اخر الاخبار

ثمة ذروتان عاليتان في تاريخ العامية العراقية - كصوت لغوي ثاني للغة الام الفصحى - هما مظفر النواب وشمران الياسري (ابو كاطع) - وهذا لا يعني إطلاقا إغفالا للاصوات الابداعية التي قدمتها لهاتين الذروتين الكثير من بدايات التحديث.

أشعلا في أرض الكلام المحلي حرائق كثيرة فجّرت محيط اللغة العامية بأمكانيات جمالية وحسية وفكرية هائلة قدمت النتاج الابداعي العامي في أضواء وعناصر ثقافية جديدة  دخلت في تكوين النسيج المعرفي للكائن العراقي.

اللغة هي قبل كل شىء موهبة مستقلة لا تتوفر لجميع الذين يمارسونها بنفس الحساسية والرهافة والادراك والتذوق والعلو... إن تلمس أسرار وينابيع وأعماق ودور تلك الموهبة في العملية الابداعية مسألة صعبة للغاية... من هنا نستطيع ان نرى فوضى وهياجانات الانطباعات والآراء العشوائية السائدة منذ سنوات وحتى اليوم.

الموهبة – الثقافة.. هما عنصرا العمل الجديد، وجهاته المفتوحة على جهات البعيد.. المجهول.. المستقبل، والتي أمسك  بزمامهما ابو كاطع في سردياته، وإنشاءه الدائم لعالم رواياته، وحتى عموده الصحفي بطريقة نادرة، ومهارة عالية جدا.. حيث كان في كل ما كتبه من نثر وكأنه يسير على صراط القول المحفوف بمخاطر السقوط في هاوية العادية والتسطيح، والغفلة التي لا تنقذ الكلام من شفاهيته وأستعمالاته البدائية الأولى.

ابو كاطع في عمله الكتابي شذّبَ الكلام الذي يأخذه من شفاه وأفئدة الناس البسطاء وتراب وغبار حقولهم واشواقهم

ثم يعيده اليهم مشحونا بعلاقات ودلالات، وآفاق ثقافية عميقة عرف كيف يخفيها في داخل النص ويقدمها لهم دون إستعراضات وإدعاءات معرفية، وبذلك يمكننا القول إن ابو كاطع هو أول من ساهم في محو أمية مجتمعه الكبير.

وهكذا ظل على الدوام ذكيا - يقظا  يزود فضاء إستعمالاته اللغوية بمقومات الخبرة المتجددة  التي تمزج العمل الادبي بعروق شجر  وطين وماء وغبار وثغاء الاغنام، وليل وروائح ونكهة موروث بيئته التي كان يخلقها من جديد في عرق فرس، أو (مصخنة) ماء ترفعها على رأسها صبية عائدة من النهر ومذاق الطلع الحلو..، أو تطريز فلكلوري في (بسط) مدينة (الحي) المترامية النخوة والذائقة والكرم والقهوة والشجاعة والعادات النبيلة، وتاريخ الشعر العامي خاصة.

كنت أتمنى ان أتحدث عن البنية الفنية للرواية (الشعبية) التي  أبدعها ابو كاطع، وكان رائدا فيها، لكن ضيق المجال وللأسف حال دون ذلك.

عرض مقالات: