اخر الاخبار

نشر الشاعر حسب الشيخ جعفر صفحة في مجلة “الأقلام” عام 1989 بعد ايفاده للاتحاد السوفيتي من قبل جريدة “الثورة” التي كان يعمل فيها للمشاركة في الدورة الصحفية المنظمة من قبل اتحاد الصحفيين السوفييت، وكان عنوان الموضوع الصحفي مثيراً، لما ينطوي عليه من مجاز وترميز واضح “الريح تمحو والرمال تتذكر” اثارت فيَّ الدهشة بلغة المذكرات واستولدت ما يشبه النشوة، لأن لغة حسب السردية عالية الجودة، واستثمر فيها إمكاناته الشعرية الرفيعة والطاقة السحرية المميزة لمروياته، وتمكن من انتاج سرديات فيها توازن فني وفكري مهم للغاية ولم يكن صعباً عليَّ ان أتمكن من اقتراح مقاربات مركزة، بعد ان قرأت ما نشر في “الأقلام” وتشبعت بذاتية الشاعر واستثاره من شعرية اطلعت عليها قبل سنوات، عندما كان في موسكو خلال العقد الستيني من القرن العشرين ولقد قرأت (رماد الدرويش) وتعرفت على ذاكرة حسب التي هزتني بقوة اللغة الصامتة وكان مقتدراً على تحقيق ذلك، لأنه يعرف الثنائية بين الشاعر واللغة التي لا يعرفها الكثير ممن يكتب الشعر ويتفوق بالسرد عبر حماس الكتابة وتعرفي لتفاصيل السيرة، وربما كان للظرف الذي عاشه العراق آنذاك وسط صعود الحرب تأثير جوهري على سيرته التي فتحت نوافذ وابواب للفحص والتأويل لرماد الدرويش والوحشة وكونها في متراكمات السرد المدهش والذي تعرف على مكامن الجسد الانثوي وعودته الى المكان الذي كان فيه. وعلى الرغم من المسافات البعيدة، كان على دراية ومعرفة بالامكنة، وصاغ من لغته المختزنة بذاكرته وكأنها محفوظة تحت وسائد الصبر والانتظار، لكن الزمن منحه فرصة التقاط الجمرة من أعماق روح الشاعر التي بقيت كامنة – أيضا – وسط (رماد الدرويش)، واشتعلت ثانية، متوهجة من جديد في موسكو، ولكن هذه المرة وسط ظروف مختلفة ومشاهدات مستجدة وتشي ببوادر الهيام الزاحف، لذا اشتعلت ذاكرة الشاعر وهو يحاول المجانسة بين ما هو عراقي و “مسكوفي” عبر الوصف الشعري كاشفا تناقض المرئيات والمشاهد لكنه استطاع الإمساك بخيط الضوء النائم في السرد الجميل، مهما اختبأت المعاني تحت سطح النص وتبدلات الزمن.

ان ما وراء المعنى الظاهري من الانعكاسات المحفوفة برنين الزمن المشحون بالسعادة والمتوتر بالابتهاج للماضي الحاضر في أعماق الأنا، وكأنه حنين الاحلام.

سبقت مقالتي صدور كتاب حسب الشيخ جعفر الذي تحدث فيه عبر سرديات ذات بلاغة وطاقة شعرية وثق فيه الزيارة الثانية، “الريح تمحو والرمال تتذكر” ووضع على صفحته الداخلية عنواناً فرعياً هو “هامش الرحلة الروسية الأخيرة”.

عنونة حسب الشيخ جعفر جمرة ثلج

بذل الشاعر حسب الشيخ جعفر جهدا فنيا وشعريا من اجل اختيار عنونة النصوص الشعرية. لذا اجد ضرورة الانتباه والانشغال بفحص عتبات النص (العنونة). وهي مثيرة وملفتة للانتباه وتساهم – العنونة - بالاقصاء من اجل التعرف على النص ومكامنه وأسر معانيه المتكتم عليها والمسكوت عنها.

حسب شاعر ليس سهلاً الدنو منه والاقتراب اليه لذا انا اعتقد ان ما كتب لم يكن متميزاً باستثناء ما كتبه د. حاتم الصكر والشاعر عبد الزهرة زكي. اما ما نشره الناقد طراد الكبيسي “زفاف الآلهة الموطوءة” فهي الانموذج النقدي الحديث عن سيادة تشوش معرفة الأسطورة الخاصة بطقس الجنس المقدس، ووقع طراد الكبيسي بخطأ التعامل مع اسطورة (شوكا ليتودا فلاح انكي) بأنها اسطورة اغتصاب، وانا أول من درس هذه الأسطورة وصدرت دراستي الطويلة “الجنس في الأسطورة السومرية” عن دار المدى، اعتماداً على ترجمة قاسم الشواف واشراف ادونيس. ولكن اول ترجمة للشاعر شوقي عبد الأمير صدرت عام 2004 عن المؤسسة العربية وانطوت دراستي الطويلة عن حفريات عميقة لأساطير الجنس المقدس، والاخفاق البارز في دراسة الناقد طراد الكبيسي ندرة لا معروفة بالتداول من دراسات عن طقوس الجنس الإلهي المقدس.

وعودة لحيوية العنونة في تجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر لانها فاعلة وجوهرية ولا تنعزل عن الطاقة الشعرية التي يفيض عنها النص ومن العنونات.

“رماد الدرويش/ “الريح تمحو والرمال تتذكر/ زيارة السيدة السومرية/ الكوز/ جذورة الريح/ طوق الحمامة/ نخلة الله، وجود المسيح في النص له علاقة باسطورته مع النخلة/ الطائر الخشبي/ الطائر المرمري/ مرثية كتبت في مقهى/ هبوط اورفي.

وعودة على صعوبة الدنو من نصوص حسب التي استثمرت الأسطورة وهي كثيرة جداً، لأنه ابن الاهوار وابتدأ تجربته البدئية بـ “نخلة الله” وهي اسطورة كبرى من اساطير سومر. وكان لها حضور ظاهر، وليس صعباً التسلل اليها، لكن اود التذكير بأهمية المقال الذي نشره الشاعر المبدع عبد الزهرة زكي وأشار فيه الى ان (الايشان) الزورق الذهبي والتي تكشف عن اسطورة “إحفيظ” السردية التي وظفها السرد كثيراً قبل استثمار حسب لها ومن التجارب السردية التي اعاد انتاجها فهد الاسدي، جمعة اللامي، جاسم عاصي، شوقي كريم، وبودي الإشارة الى ان قراءة عبد الزهرة عبرت عن ذاكرة مختزنة للاسطورة ومحتفية بها وهو اول من لفت الانتباه لذلك.

اكتفي بما هو مطلوب ولي عودة للنجاحات التي ميزت تجربة حسب بتوظيف الاساطير ولأنه عارف بغياب هذه الثقافة، اقترح وجود هوامش تعريفية بالاساطير حتى يمنح الناقد ثقافة مساعدته على فتح مغاليق النص.

عرض مقالات: