اخر الاخبار

سجينة سياسية في زمن البعث المقبور، ومصورة فوتوغرافية تحدّت قيود المجتمع لتزاول مهنتها التي تحب.. انها سميرة مزعل، ابنة مدينة العمارة التي كبرت والكاميرا بيدها، فوثقت بعدستها طبيعة أهوار الجنوب المميزة ووجوه سكّانها.

احتلت سميرة بكفاحها المهني والسياسي خلال سنوات عمرها الـ 77، مكانةً حقيقية كامرأة صلبة. ورغم كلّ ما قاسته من سجن وتعذيب، لم ينطفئ شغفها بمهنة التصوير منذ أن كانت في السادسة عشرة من العمر.

“لا يوجد بيت في مركز ميسان وأقضيتها لا يعرف سميرة المصورة”. هذا ما يقوله باسم الزبيدي (40 عاما).

ويضيف قائلا في حديث صحفي: “جيلنا عرف سميرة كمصورة، أما الجيل السابق فقد عاصرها في نضالها”.

أول مصورة

من الاستوديو الملاصق لمنزلها في العمارة، تسرد سميرة لوكالة أنباء “فرانس برس” مسيرتيها المهنية والنضالية التي بدأت في الستينيات كأول امرأة تمتهن حرفة تعدّ حكراً على الرجال، في مجتمع ما زال محافظاً وذكورياً إلى حدّ كبير.

وتقول: “من الفلاحين إلى المثقفين، صورت الكثيرين.. صورت العمارة بجمالها الطبيعي حتى أعماق الأهوار”.

“المجتمع قاسٍ”

حينما قرّرت حمل الكاميرا ومزاولة التصوير، لم يحبذ والدها الفكرة، وعندما طلبت منه أن يعلمها المهنة باعتباره مصورا، أجابها: “كلّا، أنت لا تزالين شابة صغيرة لا تستطيعين امتهان التصوير، والمجتمع قاسٍ لا يتقبل ذلك”.

في تلك الأيام أصبحت ظروف عائلة سميرة المادية صعبةً جداً. فالوالد الذي كان من أوائل المصوّرين في ميسان، فقد بصره، ولم يعد قادراً على إعالة العائلة.

تقول سميرة أن والدها قام بعد ذلك بتلقينها أساسيات التصوير بالكاميرا الشمسية، ثم باع أرضا كان قد ورثها عن أجداده، واشترى لها بثمنها كاميرا كهربائية. وتدريجيا أصبح الإقبال على “أستوديو سميرة” كبيراً من شخصيات العمارة وعائلاتهم.

وعن موهبتها يقول الناشط مناف عاتي، أن “سميرة تكاد تكون المصورة الوحيدة في ميسان. وقد تحوّل اسمها إلى رديف للنضال والتاريخ السياسي النسوي في المحافظة، نظرا لما لعبته من دور في مقارعة النظام المباد”.

وبينما كانت سميرة تكتسب شهرة واسعة كمصورة وموّثقة يقصدها الناس، كان العراق يتجه إلى تغيير سياسي عبر انقلاب بعثي دموي، لتذوق على إثره هذه الشابة ذات الـ 16 ربيعا، مرارة السجون والتعذيب. كان ذلك في العام 1963.

“ارفعوا أيديكم عن الأحرار”

لم تكن سميرة تعلم أنّ منشوراً مناهضا لانقلاب البعث الدموي، قامت بتصويره وطباعته في مشغلها، سيدخلها السجن لسنوات وسيذيقها أشد أنواع التعذيب.

فقد كان الميل السياسي لعائلتها شيوعياً، وهي دعمت هذا التوجّه بـ “الفطرة”. وحينما دخل متجرها 3 شباب شيوعيين طالبين منها طباعة المنشور الذي يقول: “ارفعوا أيديكم أيها الجبناء عن المناضلين الأحرار”، لم ترفض.

وتؤكد سميرة أنه “لم يبقَ جدار في العمارة إلّا وألصق ذلك المنشور عليه.. فحُوكمت بسببه”.

وتظهر صورةٌ لها بالأبيض والأسود وهي على فراش المستشفى، قسوة التعذيب الذي تعرّضت له على الرغم من أنها كانت قاصراً. ففي بداية اعتقالها عام 1963، أحضرها الأمن إلى أحد بيوت العمارة الذي كان معروفاً بأنّه مقرّ للتعذيب. فصرخت من شدة التعذيب كثيرا لدرجة أنها اعتقدت أن العمارة كلها ستأتي لتخلّصها – وفق ما ترويه.

ثم نقلت من هناك إلى سجن بغداد المركزي، وقضت أربع سنوات من السجن والمرض والعذاب، قبل أن يصدر مرسوم جمهوري لإطلاق سراحها، إثر ضغط دولي من مجموعات دولية مدافعة عن حقوق السجناء أثارته صورتها وهي على سرير المستشفى.

في العام 1981 عادت إلى السجن، هذه المرة في البصرة، لتقضي ثمانية شهور قبل أن يصدر عفو آخر أيضاً بضغط سياسي. وفي العام 1991، أودعت سجن الرضوانية في بغداد بعدما قادت تظاهرة في العمارة مناهضة للنظام. فخرجت بعد شهور بعفو خاص صدر عن النساء.

عن انتفاضة تشرين

سنوات الشقاء التي عاشتها سميرة، لم تطفئ الروح الثورية فيها. فهي ترى أن “احتجاجات تشرين 2019 جاءت رداً على أخطاء ارتكبها النظام السياسي”، لكنها ترى أنه “كان الأجدر بالمحتجين أن يجعلوا من احتجاجاتهم ثورة عارمة تقلع جذور الفساد”.