اخر الاخبار

بعد مرور مائة يوم على اندلاع هذه الحرب العبثية، نلاحظ صدور ما يفوق المائة من البيانات من قبل القوى الحية ولا سيما الحزب الشيوعي (مركز وفروع في الداخل والخارج)، تنسيقيات لجان المقاومة بالعاصمة والأقاليم، تحالف التغيير الجذري، الاتحاد النسائي، العديد من منظمات المجتمع المدني (بما فيها تنظيمات قطاعية متخصصة). كما أصدرت بعض القوى السياسية والأحزاب بيانات معادية للحرب تشجب تداعياتها. وإن اختلفت منطلقات وبيانات هذه القوى فى درجة اقترابها أو ابتعادها من موقف التغيير الجذري، إلاّ أنها فى نهاية الأمر بيانات ومواقف معاديه للحرب؛ بينما لم تصدر بيانات مماثلة من اتحاد الشباب أو لجنة الشباب أو الجبهة الديمقراطية للطلاب أو منظمات عمالية أو اتحادات المزارعين.

 كل المنظمات والأحزاب والكيانات التي أصدرت هذه البيانات لها تجارب واسعة ومختلفة وتراث ومخزون ثوري وديمقراطي في العمل التعبوي والتنظيمي. لكن، باستثناءات قليلة، لم تشهد المائة يوم عملا جماهيريا قاعديا ضد الحرب. ومع كل التقدير لجماهير العاصمة التي افتقدت كوادرها المدربة ومدن دارفور التي تعيش مخاطر الحرب وتداعياتها القاسية، نجد أن الطلائع قد انخرطت في عمل إنساني بطولي لتخفيف آثار الحرب الكارثية وما زالت مستمرة في نشاطها.

واضح إن هذه البدايات قد أثمرت، حيث استطاع بعض الشباب وسكان بعض الإحياء الخروج وتحدي الفرق المسلحة المختلفة، سواء كانت مليشيا الدعم السريع أو مجموعات عَقّار، وهى تدافع عن حقوقها وتطالب بإيقاف التعدي على المواطنين العزل، الأمثلة على ذلك؛ الحلفايا والقضارف... إلخ.

أيضا، نلاحظ ضعف التضامن مع هذا العمل البطولي من أبناء وبنات إحياء بعينها، خاصة بعض؛ إحياء بحري وأمدرمان ومدن داخل السودان وجاليات في الخارج. لا يخفى أن المجتمعين الدولي والإقليمي ما زالوا بعيدين في ما يخص مسألة العون الإنساني أو فتح الممرات أو إيجاد هدن ووقف إطلاق نار تستفيد منه الجماهير، حيث إن مسؤولية حماية الحق في الحياة هو مسؤولية دولية وإقليمية في المقام الأول. لكن يبدو أن هذا الضعف في دور المجتمعين الدولي والإقليمي يأتي من نزوعهم نحو فتح حوار مع طرفي الحرب والمسؤولين عنها بدلا عن التوجه إلى المجتمع السوداني والقوى المدنية التي تتحمل، وحدها، مسؤولية عدم وحدتها.

يهمنا الإشارة، في هذا السياق، إلى الوضع في بعض المدن الأخرى مثل مدني وعطبرة وبورتسودان وكوستي حيث كان من المتوقع ومن الممكن أن تتحرك المنظمات والأحزاب - والقوى الحية - لتعبئة وتنظيم الجماهير في أي شكل جبهوي عريض ضد الحرب حسب ظروف وإمكانية كل مدينة. البداية قد تكون متواضعة برفع الإعلام البيضاء، “الدعوة للسلام”، اللافتات المنددة بالحرب، وصولا للتظاهر والإضراب. بجانب ذلك وقبله رفع رايات التضامن مع جماهير العاصمة ومدن دارفور وكردفان المكلومة.

 السؤال لماذا خرجت الجماهير بشكل رائع ومنظم عقب انقلاب 25 أكتوبر تحت اللاءات الثلاثة واستطاعت، عبر مواثيقها، أن تهزم الانقلاب وتفرض على القوى السياسية المترددة الوقوف خلف ستار لا شراكة لا تفاوض لا شرعية؟ السبب قد يكمن في صدمة الحرب وعدم استعداد وتوقع قيادات القوى الحية لاندلاعها، وبالتالي ارتباكها إمام سيناريو الحرب الكارثية. لكن بعد مرور ما يزيد عن مائة يوم، غير مبرر وغير مقبول أن تقف القوى الحية - جذرية وغيرها - بعيدة عن العمل الدؤوب والصبور لبناء حراك جماهيري عريض ضد الحرب ومن أجل استرداد السلام والمضي قدما لتضميد جراح الجماهير وبناء ثقتها في مقدراتها والتحول التدريجي لانتزاع حقوقها الاقتصادية والسياسية، وفي مقدمتها حقها فى الحياة والأمن والأمان وسيادة القانون.

ويبدو أن القوى الحية لازالت بعيدة عن إدراك جوهر أسباب الفشل الذي صاحب الثورة في موجتها الأولى. فعلى الرغم من نجاح الجماهير المنظمة عبر حراكها ومواثيقها في هز أركان النظام وخلع رأسه، فإن ذلك الانتصار لم يطول، إذ سرعان ما تمكنت القوى المعادية للثورة والقوى المترددة والمساومة في “قوى الحرية والتغيير” (قحت) من هزيمة مشروع الثورة الوليدة وإفراغ البرامج المتفق عليها من مضمونها الثوري وترسيخ سيادة وتحكم التحالف المدني العسكري المدعوم عالميا وإقليميا.

السبب الرئيسي خلف تلك الهزيمة المؤقتة، يكمن في أن القوى التي تصدت لقيادة الحراك الجماهيري لم تكن تمثل القوى القاعدية التي ملأت الشوارع، وإن القوى الحية لم تكن موحدة بالدرجة التي تسمح لها بمنازلة وهزيمة القوى المضادة للثورة، وهذا هو الحال الآن. تجب الإشارة هنا إلى أن طلائع هذه القوى تتحمل المسؤولية عن إحباط الحراك الشعبي وعودة اللجنة الأمنية وتحالفها للحكم .

الضعف الحالي للحراك الجماهيري، رغم ظروف الحرب الكارثية، يمكن ربطه بخروج الآلاف من الكوادر إلى الخارج كما حدث خلال تجربة تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. ولا سبيل امام القوى الحية إلاّ بأن تشرع فى تنظيم صفوفها وقواعدها وتحسس مواقعها ورسم الطرق للتقدم إلى الأمام من أجل بناء حركة جماهيرية واسعة ومنظمة.

حسب تجارب القوى الحية يبدو من المهم ضرورة بداية بناء واستنهاض العمل الجماهيري من القواعد في الإحياء. إذ في ظل الحرب وتوقف دولاب العمل في المدن لا بديل سوى العمل في الإحياء. وهذا ينطبق على المواقع في المدن كافة، علما باختلاف ما يمكن عمله في العاصمة أو الأبيض تحت ظروف الحرب وما يمكن القيام به في عطبرة وبربر وكريمة وبورتسودان.

الدعوة للعمل والنشاط والنضال تبدأ بالخطوة الأولى الأسهل في البيت والحارة والحي، وتتوسع وتتمدد وتصل إلى الإحياء القريبة إلى أن تضم المدينة والمنطقة. هذا التحرك يستدعي العمل الدؤوب والصبور من قبل الطلائع القيادية والمبرزين من القواعد. وليسأل كل منا نفسه ماذا قدم في المائة يوم الماضية؟ وما هو واجبة في الأيام والأسابيع القادمة لوقف الحرب وبناء الأداة الجماهيرية والوعاء الواسع للتقدم ولجم وهزيمة أعدائها من الفلول وتجار الحروب والجنرالات والمليشيات، والتقدم والجسارة لبناء الجبهة، وعبرها، إطفاء فتيل الحرب وتحقيق السلام المستدام وبناء سلطه الشعب في الحكم المدني الديمقراطي الكامل.

ـــــــــــــــــ

* عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني والناطق الرسمي بإسمه

عرض مقالات: