زوجته. تروي المؤلفة الوقائع والأحداث على لسان أبو زيد، وكأنها تترجم سيرته فقط، وتستهلها منذ لحظة مغادرته مصر إلى “جامعة لايدن” الهولندية عام 1995، لكنه حيث يصف أولى نهاراته التي قضاها في الجامعة، يعود ليتذكر قريته قحافة، على دلتا النيل، التي نشأ فيها لأبوين فقيرين مكافحين، وهو ما دفعه مبكراً للبحث في مفهوم العدل؛ العدل الذي يقع في قلب القرآن، وعمل على تطوير مفهومه في أبحاثه، خاصة في تطبيقه في الشؤون الاجتماعية. ويشير صاحب كتاب “إشكاليات القراءة وآليات التأويل” إلى أن بعض الحقائق الخاصة بقضية نفيه لا تزال خافية، بالعودة إلى رفض ترقيته لدرجة أستاذ في قسم اللغة العربية بـ”جامعة القاهرة” عام 1992، حيث لم ينل إجماع أصوات لجنة الترقية المكوّنة من سبعة أعضاء، ونال ستّاً منها، إذ اتهمه العضو السابع، عبد الصبور شاهين، بـ”ضمور الضمير الديني”، مصحوباً بحالة من “الإرهاب الفكري”، وشبّه أبحاثه بأنها “إيدز ثقافي” و”محاولة علمانية ماركسية لهدم المجتمع المسلم المصري”.

كما يوضح أبو زيد بأن حرباً كلامية نشأت آنذاك بين الإسلاميين الذين اعترضوا على النتائج التي توصل إليها في بحثه عن القرآن (وهو البحث المقدّم للترقية)، وبين المفكرين الأحرار الذي رُوِّعوا من موقف “جامعة القاهرة” التي لعبت دور “الميت” في هذه القضية، وتركت الساحة للإسلاميين ليتحكموا في القرارات الأكاديمية التي كانت يجب أن تصدر عن الجامعة. يفصّل بعد ذلك طبيعة نظرة كلا الفريقين إلى التراث، وعدم أخذ الإسلاميين بمناهج البحث الحديثة، لكنه يستعيد ما كتبه في مقدمة كتابه “نقد الخطاب الديني” حول علاقة شركات توظيف الأموال الإسلامية التي صدرت فتاوى بتحليلها، ما دفع المواطنين المصريين لإيداع أموالهم فيها لتتبخر لاحقاً بعد خسارة جزء منها وتحويل جزء آخر إلى الخارج، حيث كان شاهين نفسه مستشاراً لإحدى هذه الشركات.

وعند التوجه إلى رئيس الجامعة للفصل في قضية الترقية، فضّل حينها تأكيد رفض اللجنة تجنباً لاستثارة الإسلاميين في الجامعة، وإعادة التقدم للترقية مرة أخرى، ولم يمض سوى أشهر حتى أعلن شاهين في خطبته على منبر مسجد عمرو بن العاص أبو زيد مرتداً، ثم تقدم محامٍ إلى محكمة الجيزة بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، لتصدر مصادقتها على الدعوى.

يلفت صاحب كتاب “الاتجاه العقلي في التفسير” إلى لجوء المحكمة إلى مبدأ “الحسبة” الذي يعود إلى القرن التاسع، موضحاً الخلل القائم في التشريع المصري، كما ينوه إلى أن إحدى المجلات المحسوبة على الحزب الحاكم نشرت بعد ذلك مقالاً اتهمه بتهديد المرجعية الدينية والروحانية للطلبة، إلى أن نجح الإسلاميون في تثبيت الردّة عليه، بموازاة النظر في قضية ردّته في المحاكم المصرية.

وما إن نال أبو زيد الترقية من “جامعة القاهرة” عام 1995، حتى صدر حكم “محكمة القاهرة” بأن كتاباته تثبت أنه مرتد، وأكدت على تفريقه عن زوحته، لتخرج فتوى من تنظيم “الجهاد” السري آنذلك بإهدار دمه، ما اضطره إلى مغادر مصر خلال أقل من شهر. وهنا يستشهد أبو زيد بأقوال عدد من المفكرين والباحثين الذين رفضوا تكفيره، كما تلقى تضامناً من أشخاص عاديين، إضافة إلى أنه يستنكر في كتابه موقف السلطة المصرية من القضية، وتخليها عن مسؤولياتها وتطبيقها القانون.

الكتاب يروي كامل الوقائع التي أدت إلى نفي أبو زيد، قبل أن يعود إلى سنوات الطفولة والدراسة وإعالته لعائلته في سن مبكرة بعد رحيل والده، وانتقاله للعيش والإقامة في القاهرة وقصة زواجه، والصراعات التي عاشها في بداياته بالبحث، ورحلة التدريس، وخلاصاته التي وصل إليها بعد مراجعاته الجذرية لتأويل النص والفقه والتراث، وتأملاته المستقبلية لواقع الإسلام والمسلمين.

شهادة يقدمها أبو زيد في لحظة حرجة من حياته، كان حريصاً أن يبقيها ضمن سياقاتها الاجتماعية والثقافية من دون أن يضفي عليها أيّ بعد شخصي.

ــــــــــــــــــ

“العربي الجديد” – 10 تموز 2023

عرض مقالات: