اخر الاخبار

من المعروف عالمياً أن هوليوود ناجحة جداً في الترويج لأفكارها التي تنسجمُ  تماماً مع السياسة الأميركية، فبواسطة تلك الماكنة السينمائية الضخمة، وعلى مدى حقب تأريخية طويلة وتحت مظلة الدعاية الموجهة( البروباكَاندا) تمَّ طرح فكرة هيمنة القوة الأميركية بآلتها العسكرية الهائلة بالتزامن مع إعلاء وتمجيد قوة الجندي الأميركي الخارق الذي لا يُقهَر.

 وبالمقابل ثمة نماذج سينمائية أميركية على وجه الخصوص أغفلها النقد السينمائي لدينا في العراق، ولم تُسلط ْ الأضواء عليها من قبل الصحافة الفنية، وتتلخّص هذه النماذج بنمط ٍ من الأفلام التي أنتجتها الماكنة السينمائية الأميركية لكنها تَقفُ بالضدِّ من تلك التوجُّهات السينمائية السائدة، فبعض المخرجين أصحاب الأفكار الخاصة أو رُبَّما تبعاً لانتماءاتٍ آيديولوجية مُعيَّنة،وفي حقيقة الأمر نحنُ لمْ نتعمقْ في هذا الجانب، ولمْ نخضْ، كذلك، في الأسباب والدوافع لهذا التوجّه الفكري والفني، إلاّ أن النتائج النهائية التي ظهرتْ أمامنا على الشاشة البيضاء  كانت أفلاماً إتخذتْ موقفاً مُضاداً من الغزو الأميركي للعراق وأولتْ عنايتها في الكشف عن الجوانب الخفية لذلك الغزو، ذلك أنَ الفعل العسكري الأميركي بقوتهِ وغطرستهِ المعروفة - ومن وجهة نظر تلك السينما المُضادة - لا بُدَّ أنهُ قد تركَ وراءَهُ الكثير من الضحايا الأبرياء والخسائر المادية والبشرية، ولهذا أخذتْ هذه النتاجات السينمائية الأميركية موقفاً مُخالفاً للنمط الشائع في تلك السينما، وتبنَّتْ إنتاج أفلام فضحتْ هذا الخطأ التأريخي القاتل الذي طالما أعلنَ عَنهُ الرؤوساء الأميركان أنفسهم .

من هنا ينبثقُ سؤالنا : هل لدينا ما نقولهُ إزاء ذلك الإحتلال  الذي ما زال قائماً  بتواجد القوات الاميركية في القواعد والمعسكرات العراقية؟

وكيفَ يمكنُ طرح القضية الوطنية العراقية فكرياً إزاء ذلك الحدث التأريخي، لا سيِّما أنَّ الإحتلال والتواجد العسكري الاميركي ما زال موضع جدلٍ وشدٍّ سياسي بما يفرزُهُ من تداعيات عسكرية وأمنية ؟.

والسؤال العام يتلخص : أين نحنُ من كلِّ ذلك سينمائياً ؟

أليس لهذا الإحتلال الأميركي الطويل وتواجد القوات الاميركية على الاراضي العراقية من جوانب سلبية وتداعيات سياسية وأمنية وإجتماعية  يمكن ترجمتها من خلال طرح العديد من الأفكار والرؤى والتصورات التي تخصُّ هذه القضية الوطنية ؟

وإذا طرحنا الموضوع الجدلي للإحتلال الأميركي وتداعياته جانباً، فأين نحنُ من قضيتنا الوطنية الأساسية الأخرى التي أصبحنا بمواجهتها بعدَ أنْ تعرَّض العراق إلى الغزو الإرهابي يوم 10/ 6/ 2014 ؟

فبعدَ أربع سنوات من الحرب الطويلة والصعبة التي خاضتْها القوات العراقية وبمساندة قوات التحالف الدولي إنتهتْ بإعلان النصر النهائي على عصابات داعش يوم 17 / 12 / 2017.

لكن السنوات التالية التي أعقبتْ إعلان الإنتصار على داعش شهدتْ عودة الأعمال الإرهابية في ذات المحافظات العراقية الغربية التي سبق لداعش إحتلالها، حيث ما زالتْ تشهد يومياً العديد من الفعاليات القتالية العسكرية ضد فلول داعش .وما زال خطر تلك العصابات الإرهابية قائماً حتى الآن على الرغم من مرور ستة أعوام على بدء عمليات التحرير التي إشتركت فيها الصنوف العسكرية على إختلاف عناوينها ومسمياتها .

وإزاء ذلك أليسَ لدينا فكرة درامية أو صورة فنية يتوجب علينا إستثمارها سينمائياً  لتقديم صور مُشرقة ً للمقاتل العراقي والتذكير بالتضحيات الإنسانية الجسيمة والخسائر المادية الكبيرة التي دفعنا - وما زلنا ندفعُ - ثمنها غالياً في سبيل التصدي لعصابات الموت، والإعلاء من شأن الحياة التي نبغي ونريد؟

من هنا يجبُ الإحتكام الى (ما يجبُ أنْ يُقال) في هذا الجانب الفكري من الإنتاج السينمائي المطلوب، وإثارة التساؤلات وطرح التداعيات بجوانبها كافة، وخاصة ً الإجتماعية منها على وجه الخصوص.

ومن أجل أنْ نكون أكثر وضوحاً مع أنفسنا دعونا ننتج أفلاماً سينمائية بإطار موضوعي عام، وغير محسوم، لا ينتصرُ لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر، وكذلك بعيداً عن الجانب التعبوي الذي غالباً ما يرافقُ مثل هذا النوع السينمائي، والذي قد يؤدي سوء التوظيف الدرامي للموضوع، والطرح المباشر للأفكار الى عزوف المتلقي عن التعاطي مع محمولات الفيلم ورسالته، بحيث يتم التركيز على الجوانب الإنسانية والإجتماعية والنتائج والآثار السلبية التي لا بُدَّ وإن تكون حاضرةً أثناء معالجة( موضوعة الحرب) وبالتأكيد ستكونُ لدينا الكثير من الأفكار والقصص والرؤى والتصورات .

و لا بُدَّ من التذكير،هنا، بإن السينما العالمية وخاصة النمط الحربي منها والمعروف عالمياً ما زال ينتجُ أفلاماً عن الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918 والحرب العالمية الثانية 1939- 1945 والأسماء والعناوين بهذا الصدد كثيرة ومتنوعة ومن مناشئ دولية متعددة.

فهل هذا يعني أنَّ علينا الإنتظار لسنوات مقبلة أخرى غير تلك التي مرَّتْ علينا قبل أنْ نبدأ بإنتاج أفلام سينمائية عراقية عن هذه الحقبة التأريخية التي نعيشها الآن أو التي عشناها خلال ال17 عاماً الماضية بكل أحداثها وتفاصيلها الملتهبة ؟

أننا نعاني من إنعدام كلي للإنتاج السينمائي في هذا الجانب على وجه الخصوص منذ عام 2003 حتى الآن.

فإنتاجياً لم تُوضعْ أيَّة خطة إنتاجية لغرض ترجمة المعاناة الانسانية لمجتمعنا، أو التضحيات الكبيرة للقوات العراقية المسلحة التي قدَّمتْ، وما زالت تقدم، وعلى مدى سنوات طويلة الكثير من الأرواح والدماء والتضحيات فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة، وإزاء ذلك كله لمْ نقدَّمْ فيلماً سينمائياً واحداً يعالجُ ويطرحُ هذه الموضوعة الوطنية المهمة، وهو أمرٌ مُعيبٌ جداً بحق أنفسنا  وبحق قضيتنا الوطنية التي أخلصنا لها عسكرياً وقدَّمنا من إجلها التضحيات كي نحافظ على أسم العراق ووجودِهِ وكيانِهِ .

إنَّ العجز الإنتاجي الكامل يعودُ إلى عدم وجود التخصيصات المالية اللازمة للإنتاج السينمائي، وخاصة ً لدى الجهة الرسمية الوحيدة المَعنيِّة بالانتاج السينمائي وهي دائرة السينما والمسرح في وزارة  ثقافة، فضلاً عن إرتفاع تكاليف إنتاج الفيلم السينمائي نفسه وخاصة ً النمط الحربي منهُ نظراً لما يتطلبهُ من مستلزمات إنتاجية كبيرة سترفع ميزانية الانتاج اللازمة أضعافاً مضاعفة ً.

لكن هذا ليس مُسوغاً أو مُبررّاً كافياً لإيقاف عجلة الإنتاج بشكل كامل في هذا الجانب .

ويمكنُ في حساباتنا الوطنية الخاصة في معالجتنا لهذه الموضوع أنْ نُعوَّلَ على إنتاج أفلام سينمائية ذات ميزانيات متوسطة أو منخفضة من حيث السقف الإنتاجي، ولكن مع الحفاظ  على المواصفات الفنية المطلوبة في الوقت نفسه، ويمكن أنْ تشترك بتميولها أكثر من جهة مثل وزارة الثقافة ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية وغيرها من الجهات الساندة لها .

أنَّ القصور الإنتاجي الحاصل في هذا الجانب ليس مصدرَهُ عدم وجود التخصيصات المالية الواجب توفرها، بل يكمنُ في غياب الروح الوطنية الخالصة، وعدم الشعور بالمسؤولية الثقافية الناجمة عن الجهل والأمية الفنية، وقبل ذلك كله إنعدام الموقف الأخلاقي المُلتزم إزاء هذا المشروع الوطني .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر ومخرج تلفزيوني عراقي

عرض مقالات: