اخر الاخبار

يواصل مجلس النواب التصويت على مشروع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال ليكون بديلاً عن القانون النافذ رقم (39) لسنة 1971. حيث ينتظر عشرات آلاف العمال والعاملين في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني والعاملون في القطاع العام بعقود وأجور يومية، منذ سنوات طويلة، تشريع قانون جديد للضمان الاجتماعي، بعد ان أصبح القانون النافذ غير ميتوافق والتشريعات الوطنية ومعايير العمل الدولية، ولا يلبي المتطلبات التي فرضتها التطورات الحاصلة في قطاعات العمل المختلفة، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا. فضلا عن ازدياد المنخرطين في سوق العمل لتتخطى أعدادهم تسعة ملايين عراقي.

وبدل فتح حوار اجتماعي واسع يساهم فيه جميع الشركاء الاجتماعيين، حول القانون الجديد المنتظر، أقدمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على كتابة مسودة وارسلتها بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة إلى مجلس النواب العراقي، الذي قرأ المسودة قراءة ثانية من دون إشراك حقيقي للجهود المجتمعية في النقاش والحوار حول قانون يُعد المستفيدون منه بالملايين.

ان في هذه المسودة التي يسعى مجلس النواب إلى تشريعها، كثيرا من النواقص وهي تشكل محاولة تقاعس عن تنفيذ التزامات الدولة، التي اشارت لها المادة ٣٠ من الدستور العراقي النافذ، باعتبارها “تكفل كل أشكال الضمان الاجتماعي”، وتضاف إلى المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها العراق، ومنها الاتفاقية (102) لمنظمة العمل الدولية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فالمشرع يسعى عبر هذه المسودة إلى تأسيس صندوق تجمع فيه أموال الاشتراكات، مع حد أدنى من الضمانات التي تقدم للمواطنين في حالة التعطل او المرض. فيما أهملت المسودة اموال وممتلكات دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي، بعد تأسيس (هيئة) بدلاً من (دائرة) يرأسها مدير عام وليس رئيس هيئة. ولم يوضح القانون ما اذا ستؤول هذه الاموال والممتلكات إلى الهيئة الجديدة أم لا ؟ فيما يموّل هذا الصندوق موظفو دائرة خاصة بالتقاعد والضمان الاجتماعي  تشكل لهذا الغرض تعداد موظفيها أكثر من ١٠٠٠ ألف موظف من أموال العمال واصحاب العمل، وهي أساساً ضمن هيكليتها التنظيمية، وهذه مخالفة لقانون وزارة العامل والشؤون الاجتماعية، ولاتفاقيات  منظمة العمل الدولية. كذلك رفع سن التقاعد من ٦٠ سنة بالنسبة للرجال إلى ٦٣ سنة، والنساء من ٥٥ إلى ٥٨ سنة. فيما تمت الموافقة على بقاء نسبة الاستقطاع الشهري من أجر العامل كما في القانون القديم ٥ بالمائة وهو مطلب مشروع للاتحادات العمالية، يشمل مجموع ما يستلمه العامل بدل ان يكون على الراتب الاسمي فقط.

ان الاتحادات العمالية تؤكد على ان احتساب الراتب التقاعدي كما ورد في المادة (35) من مشروع القانون على أساس (2,5) بالمائة من متوسط الأجر الشهري للعامل المتقاعد للسنوات الخمس الأخيرة، سوف يقلل استحقاقه للراتب بما لا يقل عن 15 بالمائة من الراتب، وقد طالبت الاتحادات العمالية بأن يكون المعدل لثلاث سنوات كما هو في قانون الخدمة المدنية للقطاع العام. وان يكون تحديد الحد الأعلى للراتب التقاعدي 100 بالمائة وليس 80 بالمائة كما ورد في المادة (36) من مشروع القانون.

يضاف إلى ذلك ان المسودة لم تعالج موضوعة الضمان الاجتماعي للمتعاقدين في القطاع العام مع الحكومة سواء بأجور يومية او بعقود، حيث أن مؤسسات الدولة ما زالت لا تتعامل بإيجابية مع القرار 315 الخاص بتحويل من لديه خمس سنوات خدمة إلى الملاك الدائم، فهم مشمولون بقانون العمل ويفترض ان يتم شمولهم بالقانون الجديد. كما ان  المسودة لم تشر إلى أي نقطة تعالج وضع العمال الذين تقاعدوا قبل وبعد عام ٢٠٠٣ وما زالوا يتقاضون منحة. فضلا عن النواقص الواضحة في المسودة فيما يخص الجزء الخاص بالخدمات لتقديم أفضل الخدمات الاجتماعية والضمان الصحي للمضمونين، والضمان الشامل للنساء الحوامل. وهناك العديد من الفقرات التي لا تتوافق مع وجهات نظر الشركاء الاجتماعيين، ومن الضروري إثراؤها بالنقاش كي يلبي القانون الجديد الغاية التي يراد من أجلها التشريع.

وإن أكثر ما يعرض مشروع القانون للنقد هو الغاء الجزء الخاص بالخدمات الاجتماعية من القانون النافذ، وعدم إيجاد بديل عنه ليكون منصفاً وضامناً للحقوق الاجتماعية. يضاف إلى ذلك حرمان ممثلي منظمات العمال من حق المشاركة كشريك اجتماعي في تنفيذ القانون، حيث اشارت الفقرة (أ) من المادة (6) إلى أن مجلس صندوق الضمان يتكون من (10) ممثلي الحكومة، (4) اصحاب العمل، مقابل (اثنين) من ممثلي اتحادات العمال .

كما يفترض الحفاظ على نص المادة ــ 43 ــ حول منح غلاء المعيشة للمتقاعدين بنسبة 1بالمائة من الراتب التقاعدي عن كل سنة خدمة مضمونة. وليس كما جرى تعديله من قبل لجنة العمل البرلمانية.

ان الاتحادات العمالية قد حددت مواقفها من إضافة فصل فرع ضمان التعطل عن العمل يتطلب أن ينظم التأمين ضد البطالة في الفصل التاسع من مشروع القانون الذي يقدم فرعا جديدا للتأمين الاجتماعي لم يكن موجودًا في القانون رقم 39 لسنة 1971. وتمنح منافع البطالة وفق أربعة شروط وبثلاث دفعات غير مضمونة وغير مشجعة للعامل.

وتتبنى المادة 70 من مشروع القانون نهجاً إشكالياً لتمويل التأمين ضد البطالة، حيث تنص على تراكم جميع الاشتراكات المدفوعة في حساب توفير فردي يتم خصم جميع المدفوعات منه.  وإذا كان هناك رصيد إيجابي متبقٍ في سن التقاعد، فيجب دفعه كنوع من تعويض “نهاية الخدمة”.

  أن شرط ثلاث دفعات طوال فترة التغطية يعتبر شرطا وقائيا من أجل منع الاستخدام المفرط للنظام. ومع ذلك، لا يتماشى هذا التقييد الشامل لمنافع البطالة مع معايير العمل الدولية.

ولا تتوافق فكرة تراكم منافع البطالة في حسابات التوفير الفردية مع مبادئ التأمين الاجتماعي. فهذا النهج غير متوافق مع معايير العمل الدولية التي تؤكد على التضامن في التمويل وتفضل تجميع المخاطر. وبالتالي نقترح إلغاء هذه الفكرة، الغاء المادة 70 من مشروع القانون، وأسناد نظام البطالة كله على تجميع المخاطر ومبادئ التأمين الاجتماعي.

إن تشريع القانون أمر ضروري جدا لكي يساهم في تحقيق حياة أكثر استقرارا للعمال والعاملين في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني والعاملين بعقود وأجور يومية في مؤسسات الدولة. ولكن هذا يتطلب المزيد من الحوار والنقاش مع نقابات العمال وأصحاب المصلحة وممثلي منظمات المجتمع المدني. فالضمان الاجتماعي الشامل حق دستوري يجب عدم التلاعب به، او التملص من الالتزامات التي يجب على الدولة العراقية توفيرها للمضمونين.

عرض مقالات: