اخر الاخبار

إن أحد خواص البنية الهيكلية للرأسمالية هي أنها تنتج صراع مصالح بين رأس المال والعمل. وفي هذا المقال سنولي اهتماما كبيرا (للمستوى السياسي) لهذا الصراع حيث إن كلا طرفي الصراع يسعى لتحقيق مصالحه. وهنا يطرح سؤال حول الطرف الذي سيخرج منتصراً عند اشتباكهما في صراع، مع الاخذ بنظر الاعتبار الأسباب الموضوعية التي تضع أحد الطرفين في موقع السلطة والقوة، حيث أن رأس المال يملك أفضلية بنيوية لا يملكها العمل، ليس فقط على مستوى التنظيم حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصلحته، بل أيضا بالتمحور حول مصلحته، كيف أن الرأسماليين قادرون على تحديد مصالحهم والتحشيد حول هذه المصالح. لذلك لا يجب أن يكون مفاجئا لنا أن الافتراض الماركسي بأن الرأسمالية حفارة قبرها لم يتحقق لغاية الآن.

من الصحيح أن الرأسمالية تخلق حفاري قبرها (الطبقة العاملة) التي لها المصلحة في التخلص من الرأسمالية، لكن لا يعني أن هذا أمراً يسيراً، لأن بنية النظام وقوانينه تجعل الكثير منهم، يجدون مصلحتهم في تبني إستراتيجيات فردية لحماية أنفسهم، بدل الانضمام لإستراتيجية تنظيم (تضامنية)، أي أن تكوين الاتحادات والنقابات لايعتبر شيئاً عادياً في الرأسمالية، حيث رغبة العمال في التنظيم متدنية. إن المسألة المركزية لهذا المقال هي دراسة التفاوت في القدرات السياسية وقدرة التنظيم بين طرفي الصراع (العمل ورأس المال) ودور الدولة التي يكون لها استعداد بنيوي للانحياز ضد العمال.

هنالك مصدران للضعف عند الطبقات والفئات العاملة، الأول هو ضعف قدرتهم على انتاج الفعل السياسي الجماعي والثاني هو انحياز الدولة الممنهج نحو رأس المال بالضد من العمل. في الماركسية هنالك ثلاثة مستويات لتحليل جذورالانحياز الطبقي للدولة، وهو ما يميزها عن اي تحليل ليبرالي للدولة، حيث ترى الليبرالية الدولة وبنيتها الدستورية وسلوكها اليومي، محايدة ووظيفتها تطبيق النظام والسلام وتمرير القوانين. وهذه القوانين تعكس الصراع والنفوذ بين مختلف الفاعلين في المجتمع، حيث ينظر للمجتمع كمجاميع ضغط منظمة وجماعات المصالح (موظفين، عمال، طلاب، منظمات دينية، جماعات عرقية......) والمجاميع التي لها التأثير الأكبر هي القادرة على تمرير سياستها.

اذن السياسة تعكس تفضيلات صانعي السياسة ومدى تأثير جماعات الضغط، وفق هذه النظرة من غير المقبول ان يكون لإحدى هذه المجاميع ميزة تفضيلية على الأخريات في الدولة. وهنالك وفق النظريات الليبرالية مصدران لحياد الدولة تجاه الصراع الطبقي:

  1. الدولة بنيويا محايدة فليس هنالك قوانين تمايز بين المجاميع.
  2. المجتمع هو مجموع جماعات الضغط التي لاتملك اي منها ميزة او تفوق على الاخرين.

النظريات الماركسية والراديكالية الاخرى تعتقد ان الدولة منحازة بنيويا تجاه رأس المال، وأنها عندما تتدخل وتتوسط الصراع فأنها تنحاز ضد مصالح العمال ولهذا فهي (دولة رأسمالية).

اولاً. أسباب انحياز الدولة

ثانياً. كيف يمكن للعمال الدفاع عن مصالحهم في نظام منحاز في بنيته، وماهية الظروف التي يمكن من خلالها إضعاف رأس المال ودفعه للتراجع ولأي مدى يمكن للعمل دفع رأس المال للتراجع.

هناك ثلاثة أسباب وفق التفسير الماركسي حول سبب انحياز الدولة، شخصي، مؤسسي وبنيوي. ويركز بحث الماركسي على انحياز الدولة في المستويين الأول والثاني ولم يتم التعامل مع المستوى الثالث الا مؤخرا والذي اعتبره أكثر جذرية من الأول والثاني.

لغاية اربعينات وخمسينات القرن العشرين، إعتبرت الماركسية مصدر انحياز الدولة في البعد الأول والثاني، ولم تتعامل مع المستوى الثالث، الذي بدأ البحث حوله مؤخراً، رغم ما تحدث به عنه ماركس ولينين وروزا لوكسمبورغ. المستوى الثالث هو الاكثر جذرية من الثاني والثاني أكثر من الأول. فاذا اختفى الأول يبقى الثاني يعمل وإذا اختفى الثاني يبقى الثالث يعمل وإذا اختفى الثالث فأننا لم نعد في نظام رأسمالي.

العامل الشخصي: الأفراد والمدراء والسياسيون والطبقة العليا من البيروقراطية التي تصنع السياسات. وما يدفعهم لتبني سياسات رأسمالية، هو إنحدارهم من الطبقة الرأسمالية، حيث تبين الدراسات في بريطانيا والولايات المتحدة، أن أغلبهم يأتون من المصارف الإستثمارية وشركات المحاماة وشركات كبرى (جورج بوش، ديك جيني، رامسفيلد وغيرهم). إنهم من بيئة ثقافية واجتماعية لايوجد فيها عمال، ولاءاتهم الشخصية لصالح هذه المؤسسات.

كان هذا سائداً لغاية ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، فمن يدير الدولة هم الرأسماليون والشبكات الاجتماعية التي تجمعهم. ثم ظهرت أحزاب عمالية وصلت للسلطة وقياداتها أتت من بيئات تختلف عن بيئة النخب السياسية التقليدية، مع ذلك لم تتخل هذه القيادات عن الرأسمالية، كانت سياساتهم أقل عداء للعمال لكنها كانت رأسمالية.

العامل المؤسسي: الروابط المؤسسية بين الناس في السلطة والرأسماليين. مثلا في الولايات المتحدة يحتاج السياسيون الأموال أكثر من الاصوات لوصولهم للسلطة، وهذا يعني ان السياسي عندما تاتيه الضغوط من ناخبيه وممولي حملته الانتخابية، فانه يعطي الأولوية في استجابته للممول، لأنه يمثل 100 صوت مثلا مقابل الناخب الذي يمثل صوتاً واحداً وهذه رابطة مؤسسية. قد يكون السياسي كارها للممول (شخصيا) لكنه مؤسسياً، وبالطريقة التي تقام بها الانتخابات، فإنه يهتم اهتماما أكبر لمصالح (الممول) كي يبقى في السلطة.

هنالك ورقة بحثية لتوم فيرغسون (باحث سياسي) بعنوان (investing theory of voting) تقول إنه في نظام مثل نظام الولايات المتحدة الانتخابي المدفوع بالمال، فان السياسيين لا يتنافسون للحصول على الأصوات بل للحصول على التمويل، لأنهم بالتمويل يمكنهم التنافس للحصول على الأصوات، وهذا مثال على المستوى المؤسسي.

وحول تأثير اللوبيات ونظريات حياد الدولة التي تقول إن الجميع يمتلك لوبيات (جماعات ضغط) لتحقيق مصالحه ومن يفوز سيكون له تأثير على السياسات، تؤكد النظريات الثورية على ان تكوين جماعات الضغط تحتاج إلى مصادر تمويل ونفوذ وتجميع للناس، أي أنه فعل ذو صفة تعاونية. وقد تحدثنا سابقا عن التحديات التي تضعها الرأسمالية أمام العمال لمنعهم من تنظيم أنفسهم. الرأسماليون سيمتلكون دوما المزيد من المال، وأكثر اللوبيات نفوذاً، والعمال لا يمتلكون المال الكافي للحصول على دعم اللوبيات وجمعهم المال سيكون أقل مما يجمعه الرأسماليون مثلا في العام 2000 جمعت التنظيمات العمالية ما يعادل 1/24 مما جمعته الشركات.

اذن كلا هذين المستويين يعملان من خلال الولاءات الفردية والشخصية للطبقة الرأسمالية، أو تأثير الرأسماليين الفردي على السياسيين. وفي كلتا الحالتين، هنالك حاجة لتدخل شخصي للرأسماليين كأفراد، فاما ان يكونوا رأسماليين او اصدقاء لرأسماليين او انهم يعتمدون على تمويل الرأسماليين.

المستوى البنيوي: هو مستقل عن المستويين الآخرين. قبل الثلاثينات من القرن العشرين كانت النظريات تتحدث عن العوامل الشخصية لماسكي السلطة، باعتبار ولائهم وانحيازهم للطبقة الرأسمالية. لكن ماحصل بعد الثلاثينات، تطلب أبحاثا أكثر عمقاً عن انحياز الدولة خصوصا بعد وصول أحزاب عمالية برامجها معادية للرأسمالية. المثال الأكثر وضوحا ماحدث في تشيلي وفوز ميتران في فرنسا (والذي جاء بناءً على برنامج معاد للرأسمالية). في الثلاثينات وصلت أحزاب اشتراكية للسلطة في اسكندنافيا، لكن انتهى المطاف بها بتأكيد الرأسمالية. يفرض علينا ذلك فهماً أعمق، لاسيما وان المستوى الأول والثاني لم يعدا موجودان في تلك الحالات.

تفسر الماركسية كيف يمكن لأحزاب معادية للرأسمالية أن تتمسك بها، بوجود العلاقة البنيوية بين الدولة والرأسمالية، فبغض النظر عن المحتوى الأيديولوجي للحزب الحاكم، فإنه سيواجه مأزق تحقيق برنامجه أثناء حيازته للسلطة، وهذا يتطلب توفير موارد للدولة لتحقيق مشاريعها ودفع أجور بيروقراطيتها، وهذه الموارد تأتي من الضرائب على الأجور ودخل الشركات والأفراد (الرأسماليين)، كما أن الاجور تعتمد هي الأخرى على التوظيف، وهنا يكمن المأزق الذي تواجهه هذه الاحزاب عند وصولها لرأس الدولة، فعند سعيها لتنفيذ برنامجها المعادي للرأسمالية (رفع الأجور، الحفاظ على البيئة، وتحويل الاموال لصالح العمل) تواجه رداً من الرأسماليين، الذين يعتبرون إجراءاتها معادية لهم بشكل مباشر، فيعّمدون إلى نقل استثماراتهم إلى بلدان أخرى، ملحقين بالنمو الاقتصادي، ضرراً يقلل فرص العمل، فيقل الدخل وتقل الضرائب على الاجور وتزداد البطالة. ان حيازة الفائض في النظام الرأسمالي هي حيازة فردية واعادة استثمار هذا الفائض يعتمد على رغبة هؤلاء الأفراد الرأسماليين ومدى الأرباح التي سيحصلون عليها مقابل استثمارهم.

كل من يحصل على السلطة يعلم أن أول مهامه هو كيفية إبقاء الاعمال والوظائف مستقرة أي إبقاء بيئة استثمارية مناسبة. لذلك حتى بغياب المستوى الأول والثاني (الحيازة المباشرة للرأسماليين على الدولة او دعم الرأسماليين الاغنياء) فأن من مهام اي حزب يقود السلطة (حتى وان كان حزباً اشتراكياً) الحفاظ على بيئة استثمارية مناسبة للرأسماليين ولتحقيق أرباح ليس لأنه حزب فاسد، بل لأن قوانين اللعبة تجبره على ذلك.

المفارقة هنا هو أن النظرية الماركسية ذكرت بأن سبب كون الدولة “رأسمالية” يعود لكون الرأسماليين يديرونها ويتحكمون بها (المستوى الأول والثاني). هذا صحيح تاريخياً، لكن حتى وإن لم يتحقق ذلك ووصل اناس كارهون للرأسمالية إلى السلطة فسيواجهون تحدي إرضاء الاستثمار والمستثمرين. ماحدث في تشيلي اثناء حكم الليندي هو ان المستثمرين التشيليين أضربوا أي أنهم امتنعوا عن الاستثمار فانخفض الاقتصاد التشيلي وابتداء من الشهر السابع او الثامن من حكمه كانت كل مساعيه تتركز لاعادة الاقتصاد لمستوياته السابقة.

اذن ما هي الخيارات الممكنة بالنسبة للعمال في صراعهم الطبقي للتأثير على الدولة وتحقيق مصالحهم؟

ما تستطيع الاشتراكية الديمقراطية فعله هو تقليل هذا الانحياز وجعله أقل عداء للعمال، فكل دولة رأسمالية ستكون عدائية تجاه العمال لكن ليس بنفس المستوى من العداء. اذن مصدر السلطة والقوة يعتمد على تراكم رأس المال.

الماركسية كانت محقة في قولها إن الدولة الرأسمالية ممسوكة من قبل الرأسماليين لكنها لم تك مصيبة حين إعتبرت الدولة هي اللجنة التنفيذية للطبقة الرأسمالية، لأن ذلك يعني ان تبقى الدولة مسيطر عليها او يديرها الرأسماليون. فالرأسمالية كنظام، الدولة فيه مستقلة عن الاقتصاد والمنظمات الاقتصادية، نظرياً، حيث من حق اي شخص الوصول للسلطة، وليس كما في النظام الاقطاعي، حيث ان سيد الارض هو الامير الاقطاعي والقاضي في المحكمة والمسؤول عن الشؤون العسكرية. وهذا في بنية النظام ويتحكم في فائض الإنتاج، فالدولة مرتبطة بالاقتصاد والفرد الذي يمتلك المصادر الاقتصادية يمتلك ايضا القوة السياسية، واذا ما خسر الاقطاعي قوته العسكرية لن يتمكن من استخلاص فائض الإنتاج فامتلاك الدولة يعني امتلاك الفائض.

لكن في الرأسمالية، السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية منفصلة مؤسسياً، اي أن الرأسماليين سيحصلون على فائض الإنتاج حتى وان لم يسيطروا على الحكومة، لأن كل ما يحتاجونه هو السيطرة على قوة العمل.

العامل في كل مواقع العمل يرغب دائما ببعض التغييرات وله بعض المطالب التي عليه تقديمها لصاحب العمل. ولكنه إذا قدمها كفرد سيطرد من العمل، نتيجة لهذا سيكون له نوعان من رد الفعل، الأول سيكون بتقديم مطالب أقل طموحاً، اما الخيار الثاني هو ان لا يقدم هذه المطالب مالم يرفع من قوته التساومية لتحقيق مطالبه. وتزداد قدرته على المقاومة عبر التنظيم لكن حتى لو تحقق التنظيم ونجح في إنشاء النقابة، فصاحب العمل سيرفض والعمال سيضربون عن العمل (هذا ما يسمى بالصراع الطبقي). وهذا لا يعني ان العمال سينتصرون. فالبرجوازية بإستراتيجيتها في مواجهة الاضراب (حتى باستبعاد الاستعانة بالحكومة وإحضار عمال جدد) سيبقى العمال بدون عمل لإسابيع، معتمدين على مدخراتهم أو صندوق الاضراب، والتي ستنفذ في وقت قريب، أما صاحب العمل فسيجد دعماً من الجماعات النافذة في المجتمع، مثلا يستطيع الحصول على قرض من المصرف، عكس العامل وهذا ما يدفع العمال للعودة للعمل. ما يخسره الرأسمالي هو أنه لا ينتج ما يعني أن منافسه سيتمكن من الاستيلاء على حصته في السوق.

وأحد الدروس هو أن لا نتجه للإضراب خلال فترة الركود، بل اللجوء للإضراب حين يسعى الرأسمالي لإنتاج المزيد، إذ سيكون الاضراب مكّلفا للرأسماليين، لأنهم وإن بقوا أغنياء في فترة الاضراب، فسيخسرون مكانهم كرأسماليين. دونالد ترامب مثلا غني ولكنه كرأسمالي فاشل، نجاحه هو في تسويق نفسه، ولهذا كلما كان العمال منظمين، كلما كانوا مؤثرين اكثر.

نفس الشيء ينطبق على الدولة، إذا وصل حزب إلى السلطة فستواجهه قيود اعتماد الدولة على رأس المال، وامكان تراجع المستثمرين عن الإستثمار. سيكون الحل عندها، بحراك اجتماعي، لصناعة ضغط من القاعدة، يجعل من عدم استجابة السياسيين لمطالب الناس مكلفاً سياسيا لهم، عبر إمتناع الناس عن التصويت لهم.

أو في إجبار الرأسماليين على التراجع، بخطوات ومستويات مدروسة. كما حدث في حقبة (new deal) إذ لم يكن روزفلت متعاطفا مع العمال، لكنه عند وصوله للسلطة بعد أكبر عملية تصنيع حصلت في تاريخ الولايات المتحدة، ذهب للرأسماليين وأبلغهم بوجود موجة من الاحتجاجات والاضرابات، تهدد بخروج الأمور عن السيطرة، وهناك القدرة على تخفيف هذا الضغط عبر تمرير بعض الإصلاحات التي ستكون في صالح العمال. وإذا ما حدث العكس فإنهم (العمال) سيسيطرون على كل شيء، وقد يحققون اصلاحات راديكالية أكثر بأضعاف المرات، لأنهم بمرور الوقت سيكونون أكثر تنظيما وأكثر غضبا وأكثر كفاحية. لم يعتمد روزفلت على النية الطيبة للرأسماليين بل على تحذيرهم من خسارة الكثير من أرباحهم، وهكذا انتمى قسم كبير من البرجوازية الامريكية للحزب الديمقراطي ووضعوا الضغط على الحكومة الامريكية لتقديم بعض الإصلاحات. 

اذن هنالك ضغوط مباشرة (على السياسيين) وضغوط غير مباشرة على الرأسماليين، وهذه الضغوط تعتمد على التعبئة الجماهيرية، والجماهير المعبأة لايمكن تجاهلها. إذا ما تعطلت الأمور فأنت تضع الطبقة الحاكمة بين خيارين، أن تقدم تكلفة اعطائك امتيازات، أو أن تتحمل تكاليف عدم اعطائك امتيازات. وستحقق الجماهير هدفها إذا كانت قوية بحيث تكون تكاليف عدم إعطائك أية إمتيازات أعلى من تكاليف إعطائك ما تريد من حقوق. وتتوفر إمكانية حدوث ذلك في الرأسمالية جراء إنفصال الدولة عن الاقتصاد. لكن يبقى السؤال، إلى أي مدى يمكنك فعل ذلك.

في بعض تجارب الاشتراكية الديمقراطية، جرى التفكير بدمج الإستراتيجيتين، حركة احتجاج اجتماعي في الشارع مع حزب سياسي تقدمي في السلطة. لكن ما حدث فعلا هو أن الحراك الاجتماعي لم يستمر إلى الأبد. فبعد تحقيق بعض الإصلاحات تبدأ حركة الاحتجاج بالتراجع فينخفض الضغط على الدولة، فتنشط قوى أخرى بالضغط (مصالح الرأسماليين)، ويبدأ السياسيون بمقاربة الامتيازات بشكل مختلف عما كان يحدث تحت ضغط الشارع فتبدأ عملية فلترة وتخفيف مطالب حركة الاحتجاج بحيث لا تضر مصالح الرأسمال.

عندما يكون الصراع الطبقي وحركة الاحتجاج مرتفعة فأن استقلالية الدولة عن رأس المال تكون أكبر وعندما تنخفض حركة الاحتجاج فأن استقلالية الدولة عن رأس المال تقل إلى درجة يتمكن معها الرأسماليون من الإمساك بإدارة الدولة من جديد (اي المستويين الأول والثاني).

اذن للدولة جذور انحياز وهنالك أدوات مؤسساتية تمكن من تخفيف هذا الانحياز. ولكن هل يمكن لها ان تقود الحراك الاجتماعي لتجاوز الرأسمالية؟ هذا ما لم نره بعد، ولست واثقا من نجاح هذه الإستراتيجية. ولكن في الظروف الطبيعية فأن استقلالية الدولة عن رأس المال حقيقية رغم محدوديتها، ويعتمد مدى الاستقلالية على مستوى تنظيم الطبقة.

ولأن الانحياز الطبقي موجود في الدولة الرأسمالية، فأن هنالك نوعان من أدوات تحقيق الاستقرار، تبقي العمال في وضع ضعيف:

المصدر الأول هو القدرات التنظيمية والتعبوية المتفوقة التي يمتلكها رأس المال والتي تتفوق على العمال.

والمصدر الثاني هو الدولة وتحيزها المؤسسي الذي يضع مصلحة رأس المال اولا.

 بعض المفكرين الراديكاليين اعتبروا أن غياب كفاحية العمال دليل على أن الماركسية خاطئة، بينما اعتمدت النظرية الماركسية على أن ما يواجه العمال من تحد له جانب ذاتي، يكمن في ضعف قدرتهم على التنظيم، لاسيما حين تكون القيادات العمالية غالبا معادية لحراك العمال، ومثبطة للصراع الطبقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المحاضرة بعنوان capitalism and the state قدمت ضمن برنامج مدرسة نيويورك الماركسية وموجودة على يوتيوب في قناة pdxjustice media productions
عرض مقالات: