اخر الاخبار

هي الصدفة أو لربما الحتمية التاريخية تلك التي جمعت بين تأسيس الدولة  العراقية الحديثة 1921 وبين صدور أول رواية في العام ذاته” في سبيل الزواج” لمحمود أحمد السيد وسواء أكانت هذه أم تلك فإن هذه التوأمة المفترضة قد صممت للفكر والأدب مسارات لدراسة تقدم أو تقهقر الدولة في مرآة التمثيل السردي المتخيلة في تجليها الإبداعي تارة أو نكوصها التعبوي والعنصري تارة أخرى وربما عكس المعادلة صحيح فالخطاب السردي يمثل نظاما رمزيا للسلطة سواء أكانت ديمقراطية أو مستبدة كما أشار إلى ذلك(فان دايك) في قوله “ حالما تترسخ السيطرة على مؤشرات السياق وإنتاج الخطاب يمكننا أن نستقصي كيف يتم التحكم ببنى الخطاب نفسه” ( الخطاب والسلطة/47)هذه العلاقة الشائكة بين الدولة  “المؤسسات والسلطة والهوية” وبين الرواية” المرجع واللغة والبنية” كانت محور كتاب الأقلام “ مئة عام من السرد. مئة عام من الدولة” لم يشتمل الكتاب على دراسات نقدية  في ضوء علم اجتماع الأدب وإنما قدم المشاركون رؤى متباينة كل من وجهة نظره  ومدى متابعته للمشهد السردي العراقي منذ النشأة وللوقت الراهن حيث يجد القارئ نفسه به حاجة للموازنة وللتأويل من أجل استيضاح رؤية  تجمع ما تفرق من آراء الباحثين، كما وأن تلك الرؤى لم تطرق لمقاربة الدولة بوصفها نظام مؤسساتي بالمقام الأول وكلما كان الروائي منتظما في مؤسسة كلما كان قريبا من التمثيل المؤسسي في نصوصه، فقد كان سؤال الدول غائبا عن تفكير الروائيين ذلك ما صرحت به الروائية (دنى غالي) “ أقول أن كلمة الدولة لم يكن لها ذلك الوقع كما له الان”/222، وجدت من خلال قراءتي للكتاب أن الرواية والدولة اشتركتا في الهجنة التأسيسية وتقاطع الانساق المرجعية والبنائية تمثلت هجنة الدولة وكما ذكر الروائي فلاح رحيم “ اسست الدولة العراقية بوعود حداثوية باذخة ما أسفر عنه المنعطف اللاحق لهذه الدولة في حقبتيها الملكية والجمهورية يدل دلالة قاطعة على ان النوايا المشبوهة للداعين إلى مشروع الدولة من استعمار وضباط أحرار غلبت المثل التنويرية “/،لم تنشأ الدولة نشأة صحيحة في ظل وجود المستعمر الذي أراد فرض النظام الديمقراطي الرأسمالي على شعب يرزح تحت هيمنة الاقطاع وبدائية وسائل الانتاج والتفكير، أما هجنة الرواية فيتمثل بكونها لم تولد نصا مستقلا مكتفيا بذاته بل جاءت نصا تنويريا في الفضاء العمومي الحافل بالمعرقلات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية لكن وعود التنوير وبالرغم من هشاشة مؤسسات الدولة وغياب مفهوم الأمة حققت للرواية تميزا زمن النشأة  متمثلة برواية “جلال خالد” التي وصفها الباحث عقيل عبد الحسين “ أفضل ما كتب السيد، وهو ما يمنحها قيمتها الثقافية ففيها نقلة بين معضلة القول والفعل في مراقبة المثقف للسياق الذي يعيش فيه/7”، لكن هذه الموجة الفنية الصاعدة سرعان ما عانت انحسارا واضحا نتيجة لهيمنة الشعر جنسا إبداعيا ونسقا ذهنيا على الثقافة العراقية ذلك ما أوضحه (ساطع عمار) في قوله” الشعر هو الحامل التقليدي لعلاقة الأمة وتطلعاتها بالأدب”.152. من الخمسينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين لاحقت الرواية العراقية نظيرتها العالمية والعربية في تطورهما فشهدت زمن النضج الفني بأقلام (غائب طعمة فرمان) و(فؤاد التكرلي) يضاف إليهما (مهدي عيسى الصقر) وإن تأخرت تجربته عن سابقيه، مثلت روايات الثلاث وعي النخبة بأهمية الإجابة عن اسئلة الأمة والهوية والمدنية قبل الشروع ببناء دولة صحيحة ، تطرقت روايات الثلاث للعلاقة مع الاخر وحقوق المرأة ودور المثقف في الاصلاح أشار لذلك كل من(وليد غالب) و(خالد علي ياس) الذي وصف التكرلي بأنه أول من كتب الرواية المدنية في العراق، وكتبت (رنا فرمان) عن دور الصحافة وثقافة الوسائط في حركة التجريب القصصي في الستينيات عند (محمد خضير)و(عبد الرحمن الربيعي) و(أحمد خلف) شهدت الرواية بعدها تلكؤا آخر منذ السبعينيات و حتى الثمانينيات نتيجة لمصادرة حقوق الأدباء اليساريين وملاحقتهم أمنيا ونتيجة لارتهان الدولة لفرد واحد وقبيلة واحدة وتحويلهما لمؤسسات عنف من شرطة وآمن ومخابرات إلى أدوات قمع للشعب ومصادرة الحريات  واستحواذ السلطة التام على حركة نشر وتوزيع الكتاب لتظهر في الثمانينيات روايات الحرب التي مجدت ثقافة العنف والكراهية لم تصح الرواية بعدها إلا على اقلام الروائيين المنفيين نهاية التسعينيات وقد أكدت شهادة الروائيين المغتربين و(سنان انطوان) و (عبد الهادي سعدون) على دور المنفى في تفعيل الكتابة المغايرة، أما (نجم والي) فقد قال “ ليس من المبالغة القول إن تاريخ الرواية العراقية هو تاريخ نفيها وكان غائب طعمة فرمان هو الرائد فلولا المنفى لما قرأنا رواية مثل النخلة والجيران”/284.  أما(محسن الموسوي) فيصف رواية ما بعد 2003 بأنها انتمت للهامش فكانت باروديا ساخرة تشتغل في مجالي المغايرة والتماهي وتتوسل بالنصوص الجوانية السابقة عليها في سبيل الانتشار السريع وصعود سلم الجوائز الأدبية/25. ولم يؤكد (عبد الله ابراهيم)ذلك الاتساق المفترض بين الرواية ومرجعها التاريخي والاجتماعي فكثيرا ما خرجت النصوص عن سياقها العام وأكدت حضورها بانساقها المحايثة” الرواية هي الفعل المتخيل الذي يقوم على الاختراع والابتداع “/21  وقدم (حمزة عليوي) قراءة في كتاب هو الأول في دراسته التمثيل الروائي المتخيل في ضوء التاريخ السياسي للدولة وهو كتاب القاص (محمد خضير) عنوانه “ تاريخ زقاق، مقالات في مئوية السرد العراقي”،اصدار2019. يبتكر المؤلف في كتابه مفاتيح دلالية تنظر لتاريخ الدولة في مرآة المتخيل وتحاول تأويل النصوص في ضوء تاريخ الدولة وأمكنتها التأسيسية” للمتحف صورتان صورة تجسيدية لمتحف البلاد التاريخي، ثمة متحف صنعته سرديات البلاد المتخيلة خلال مئة عام”/194.هذه المفاتيح ترجع المتلقي لتوأم الهجنة والمحنة مثل كلامه عن المتحف ،الزقاق ،الديوان.

عرض مقالات: