اخر الاخبار

المرأةُ الأديبة مطالبةٌ بممارسةِ دورها كمثقفة وعليها أن تُسهم في رسم معالم الثقافة العراقية، وتُظهِر ملامحَ الصورةِ البهيةِ الغائبةِ عن المشهد الثقافي لعقود خلت. فقد خرجتْ المرأة إلى الشارع متصدية، ومساندة للمرأة التي لازالتْ تقبعُ في أقبيتها المظلمة، وخصوصا المرأة الأديبة التي التقطت بعدستِها الفوتوغرافية المشاهدَ اليومية التي تبينُ القمعَ والاضطهادَ الذي يُمارس بحقِ المرأة، وأنارتْ الظواهرَ الايجابية منها ولو بضوءٍ خافت، فالمثقفُ عموما ودونَ أن يدري يجد نفسه في خضمِ الصراع بين القوى المستبدة والمجتمع الرافض لها، لذا نراه يرسمُ بقلمهِ ويوثّق اللحظةَ وتدوين عشرات القصصِ مُستلهماً إياها من واقعِه المرير لنقلِ الصورَ الايجابية والسلبية معا. وهنا يأتي دور المثقف برصدِ الحالة ومتابعة الحدث برسم معالم الحياة متأثراً ومتألماً، ومشخصاً مواطن الخللِ والقوةِ في المجتمعِ بشكلٍ عام والمرأة بشكلٍ خاص.

فالمرأةُ الأديبة قالتْ كلمتَها في المرأةِ كقضيةٍ وواقعها الملموس في العديد من المواضيع، وفق رؤيا عامة، وبرزت المرأة في العلمِ والاقتصادِ والتأريخِ والسياسةِ والقضايا المجتمعيةِ في مجالِ حقوقِ الانسانِ والمساواةِ مع الرجلِ، وأثبتتْ جدارتها في كثيرِ من المواقع،  وسواء كانتْ منحازةً لقضيتِها، ومناصرةً للمرأةِ، متجاوزةً المحيط الذي تعيشُ به، أو متخاذلةً ومنكسرةً وفق شروط الواقع الذي تنتمي إليه، أو رافضةً للواقع الأليمِ الجائرِ بأحكامِه، المتعسفِ ضدَ المعطيات الحقيقية لدى المرأة ومنجزاتها ومبادراتها في متابعة المسيرة اليومية للحياة العامة ككل.

ولو رجعنا إلى البدايات ومنذ تأسيس الدولة العراقية 1921 وحتى 2023، أي ما يقارب مائة عامٍ ونيف وما رافقها من تقلباتٍ سياسية واجتماعية، لكشف الواقع المرير خلالَ تلك الفترةِ، وتخلخل في النسيجِ السيسيولوجي لطبيعةِ المجتمع العراقي، على إثر تعاقب السلطاتِ السياسية، التي حكمتْ العراقَ، وخوض غِمار الحروبِ خلال الحقبِ والعقودِ التي تلتْ وحتى الالفيةِ الثالثةِ.

هنا، لابد أن نُشير إلى أن الانسانَ وليد بيئته سواء كانَ عاملاً أم فلاحاً أم طبيباً أم مهندساً، أم أديباً مثقفاً متأثراً بواقعه، في كسبِ عاداتِه وأفكارهِ وكيفيةِ التأقلم والتعايش معها، أو رفضها في يومياته، أو قبولها بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وبثها إلى البيئة الحياتية المحيطة به، فيصبح هو نتاجها مؤثراً ومتأثراً بها. فالأديب أو الأديبة، نتاجهما الأدبي هو وليد أفكارهما التي تربّيا عليها، مدوناً أو مدونةً إياها كساردٍ أدبي أو ساردةٍ أدبيةٍ، وبتقنياتِ الفنِ القصصي أو الشعري الجميل والمؤثر في افكارها وطرحها للقارئ.

لذا نأخدُ نماذج من الأديباتِ اللواتي ظهرنَ في العقدِ الخمسين من القرن العشرين وما سبقه في العقد الأربعين من القرن ذاته، ومَنْ هنَ المؤثرات في المشهد الإبداعي العراقي وإلى الآن، كالرائدة الشاعرة الكبيرة  نازك الملائكة التي اختارتها منظمة اليونسكو العالمية رمزاً للاحتفاء بتجربتها الشعرية للعام 2023، وأقيمَ احتفال احتضنته العاصمة بغداد ليومي 24-25من أيار 2023 وكان عنوان الاحتفال ( مائة عام على ولادة نازك الملائكة) وهي علمٌ من أعلام الأديبات العراقيات، واسما مشرقاً في سماءِ الادبِ العراقي نفتخرُ به جميعاً.

فقد مارست كتابة الشعر والقصة والترجمة باللغتين العربية والانكليزية فكان الشعر يفيض بكل المشاعر والانفعالات بشكل مباشر وغير مباشر، مغلفة اياه بألوان التناقض مما في أعماقها كأنثى، والانثيالات التي ترِدها، وفي مخلية ثرّة تعكسُ أحاسيسها كامرأة جريئةٍ مرة، ومترددةٍ مرة أخرى، محاولة كسرَ القيودِ الاجتماعية. ومثال آخر من الكواتب المشهود لهن في عالم الأدب العراقي، هي  الكاتبة والروائية  الرائدة سافرة جميل حافظ من جيل الخمسينيات من القرن العشرين ولازالت مستمرة بعطائِها، أود أن أنوهَ بتأكيدي على تسلسلِ العقودِ لظهورِ المرأة الأديبة في تلك الفترة، لأبَين مراحلَ النمو الثقافي المجتمعي وخصوصا بين صفوف النساء اللواتي هنّ في قمةِ الهرم من خلال الفترات المتعاقبة ولو بشكل بطيء ومحصور على الطبقات الارستقراطية والأثرياء من المجتمع العراقي، فنجد تأريخ سافرة جميل حافظ حافلاً بالنضالِ المجيد، وهي من الرائدات الأوليات في تأسيس المنظمات النسوية، للدفاع عن حقوق المرأة آنذاك.

وفي العقود التي تلت برزتْ شاعرات مبدعات رائعات أمثال الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، كتبتْ الشعرَ بقصائد ملتزمة ومادة جادة في توطيد الصلة بين الشعب والشعر، وهواجس لتكون أكثر التصاقا بقضايا الانسانية، وبارعة في الولوج إلى كتابة قصائد الحب والجمال وبلغة رصينة وشفافة.

وهكذا أستمرت عجلة النمو الثقافي لدى المرأة، حيث  برزت أسماء نسوية في الأدب العراقي لها ثقلها في المشهد الثقافي في العقد الستيني والسبعيني والثمانيني من القرن العشرين أمثال القاصة والروائية المتميزة في السرد العراقي لطفية الدليمي والقاصة بثينة الناصري والقائمة تطول بأسماء المبدعات العراقيات اللواتي رسمن بأناملهن لوحات سردية روائية  وقصصا قصيرة وأشعارا تحكي بطولات ومآسيا، مر بها الشعب العراقي عبر عقود الحروب والاحتلال الأمريكي وما حل بالبنية المجتمعية من دمار، مع ذلك ظلت المبدعة العراقية تعكس الجمال والحياة، وسوف لن أكتفي بذكر أسماء الأديبات عبر هذا المقال ولكني أطالب بقراءة  ما دوّنه وألفه الكاتب والباحث جواد عبد الكاظم بمعاجمهِ الخمسة التي عنوانها       بـ (الأديبات والكواتب العراقيات في العصر الحديث)، خمسة مجلدات ضخمة بأسماء مبدعاتنا الأديبات وتسليط الضوء على منجزهن الإبداعي، برزن في المشهد الثقافي العراقي، ممكن الاطلاع عليها كوثيقة خالدة لنا نفتخر بها جميعا، فهي تعد انجازاً كبيراً للمرأة العراقية ككل وفخرا لنا كمثقفاتٍ وأديبات توّثق أسماءهن وأعمالهن للأجيال القادمة كرائدات للثقافة النسوية العراقية.

شكري وتقديري للمؤرخ جواد عبد الكاظم ولجهوده المبذولة بجمع هذا الكم العظيم من الأسماء النسوية وأرشفة نتاجهن الإبداعي.

عرض مقالات: