اخر الاخبار

ما المراد بالقراءة؟ قبل معرفة ما هي القراءة، يجب ان نفهم الرابط او العلاقة التي بينها وبين ما يطلق عليه بالنص، فلا قراءة دون نص، وإن كانت الاسبقية في استخدام النص في النظرية النقدية الادبية، عن طريق توظيفه عبر تطوراته اللغوية والمصطلحية والدلالية والاستعمالية، حيث لمسنا تكويناته ومقابلاته في التراث الفكري والثقافي والادبي القديم في جميع الكتابات الإنسانية، إلا إن اقترانه بالقراءة كشرط من شروط فهم وشرح وتأويل الكتابة التي يعالج بها الكاتب النص، جاء ما بعد منتصف القرن العشرين، عندما احتل ما يدعى بالقارئ سلطة تحديد العلاقات التي يفرضها النص، وتذويب الكاتب وإغراقه في غياهب النص الكتابي، وظهور الحاجة الى كشف تلك العلاقات من قبل ما تدعى بالقراءة فالقراءة فعل يقام على النص بغية تحليله إلى عناصر يمكنها الخضوع لأدوات القارئ الذي يأتي من خارج نظام النص، وبما إن القارئ يحمل تلك الأدوات المشابهة في نظام النص، فإن المشتركات اللغوية تتحول إلى مبان ألسنية تداولية، كي تتم عملية القراءة التي هي الفعل المساوي للكتابة، بشرط إن القراءة وهي تتظاهر على النص فإنها تهدد مغاليقه بالفتك الجينالوجي، وهو يحاول التعتيم على اقتراحات القارئ بالفرضيات المحتملة التي تتعمد القراءة بفتحها أمام سلطة القارئ، فإن كان القارئ يمتلك توجهاً نحو تفعيل عملية القراءة، أي نقل عملية تأمل النص إلى فعل القراءة، لا بد أن يضع أفقاً محتملاً من التوقعات، بسبب إن النص يحتوى على عدة مستويات من البناء المتعارضة التي تشكل بنيته الظاهرية، وتتغور إلى باطن النص، كلما أوغل القارئ في تهديم تلك المستويات اللغوية والدلالية والبنائية، ومادام النص يتناهى في عمقه، فإن الإندماج الذي يقوم به مع المؤلف يشكل نصاً مفتوحاً لعملية الحفر الأولية التي يمارسها القارئ، في أولى بوادر فعل القراءة، حينما تتحول حمولات النص مشحونة بفاعلية المؤلف إلى إرسالية ألسنية وسيميولوجية، وينشئ القارئ حينذاك أفقاً للتوقعات، لبروز عوامل معرقلة في قراءة النص خارجية افتراضية، أي إننا نفترض القراءة، ونتوقع من كونها قادمة من الخارج، أي من خارج نظام النص، فهي أكيد لا تحمل النية الحسنة، لأن الذي يقرأ هو الشخص الغريب عن معالم النص، ويشكل تهديداً صريحاً مبيتاً له، وهو أي النص القار على منظومة معينة لا يفتح سوى بفكرة إقامة علاقات افتراضية، فإذا أردنا أن نبدأ بفعل القراءة يجب أن نتعلم إن هذا النص مغلق بوجهنا، وهو عبارة عن عالم مصغر، يحمل في طياته كل الذي نتوقعه، والذي لا نتوقعه، والنص والقراءة في حالة ترقب لبعضهما، والفارق الزمني بينهما يحسب لصالح النص، فإن حدث الاشتباك فالنص يمتلك الأسبقية الزمنية، وتأتي القراءة بالتعاقب، وهذا يدل على إن فعل القراءة في النص زمنياً، بما هو من رتبة تعاقبية، فالنص يحظى بالأولوية في انفتاحه على العالم، لكن القراءة لها القدرة، وهي تعالج النص في أن تقحم مفهوم الاستبدال بدل التعاقب، بإضفاء سلطة الافتراض في القراءة الافتراضية، فنحن نعتقد إن القارئ لا يمكن تحديد هويته ولا مكانته، ولا أسلوبه ولا خلفيته الإيديولوجية، كل الذي نعرفه عنه، إنه الشخص الغريب، العابر الذي وجد صدفة أمام النص، الذي لا يظهر منه سوى صمته، وفعله القادم في مراقبة النص هو فعل لاشعوري حفزه حب الفضول، في تقليب شيء ملقى على قارعة الطريق، فالصدفة هي التي تقوج القارئ إلى النص، وإنشاء القراءة الافتراضية من بديهيات عالم الامكان، وتحقق الافتراض إلى حقيقة قائمة على التعبير والفهم، وإن البصيرة في القراءة أمام العمى في النص تتوضح على فعلي النية الحسنة وأفق التوقع، فإن جاءت القراءة الافتراضية عكس ما توقعنا ساخت النية الحسنة نحو السيئة، وهي فعل ارتدادي في استعادة سلطة قراءة النص بفعل استبدالي بعد أن فقد الحافز التعاقبي أثره الزمني، لأن ما يمتلكه النص من ولادة قبلية تسبق فعل القراءة تمثل وهم التعاقب التاريخي للنص، فالنص لا يمكن قياسه مع فاعلية القراءة الآنية، ثم الحكم إن التعاقب في القراءة ما كان له أن يجد سبيله لوعي القارئ لولا ظهور القراءة بعده، فعالم النص عالم مستقل عن فعل القراءة الذي يولد تواً، أي في حالة قيام القارئ بفعل افتراضي لقراءة النص، فتبدو فكرة التعاقب على إنها عملية تحشيد تطوري في إنية الوجود الامكاني في تنافس النص والقراءة، فالقول إن القراءة تحتال على التعاقبية بمكر الاستبدال، فهذا يعني إننا نفترض إن زمن النص يساوي صفراً محايداً، وإن دخول القراءة على مباني النص تحتم النهوض بفكرة حقانية الاستبدال على إنه جزاء الشرط الذي يقره القارئ في إن زمن بداية القراءة للنص هو الزمن اللازمني للنص، وهذا التصور يرسخ تصورين هما، في إن القراءة افتراضية في الخطاب، وفي المعنى أولاً، وإن فكرة الإساءة المحتملة في القراءة التي تتجاوز الزمنية النصية تضاف إلى فكرة عملية ترجيح الاستبدال على التعاقب، أي إطفاء الزمنية وإعلاء من شأن الاستبدال، كان شلايرماخر يرى إن التفاوت الزمني بين النص وقراءته، يجعل من حضور إساءته أمراً وارداً، لهذا اقترن الوجود بالزمن عند هايدجر الذي تأثر بهذا بفلسفة شلايرماخر التأويلية، وأدرك في كتابه (الكينونة والزمان) إن فكرة التعاقب فكرة حضورية في وعي الزمن الخالي من حضور الكينونة، لأن القراءة دوماً حضور في الزمن، بينما النص غياب في الزمن، لأن النص يحتوي على الزمن الكتابي الذي سجله المؤلف في تعاقب كفه عن الاستمرار بالكتابة، في حين يعوض زمن القراءة، في تماس زمن قراءة القارئ مع أول عتبة النهوض بالتحليل، أو التأويل، والقراءة الافتراضية تعمد على دمج الزمنين، الكتابي الذي هو بعهدة المؤلف في الماضي، والقرائي الذي هو من جهد القارئ في الحاضر، وإنتاج فكرة الاختلاف من خلال قلب التعاقب إلى استبدال، وفي الحقيقة، إن هذه الفكرة تقعدها القراءة الافتراضية على وفق سلسلة من العمليات البنائية المعقدة.

عرض مقالات: