اخر الاخبار

(يا عمال العالم اتحدوا!)، هذه الجملة الثورية ختم بها ماركس وانجلز نصاً ثورياً (البيان الشيوعي)، الصادر عام 1848، والذي كان بمثابة دعوة لبداية نوعية في تنظيم الطبقة العاملة وتكوين الأممية الأولى، لتبدأ حركة جماهيرية من طراز خاص للنضال من أجل التغيير الاجتماعي في العالم.

لقد كان البيان الشيوعي وشعار (يا عمال العالم اتحدوا)، حافزاً ومحركاً أساسياً للعديد من الانتفاضات والثورات خلال ما يزيد عن قرن ونصف، ضمن مسيرة اتسمت بالديمومة النسبية في النضال من أجل حلم البشرية، لإنهاء جميع أشكال الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواتية، والنضال من أجل الاشتراكية.

لم تقتصر أهمية البيان وشعار خاتمته وأثره الثوري على حركة الطبقة العاملة العالمية وحركات تحرر الشعوب من الكولونيالية، فقد جاء البيان مكملاً لإسهامات ماركس وانجلز المتنوعة في مجالات الفلسفة والاقتصاد والفكر السياسي، أي الماركسية بشكل عام، والتي جرى اغناؤها من قبل المفكرين والمنظرين بعد ماركس، لتكون أداةً اساسية لنضال قوى التغيير والاشتراكية في العالم.

منذ صدور البيان الشيوعي ولغاية تفكك نموذج بناء الاشتراكية ذات النمط السوفيتي، لم تتوقف حملات معاداة الماركسية. غير أن تلك الحملات وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة دخلت في طور آخر، ليبدأ الحديث من قبل منظري الرأسمالية عن مرحلة النهايات... نهاية الايديولوجيا... موت ماركس... نهاية الماركسية.. انتصار الليبرالية ونموذجها عالمياً، هكذا كان منطق الليبراليين ومبررات رافعي الرايات البيضاء.

وضمن تلك الأجواء التي مُهِدت للحديث عن نهاية التاريخ، ارتفعت عقيرة الداعين بانتهاء شبح الشيوعية “المخيف” الذي يجول حول اوروبا، المشار اليه في البيان الشيوعي، وبعدم السماح بعودة ماركس إلى الحياة العامة سرا أو جهارا. غير أن هذا التفكير العابر والسطحي سرعان ما تبدد مع بدايات القرن الحادي والعشرين، ليظهر هذا الشبح وهو يجول في العالم مع بدء الأزمة المالية عام 2008، ليبدأ بحث الرأسمالية الخجول عن ماركس واستخلاص الدروس من اسهاماته، واختزاله كمصلح للنظام الرأسمالي، لا كحامل مشروع بديل للنظام الرأسمالي.

لم تتوقف أزمات الرأسمالية بانتهاء الازمة المالية، فقد اكتسح وباء الكورونا العالم بأجمعه لتنهار الأنظمة الصحية في أكثر الدول الرأسمالية المتطورة. وتستمر الأزمات الدورية للرأسمالية بالشكل الذي تحدث عنها ماركس، ونجم عنها تضاؤل حجم الطبقة الوسطى وزيادة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، بالتزامن مع تراكم الثروات الطائلة لدى اقلية طفيلة تستند على اتساع نشاط الرأسمال المالي الريعي.

في ظل هذه الظروف، يواجه العالم أيضا دوامة الحروب التجارية، التي تترك أثرها لا على الفقراء والدول محدودة الدخل فحسب، بل تؤثر على إذكاء الصراعات بين المراكز الرأسمالية وفق قانون الغاب، وقيام الرأسمال الكبير بالتهام الرأسمال الضعيف، ليكون الحديث عن النمو وفق منطق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وما حققه الرأسمال المالي في مقابل تراجع الاقتصاد المنتج بشكل فعلي عالمياً.

ان النزاعات وبؤر التوتر في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، انعكاس حقيقي للحروب الاقتصادية حول الطاقة ومصادرها، مولدةً حالة من الفوضى في مجال الاقتصاد العالمي والتهافت نحو الاستثمارات السريعة.

لقد انتجت هذه السياسات حالة من اللااستقرار السياسي العالمي، وتعقيدات نوعية في السياسات الداخلية لبلدان عديدة، إضافة إلى الإشكاليات المتعددة في العلاقات الدولية.

ورغم كل هذه الأزمات والتعقيدات التي انتجته الرأسمالية المعاصرة للفرد وللمجتمع البشري بشكل عام، فلا يزال حديث منظري نظام الاستغلال والاستعباد عن الرأسمالية كونها واقعا وقدرا حتميا مصيريا للبشرية، لا كنظام اقتصادي ــ سياسي مسؤول عن الفقر والجوع والحرب وتدهور البيئة، وعدم الاستقرار في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ان هذا الوضع المتردي للمجتمع البشري الذي يعاني من زيادة المخاطر نتيجة سياسات المراكز الرأسمالية في العالم، وتبعية البرجوازيات الحاكمة في العديد من البلدان، يثير تساؤلاً اساسياً حول ماهية الطبقة الاجتماعية التي باستطاعتها قيادة عملية التغيير الاجتماعي، وتملك القدرة على درء المخاطر التي تواجه البشرية، وتضع حدا للفوضى الناجمة عن سياسات الرأسمالية العالمية والتابعين لها من البرجوازيات المحلية؟

لقد أجاب ماركس عن هذه القضية الأساسية، حيث أشار إلى الصراع الطبقي، مبيناً أهلية الطبقة العاملة لقيادة عملية التغيير الاجتماعي، وموضحاً القوانين الاساسية للتطور التاريخي. وبما أن مجتمعنا الكوردستاني ليس جزيرة معزولة عن العالم، فان نضالنا ليس بمنأى عن قوانين التطور والتغيير الاجتماعي والصراع الطبقي.

لقد سعى المناوئون للماركسية و المتخلون عنها إلى تشويه مفهوم الطبقة عند ماركس، كونه قد عفا عليه الزمن، وان الواقع الاجتماعي ينتج فرزا جديداً، في حين ابتعد ماركس عن الجمود العقائدي في فهمه للطبقة الاجتماعية، واعتمد على معيار سوسيولوجي إجرائي، مشيرا إلى مسألة ملكية وسائل الانتاج، و الدور الاساسي في عملية انتاج الخيرات المادية و خلق فائض القيمة الذي لا يقتصر فقط على الياقات الزرقاء، لذا اشار إلى جوانب العمل الذهني في عملية الانتاج أي الياقات البيضاء، فمعيار الانتماء الطبقي لا يتحدد بنوع العمل الذي يقوم به الإنسان، وإنما بموقعه الموضوعي داخل عملية الإنتاج، بما إذا كان مستغلاً أو لا. ولذا فان الطبقة العاملة في الماركسية تتكون من شغيلة اليد والفكر، ولا شك أن الطبقة العاملة اليوم أكبر وأقوى بما لا يقاس عنها أيام ماركس وإنجلز.

ان مفهوم الطبقة العاملة في الماركسية يتعلق بالرؤية الفلسفية للتاريخ الاجتماعي للبشرية وسبل تطوره، اضافة إلى بنية الطبقة العاملة، ولذا نرى ماركس يقول: (ليس لي الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع المعاصر، ولا الفضل في اكتشاف نضالاتها ضد بعضها البعض، قديما قبلي كان بعض المؤرخين قد بسطوا التطور التاريخي لهذه النضالات التاريخية، وبسط بعض الاقتصاديين البورجوازيين التناقض الاقتصادي القائم بين الطبقات. ان الجديد الذي فعلت هو انني بينت ان وجود الطبقات لا يرتبط الا ببعض المراحل التاريخية من تطور الانتاج).

تشير الماركسية إلى جملة أمور تتعلق بمفهوم الطبقة. فهناك دلالات حول التاريخ الاجتماعي وإلى مسار تطوره، وإلى منشأ تكوين الطبقة، وإلى الوعي الطبقي أو الطبقة بذاتها والطبقة لذاتها، أي حين تعي الطبقة وحدتها المصلحية، أو ذاتها الجمعية بوجه طبقات أخرى، وحدد ماركس الصراع بين الطبقات وهو صراع يقوم على ثنائية التناقض بين المضطهِدين والمضطهَدين.

ان نظرة فاحصة لواقع مجتمعنا الكوردستاني الذي يعاني من الخصخصة واقتصاد السوق المنفلت والاذعان لمتطلبات الليبرالية الجديدة، وزيادة نشاطات الرأسمال الطفيلي، تشير إلى أرضية الصراع الطبقي وتوسع ملحوظ في أوساط شغيلة اليد والفكر، ولا يمكن تغطية الآثار الناجمة عن سياسات التبعية والخصخصة بفقاعات التنمية وزيادة أرباح الرأسماليين وتوسع نشاط الاقتصاد الريعي.

يشكل الصراع الطبقي في كوردستان مسؤولية تاريخية للطبقة العاملة وسائر شغيلة اليد والفكر، وكل القوى الاجتماعية والطبقية التي لا تملك وسائل الانتاج، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتتكامل هذه المسؤولية التاريخية بتزامن النضال من أجل تلك الاهداف مع النضال من أجل استكمال مرحلة التحرر الوطني الكوردستاني وتأمين الديمقراطية والحريات الأساسية والنضال من أجل الاشتراكية.

(يا عمال العالم، اتحدوا!) شعار اساسي لعلاقات نضالية مبنية على التضامن الأممي بين مناضلين حقيقيين للكفاح الوطني والنضال الطبقي في بلدنا مع أقرانهم في بلدان ومجتمعات أخرى تمتلك خصوصياتها وتناقضاتها.

عرض مقالات: