اخر الاخبار

“وقد عملت الماركسية وما تزال تعمل في سبيل تغييرالعالم وليس تفسيره فقط، لكون التفسير شئ والتغيير شئ آخر، فضلا عن ان الماركسية اعتمدت معطيات الواقع في التغيير الذي حصل ويحصل في الكون منذ بداية الخليقة حتى الآن” ص6.

جملة مقتطعة من  مقدمة كتابه الصادر حديثا عن مكتبة الرواد المزدهرة والمعنون “الماركسية وإشكالية الوعي العربي” يقدم لنا الكاتب جاسم محمد علي الساعدي طروحاتٍ غاية في الأهمية تتخلق في النظر مجدداً الى مفهوم الماركسية نظرية وتطبيقاً. ذلك انها سعت للعب دور كبير في إنتاج وعيٍ إنساني مختلفٍ عن السائد، في كيفية النظر الى الأشياء والمفاهيم والفلسفات التي سبقتها، بأعتمادها “التفسيرالمادي والعلمي” المناقض تماما للوعي القديم المتبني للمفاهيم الغيبية والمثالية. وهذا ما نلمسه ــ والكلام للمؤلف ــ في الوعي العربي وما يتبناه عقل الإنسان في شعوبنا التي أدمنت الثوابت والنظر الى الأشياء والمفاهيم وإعتناقها باعتبارها “مقدس” لايأتيه الباطل من اي جانب. ومن هنا يخلص الكاتب في مقدمته الى صيغتين فكريتين مهمتهما إحداث التغيير في وعي الناس على ضوء تحولات الواقع الإجتماعي، وهما:

1ــ الإبتعاد عن طرح المفاهيم العقيمة، التي قاعدتها الأمية المتفشية لانسان الوطن العربي.

2ــ قياس مدى تأثير الأفكار الغيبية على وعي الناس في المجتمع تحت تأثير” المقدس”، وهو يشكل إداة فاعلة تغيب عقل الإنسان العربي.

تناول الفصل الإول من الكتاب “إشكاليات الوعي العربي” إشارات هامة عن تشكلات الوعي عموما لدى الإنسان في مختلف المجتمعات، وأراء المفكرين والفلاسفة في فحص هذه الإشكالية ومدى إنعكاس العقائد والميول الإجتماعية وتحولاتها السياسية في عقل الإنسان العربي. وهذا التحليل تؤكده وتؤيده من الناحية العملية مقولة ماركس ((ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل ان وجودهم الإجتماعي هو الذي يحدد وعيهم)) ص14.

وعلى وفق ذلك يصبح الوعي لدى الناس “سالباً” كونه متلقٍ فقط وغيرناقد، مستلم وغير رافض، مؤيد وغيرمحتج. وهي بالضرورة اشكالية الوعي لدى الانسان العربي الذي غيب دوره منذ قرون. ليخلص الكاتب بقراءته لتطور العقل العربي وطبيعة وعيه الإشكالي الى ان “هناك الكثير من الصور التي أنطبعت في ذهنيته إجتماعيا وسياسيا ودينيا، وبعد تفكيك عناصر مكونات هذه الصور نرى انها خليط من الألوان، أي الوان المفاهيم التي تكونت منها الصور في وعي الأنسان)). ص17.

((ماركس والنظرية الماركسية)) هو عنوان الفصل الثاني، وفيه يتطرق الكاتب الى سيرة المفكروالفيلسوف كارل ماركس، والظروف الإجتماعية التي واجهت عائلته ومنها المادية تحديدا، وكيف له ان درس القانون في مدينتي بون وبرلين حتى حصوله على درجة الدكتوراه في الفلسفة.. متتبعا فيها المؤلف جاسم محمد علي التطور الفكري لماركس وتنظيراته عن الإشتراكية العلمية ومن ثم الفلسفة الماركسية برمتها، وصولاً الى تأليفه “البيان الشيوعي” موضحاً فيه الصراع الطبقي بقوله “إن تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ نضال الطبقات”، معرجا على قاعدة إستناد هذه الفلسفة التي أكدت من خلالها الجوهر الفعلي للمفاهيم المادية حولها والمتمثلة في مصادرها الثلاثة:

1ــ الفلسفة الألمانية الكلاسيكية.

2ــ الأقتصاد السياسي الانكليزي.

3ــ الإشتراكية الطوباوية الفرنسية.

في الفصل الثالث وضمن محور “الماركسية والأحزاب الشيوعية في العالم العربي” تتبع الكاتب دخول الأفكار الماركسية الى المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وكيف توسعت وصارت اساسا لكتل وأحزاب لها تأثيرها في الشارع العربي، وقاعدتها الطبقات الكادحة التي كانت تمثل النسبة العالية في الوطن العربي، مشيرا الى قول الأستاذ عزيز سباهي في كتابه “عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي /ج1)) أن “ثورة اكتوبرالأشتراكية نبهت شعوب الشرق الى ما كان يخططه لها الإستعمار الغربي، ودعتها الى النهوض للتخلص من كل ألوان الإضطهاد القومي والاستغلال الطبقي، ودلتها الى سبيل الخلاص)) ص 80.

ثم تناول الكاتب أبرز الشخصيات المؤسسة للحزب الشيوعي العراقي منذ البداية على شكل خلايا، وصولاً الى كيانه كحزب مؤثر في الحياة السياسية العراقية حتى سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003. وجدير بالذكر ان لتأسيس الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية تأثيرا كبيرا في تطور وعي الطبقة العاملة، حيث اخذت دور المرشد والمدافع الحقيقي عن مصالح هذه الطبقة والفلاحين والكادحين، فضلا عن قيادتها التظاهرات التي أستشهد فيها الكثيرمن أعضائها وزج خيرة كوادرها في السجون وإعدام قادتها)). ص92.

“محاربة الماركسية والشيوعية في العالم العربي” عنوان مبحث الفصل الرابع، حيث تم تسليط الضوء على العوامل والأفكار والشخوص التي تصدت لهذا الفكر التقدمي، ودور الإرستقراطية ومصالحها الطبقية في الوقوف أمام هذا المد التحرري الإشتراكي.

فيما جاء الفصل الخامس تحت عنوان “الماركسية وانهيار التجربة السوفيتية” ورصد المؤلف فيه تفاصيل هامة عن علاقة الأحزاب الشيوعية بالحزب الشيوعي السوفييتي ما قبل الأنهيار..

الكتاب باختصار جهد متميز في تتبع تاريخية التأثير الماركسي في الشعوب العربية ودورالحزب الشيوعي العراقي الطليعي وقيادته للجماهيرالى منصات الحرية والمساواة، مع توثيق علمي لما دونه على وفق مصادرثقافية رصينة، مما يشعرنا على الدوام كقراء ومتلقين بمراجعة هذه الطروحات الفكرية ومضامينها الفلسفية المصاحبة لتطور الوعي الإنساني.

ــــــــــــــــــ

*كاتب عراقي

عرض مقالات: