اخر الاخبار

لم يكن اعتباطاً صدور كتاب عالمة الاجتماع البارزة د. لاهاي عبد الحسين “دراسات اجتماعية جديدة من العراق” متزامناً مع اقامة “المدى” لمعرض العراق الدولي للكتاب لأن د. لاهاي عالمة اجتماع كبيرة وتحديد صدور كتاب يتبدّى عن تحفيز لوجود الكتاب الملفت للانتباه لما انطوى عليه من بحوث جريئة وشجاعة مكتوبة منذ زمن ولم يكن للمتداول عن شخصية علي الوردي سبب في دراسته، بل الدراسة المبتكرة والمحتشدة بالآراء الجديدة، والشجاعة اضاءة جوهرية للدور الذي لعبه د. علي الوردي، والتشجيع على حضور دوره الثقافي في مناسبات كبرى كمعرض العراق الدولي. لذا حاز الكتاب اهتماماً من الجماعات المتنوعة والتي اقتنت منه. وأنا أعتقد بأن وجود وتنوع كتب الوردي في مكتبات العائلة العراقية يتمظهر عن سيادة عقل سوسيولوجي، يقدم آراء وشفرات، عن العلاقات اليومية بين الافراد والجماعات. وهذا ما ارادته د. لاهاي، لذا قررت ان تكون دراساتها الاجتماعية العلمية في صيغة كتاب يضم بحوث عن الحياة الاجتماعية، على الرغم من تعدد وتنوع مراكز البحوث المهتمة بالبحث العلمي الحديثة، بالإضافة على مجلات علمية، متمتعة برصانة، وقوة لتقديم المعارف والافكار من اجل اهتمامات جريئة وشجاعة، لان علم الاجتماع واحد من اخطر العلوم الانسانية، المتمتعة بدرجة عالية من الحساسية الراصدة للحراك والصراع المحتدم بين الجماعات المتباينة والعناية بنشر الدراسات والبحوث، يمنح علم الاجتماع عامة على التواجد والبقاء في المحيط الثقافي.

وما لفت انتباهي في هذه البحوث الرصينة الاسئلة الراشحة عن العلاقات والجدل الذي لم يتوقف حول العديد من الظواهر. ولكن لابد من الاشارة والتذكير بالجهود الكبرى التي قدمها عالم الاجتماع المعروف د. علي الوردي، لذا ركزت د. لاهاي على قراءة منهجية علي الوردي في فضاء علم الاجتماع مع متابعة ما توصل له علم الاجتماع العراقي بالماضي والحاضر، ومثل هذا الانشغال تتكشف العلاقة الحتمية التي لابد وان تحضر ولا تغيب وهي ضرورة الانتباه لذاكرة الافراد والجماعات التي تشكلت لها خزانات ثقافية، تتغذى بالمجاورة والمحاورة ويتحفز فيها صراع الماضي والحاضر، ومعروف بأن علي الوردي منشغل بذلك، لذا كان اعتماده جريئاً وقوياً عندما توصل عبر متابعته للماضي والحاضر استشراف ما يمكن التمخض عنه من افاق وتمظهرات، مع اهتمام واضح لحلول الاشكالات التي تمخضت عنها البحوث العلمية للاجتماعي المتعدد، اعتماداً على ملاحق مهمة للاستبيانات المتوصلة لنتائج دراسة علمية رصينة وكأن د. لاهاي تقول بشكل صريح، جريء وشجاع بأن العناية بالحياة الاجتماعية لا تتم الا عبر العلم وتكريسات الاجتماعي معتمداً على الاستبيانات، من هنا برزت بوضوح ودقة لا تقبل الشك بنتائج الدراسات الميدانية في محافظات البلاد، ومثل هذه التوصلات لا تقبل الشك، لأنها نتاج حوار بين الباحث وقاعدة متنوعة من الافراد. والمثير للانتباه هو ما ذهبت نحوه د. لاهاي هو “ حقوق الانسان، دراسة اجتماعية ميدانية “ ومثل هذا الاهتمام ضروري وحيوي، لانه اهتمام اتسع الاهتمام به بعد سقوط النظام الفاشي.

وتوصلت الباحثة لفحوص لعديد من توصلات الباحثين حول حقوق الانسان ومنها الجهود التي قدمها الاستاذ غانم النجار، الغرب والعرب وحقوق الانسان، في الكويت، حقوق الانسان بين النظرية والتطبيق للأستاذ مسعد سالم، وايضا ما اعدته الباحثة بشرى العبيدي عن “المرأة العراقية في المنظومة المجتمعية والقانونية في دراسة عن واقع العنف ضد المرأة في المجتمع العراقي” والتشريعات النافذة ولابد التذكير بأن تنوعات البحوث غير المنشورة والمفحوصة ودراستها، توفر فضاء واسعاً للاطلاع والدراسة.

وابرز ما يومئ لبحوث حقوق الانسان تعددها وتنوعها، ومنحتها د. لاهاي حضوراً قوياً، لأنها تدرك جيداً ما تعنيه قضايا الانسان “المرأة والرجل” من اهمية كبرى وسط تجربة سياسية تلوح بالديمقراطية، لكنها تخلخل المقبول والمطلوب الانساني الاولي.

ان تنوعات حقوق الانسان في بحوث علم الاجتماع غير محددة بمراحل عمرية معينة، بل مفتوح على كل المراحل والمجالات، ومثال اهتمام د. لاهاي بدراسة تقويم كتب التربية الوطنية والاجتماعية للمرحلة الابتدائية في ضوء مبادئ حقوق الانسان للأستاذ فالح حسن علي القريشي.

ولم تهمل د. لاهاي الاهتمام بحقوق الانسان من خلال مواقف دفاعية تقوم على مبررات دينية ورقمية ومعيارية. اذ لا يمانع القريشي على سبيل المثال في احترام حقوق الانسان انما وفق “ مبدأ الخصوصية الذي ورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان “ وما يمكن ان توفره الشريعة الانسانية “ ص277// وذكرت الباحثة تعريفاً بالجهود المهمة والحيوية على مستوى ما قدمته الهيئات المستقلة لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الانسان في العراق. فقد جاء في دراسة صدرت عن الهيئة المستقلة  لحقوق الانسان، ان من الصعب بحسب  مدير معهد الطب العدلي في مدينة الطب ببغداد اعطاء احصاءات دقيقة حول حالات القتل غسلاً للعار وبخاصة بعد حرب 2003، واوردت الدراسة عدداً من احالات الموثقة لزواج القاصرات “ صغيرات السن “ الى جانب عودة عدد من انواع الزيجات التي قاربت على الزوال كما في زواج الفصلية او زواج “ گصة بگصة “ او والدية وما شاكلها كثير من الممارسات التي تعبر عن انتهاك صارخ لحقوق الانسان في العراق / ص270//

ولأني اعرف اهتمام د. لاهاي بالأستاذ علي الوردي  من خلال الحوارات المستمرة وجدت الحاحاً ضاغطاً لإشارة جوهرية، تستحقها لاهاي لمرورها المركز حول منهج د. علي الوردي في وظائفه العلمية في مجال علم الاجتماع واكدت أن الحدة والصرامة والتطرف الموجود في البيئة الثقافية في العراق والتي تصدت له بأعلى ما فيها من ضروب الحدة والصرامة الثقافية في العراق، شق د. علي الوردي طريقة الى اذهان وقلوب وسامع القراء من الخاصة والعامة في المجتمع العراقي محققاً مالم يحققه عالم اجتماعي عراقي من شهرة ومحبة واحترام. ومع ان فترات التعميم الاعلامي والضغط السياسي والاهمال الاكاديمي اخذت من الوردي حصة واسعة، في محاولة لصرف الاهتمام عنه وتغطية عليه والتقليل من اهمية تحليلاته ودراساته المبصرة والتحجيم من مساهمته في تنوير العقل العراقي، الا انه يعود اليوم اكثر حيوية مما كان ليجد في كتاباته واعماله الطالب والقارئ اكثر من جواب محتمل لتفسير هموم ما برحت تعيد انتاج نفسها / ص21//

عرض مقالات: