير، نفت دخان سيجارته، فتشكلت غمامةٌ من دخانٍ غيبت جزءًا كبيرا من جسد المرأة الشهية المستلقية تحت ملاءة، انحسرت بفعل كوابيس الليلة الماضية، فانكشف جزءٌ من ساقيها وزنديها اللذين كانا يلهثان لعناقٍ حميم ينتهي بلحظات سعادةٍ حقيقية . ماءت القطط خارج النافذة وهي تتوثب للقاءٍ حميم، ستتفشى صرخاتها العابقة بالشهوة؛ لتملأ فضاء المكان . الوجوه الخمس الغاضبة أيقنت أنه لم يعد قادرًا على حمايتها أو ملاحقة الطرائد الشاردة؛ ولهذا حسب أثخنت جسده جراحًا ودمًا، ولم تكترث لقوته وجبروته حين كان يقودهن ليمنحهن فرصًا مذهلة للانقضاض على الفرائس. سقطت قطرة دمٍ قانية أخرى على ظهر الرجل لم يكترث هذه المرة، بل أمعن في تأنيب نفسه على خذلانه وانكساره في جولة الليلة الماضية واستعان بالدخان؛ لعله يريح نفسه ويُمهِّد لفصلٍ جديد من فصول العتاب والشتائم حالما تستيقظ المرأة المضطجعة إلى جواره. القطط المستفزة المسكونة بالاشتهاء، لم تأبه للأشياء التي اعترضتها، وارتطمت بها بقسوةٍ ورعونه، هدأت الأصوات قليلًا لعل الهر السمين قد استنفر قوته؛ للانقضاض على الفريسة التي جرحت السكون بصرخاتها. أعطت المرأة ظهرها للرجل، وفي حركةٍ غير مقصودة مدَّ الرجل يده؛ ليعيد الملاءة إلى وضعها بعد أن انكشفت المؤخرة بتكويراتها الموجعة، أطفأ الرجل سيجارته وأوقد أخرى وهو يتلمظ خيبته، مستشعرًا بمخالب الليلة الماضية التي أخرجته من ساحة المنازعة مكسورًا ومهزومًا رغم أنه استعان بما يعيد له قوته وفحولته، لاحظ بشكلٍ واضح وتدريجي عبوسها وامتعاضها من كل حركة أو محاولة يحرص أن يعيد أمامها في الأقل شيئًا من قوته وهيمنته التي فقدها مستسلمًا لضعفه. فكَّر الأسد جيدًا بمحاولة أخرى، وزئيرٌ مفاجئٌ يُرعب به لبواته ويهزمهن؛ لكي يتخذ زمام المبادرة، ويقود القطيع إلى مكانٍ أخر أكثر رحابةً وسعة. أيقظته قطرة الدم الثالثة التي هطلت على كتفه، فانتفض مرعوبًا ونظر إلى الأسد وأشفق عليه، وتمنى أن يستطيع مساعدته في محنته تلك، اقترب من جسدها ووضع يده على شعرها، نظر إلى تقاسيم وجهها الجميل وهو يستسلم للنوم، أو لفلول خيبات الليلة المنصرمة التي سلخاها جاهدين من دون جدوى. شمل الهدوء المكان تمامًا وانصرفت القطط بعد أن ماءت بخدرٍ وتوجس، وتركت فوضى المكان يعلن عن بقايا دمٍ ولُعاب وآثار مخالبٍ نُقشت على الجدار. حاول إيقاظها؛ لكي يسمعها كلماته التي كانت أحلى من الشهد، براعته في الحوار وابتكاره للمواعيد الباذخة أثناها عن اتخاذ قرارها بمغادرة البيت إلى الأبد، لم يكن يعرف إلى أي مدى سيستطيع خداعها وإيهامها بحلول قريبة قادمة . زأر الاسد واندفع بقوةٍ باتجاه اللبوات العابسات، بيد أنه لم يستطع اختراق حصارهن، فاستسلم لقرارهن وخرج مخذولًا يغذ خُطاه بعيدًا عن لبواته وأشجاره وبركة الماء العذبة.

عرض مقالات: