اخر الاخبار

كان جدُّكَ وجدّي السابعَ عشرَقبلَ ألفِ قرنٍ أو أكثرَ رجلاً غريبَ الأطوارِ،يختلفُ بهيْأتِه عن جميعِ الناسِ فقد كان يرتدي ملابسَ غريبةً مرسومًا عليها أنواعُ الحيواناتِ البرّيةِ، طويلَ اللحيةِ والأظافِرِ، أمّا شاربُه فيحُطُّ عليه الطيرُ …وكان كثيرَ المزاحِ وبالأحرى كثيرَ الاستهزاءِ بالناسِ والاستخفافِ بهم وقد برعَ في ذلك حتّى "ملأ الدنيا وشغَلَ الناسَ"٠

أرادَ أحدُ الأشخاصِ يومًا أن يتقصّى حقيقتَه وقصد مدينةً غارقةً في الظلامِ من قرونٍ، فيها سوقٌ تُسمّى "سوقَ بيع الحقائق"! فوجد الرجلَ الغريبَ هناك من يمنحُ هداياه للناسِ الذين كان أغلبُهم عميانًا.

وقف، هذا الشخص، جانبًا ليتأمّلَ المشهدَ التالي:

 غريب الأطوار : (مناديـًا أحد العميان) اقترِبْ أيها الأعمى

الأعمى  : مَنِ المُنادي؟

غريب الأطوار  :  أنا الذي جئتُ من أجلكم

الأعمى : من اجلنا، نَحنُ العميان؟

غريب الأطوار :  أجلْ، من أجلكم حتّى أخرجَكم من ظلمة العمى إلى نورالإبصارِ

الأعمى : وكيف ستجعلُنا نبصرُ؟!

غريب الأطوار : مُدَّ يدَكَ و خُذْ هديتي

الأعمى   : وما نفعُها ؟

غريب الأطوار : ستُعيدُ إليك بصرَكَ

الأعمى: بهدية..! هل أنت صادقٌ فيما تقولُ؟

غريب الأطوار  : أتجرُؤ على تكذيبي؟

الأعمى : لا أقصِدُ، فالأعمى يبحث دائما عمّن يعيدُ إليهِ بصرَه

غريب الأطوار  : من أجلِ هذا جِىتُكُم

الأعمى : طيِّب! أعْطِنِي الهديةَ

غريب الأطوار  : خـذْ

الأعمى : (مادًّا يده) هاتِها

غريب الأطوار  : إنّها في كَفِّكَ

الأعمى : لكنّني لا أراها

غريب الأطوار  : وهل أنت مُبْصِرٌ ؟

الأعمى : أقصدُ، لم ألْمسْ شيئًا

غريب الأطوار  : أنت لا تقوى على رُؤيَتِها أو لمسِها

الأعمى  : أهيَ حزّورة؟

غريب الأطوار  : لا حزورة ولا فزّورة

الأعمى : لم أفهمْ شيْئًا مما تقولُ

غريب الأطوار  : ألسْتَ تملكُ عقلاً؟

الأعمى: أجلْ

غريب الأطوار  : وأنت أعمى ... صحّ

الأعمى : صحيح

غريب الأطوار  : وهديّتي لا تُرى إلا بالعقلِ

الأعمى : بعقلي؟!

غريب الأطوار  : أجل، بعقلِكَ… خُذها واذهبْ وبعد مدّةٍ سوف تبصرُ

الأعمى   : بعد يومٍ أو أكثر؟

غريب الأطوار  : أنتَ ثِقْ بي، وسَتُبْصِرُ اليومَ أو بعدَ كذا يومـًا أو كذا     

 شهرًا أو…المهمُّ أن تثِقَ بي

انصرف الأعمى مُثْنِيا في الظاهرِ على غريبِ الأطوارِ هذا.

  وبعد مغادرة الأعمى … اِقتربَ ذلك الشخضُ، الواقفُ جانبًا، من الرجل الغريبِ الأطوارِ.

الشخضُ : هلْ لي بِهديّةٍ منكَ ؟

غريب الأطوار  :  تفضّلْ ، خذْها

الشخضُ : أينَ هي؟

غريب الأطوار  : في كفِّكَ

الشخضُ  : لم أرَها

غريب الأطوار  : ذلك لأنّك أعمى

الشخضُ : (فتح عينيه) ولكنّني لستُ أعمى

غريب الأطوار  : لن تراها حتى إنْ كنتَ مبصرا

الشخضُ  : لِمَ؟

غريب الأطوار : لأنّ هديتي لا تُرَى بالعينِ

الشخضُ : (ساخرا)نعمممممم! سوف أراها بعقلي

غريب الأطوار : لقد فهمت فأنت رجلٌ…

الشخضُ  : (مقاطعا) رجلٌ لا يُؤمِن بسوق "بيعِ أو إهداءِ الحقائقِ"

ومن الأفضلِ تسمِيَتُها سوق"بيع الأوهامِ"

وانصرفَ الرجلُ وبعد مدّةٍ وجدوا رأسَهُ مفصولاً عن جسدِه.

(ومازلنا في هذا السوقِ عُمْيانًا ...)!

عرض مقالات: