اخر الاخبار

قلم الشعب، قلب الجماهير، قلب الشعب، قلب الجماهير.. هكذا كان الخالد شمران الياسري؛ خلود الكلمة الحرة النقية التي ستمكث في الأرض أبدا وسواها يذهب جفاء.. لم يحظ بمثل هذا الخلود ودوام الذكر أكثر من قلمه قلم..

ولم تقو حتى أعين (الغرماء) أن تطبق أجفانها دون أن تنفذ إليها صورة عموده الجماهيري النفّاذ إلى كبد الحقيقة. إنه الكاتب المدرسة، وأعمدته هي الدروس البليغة.

هرمت  المطابع التي طبعتها وتقاعدت  بل تلاشت، وتهرأ الورق الذي انطبعت عليه، لكنها  ظلت محفوظة في الأذهان والصدور، لا بمضامينها المباشرة وأهدافها المطلبية الظاهرة، بل بإيقاعاتها العميقة كنبض حي لا تنفك تردداته مستمرة عبر السنين فالعقود..

وإذا كان أبو كاطع بصراحته قد ملأ الافاق  وجاب كل الرحاب، وانتشر إلى كل الأصواب، فإنه غاب ذكرا وموضوعا عن الدرس النقدي الحديث.

ولعل العذر في ذلك معلوم ومعلل بأن ذخيرة ( أبو كاطع) وعدته وأدواته ومعطياته التي تصب في الكتابة الشعبية الجماهيرية،كتابة للناس لا للنخبة  ولكن هذا العذر زال واضمحل ليدخل أدب أبي كاطع ـــ بكل ما فيه من (صراحة ) اي مباشرة(طك بطك)ـــ  ليدخل الدرس النقدي الحداثي ؛النقد  في أرفع مستوياته وأعلى نخبويته، وأدق  تنظيراته.. وذلك حينما تناولت الناقدة الألمعية د. نادية هناوي( صراحة أبو كاطع )في  كتابهاالنقدي  المتخصص في الأجناس الادبية.. متخذة اياها  مثالا رفيعا على المقالة المتنوعة العابرة للأجناس..

ومن نافلة القول إن الناقدة هناوي أكدت سعة أفقها النقدي ورحابته وعمق وعيها الخلاق في استحضار كل شاردة وواردة تخص  موضوعاتها الأكاديمية رفيعة المستوى حتى بات راسخا أنها ذات مشروع انقلابي في النقد العراقي وهذا قول نستعيره من  الكاتب ا( سهيل كبة) الذي بحث في احد كتبها المهمة(قصة القصة.. جريدة الشرق اللندية)

وتناولت الناقدة الألمعية عمود أبي كاطع ودرسته دراسة جديدة وفي مستوى بحثي متخصص ونخبوي وبرؤى حداثية بينة تدلل على مدى الجهد الذي تبذله في بحوثها بذهابها إلى ميادين معرفية متعددة  تجاور ميدان تخصصها وتصب فيهامستجلية خصوصياتها وهو امر لم يقم بادائه   المعنيون به.

فماذا قالت هناوي عن (صراحة أبي كاطع )في كتابها القيم الذي طرحت فيه نظريتها عن العبور الاجناسي وعنوانه( نحو نظرية عابرة للأجناس) ؟!

بعد مدخل تنظيري حول المقالة ودورها ومكانتها وتتبعها بالدرس والتحليل عبر اطاريح الباحثين غربيين وعربا كغوستاف لاروميه وفائق مصطفى وعلى جواد الطاهر واتبعته بامثلة من كتاب   المقالات في الغرب كما لدى لسنج وسانت بيف وبرونتير وفرنسيس سارسي وسواهم ..ومن العرب المنفلوطي ومحمد عبدة وزكي نجيب محمود وطه حسين وغيرهم ومن قبلهم  عبد الحميد الكاتب والتوحيدي وابن الجوزي ثم  من العراقيين شكري الالوسي وفهمي المدرس وابراهيم صالح شكر وعلي جواد الطاهر وسواهم, تخلص الى القول: ( وتعتمد المقالة العابرة على توظيف مختلف الأشكال السردية والشعرية، مفيدة من حقول المعرفة كلها، في خلطة أدبية هي بمثابة طبخة لذيذة وسريعة يجهزها الكاتب لقرائه الذين يجدونها على وتيرة واحدة يوميا أو في يوم معين من أيام الاسبوع أو الشهر وفي مكان محدد من المطبوع).

ثم تواصل (وهو ما تجسده المقالة التي كان يكتبها أبو كاطع الذي هو اسم السارد الذي خلفه يختفي الكاتب المعروف شمران الياسري، وتحمل عنوان( بصراحة). ومقالات أبي كاطع أميل إلى المقامة العباسية وفيها بطل واحد هو خلف الدواح يتكرر في كل مقالة، لكن بطريقة معاصرة تنزل إلى حياة الناس العادية بتفصيلاتها الدقيقة، وبمضمون انتقادي عادة ما يكون لاذعاً وساخراً.)

وتختتم الباحثة هناوي كلامها بان كتابة المقالة تحتاج الى تمكن أدبي ومعرفي، منبعه التراث الأدبي العربي مع الإفادة من المعارف والآداب المعاصرة، فضلا عن التمتع بقوة الملاحظة في غربلة ظواهر الواقع المعيش استظهارا لسلبياته وبيانا لمشكلاته، لتظهر أمام الاثنين المركز/السلطة والهامش/ الشعب وقد غدت معراة وجلية. وقد تجمع اللغة الفصيحة باللهجة العامية ما دامت تحقق المقصد؛ ألا وهو جذب القارئ نحو لحظة الادهاش التي فيها تبرز المعلومة ساطعة وتتوهج المفارقة ساخرة أو صادمة وقد اختتمت بها مجموعة سطور غلب عليها القصر وتحقق فيها الوضوح.

وهذا حقا ينطبق انطباقا تاما على مقالة (ابو كاطع) الفريدة مما يجعلها مؤهلة وبكل جدارة لان تدرس وتدرس في اعلى مراتب الدرس .

عرض مقالات: