اخر الاخبار

(الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل اخرى)

 كارل فون كلاوزفيتز 1780 - 1831

لم يعد مقبولا في هذا الزمان الركون الى الحرب لحل الخلافات الدولية مهما تكن، او هكذا يامل كثيرون. لذا شد انتباهي مقال الاستاذ الفاضل رشيد غويليب الموسوم “المطلوب موقف متوازن من الحرب في اوكرانيا” في طريق الشعب.

اسهب المقال في وصف ان الحرب في اوكرانيا هي بين “مراكز رأسمالية (بلدان الناتو وروسيا بوتن) تتصارع على مواقع الهيمنة وتغيير خارطة التوازنات الدولية، ليس من اجل الشعوب المضطهدة بل لتحسين مواقعها واشباع غرور مستبديها واحلامهم بعودة الامبراطوريات السابقة”. والحال إن الوصف الاخير ربما ينطبق على “روسيا بوتن”، إذا سلمنا بان غروره واحلامه دفعتاه الى غزو دولة جارة مسالمة ليس إلا، فالطرف الثاني، اي الولايات المتحدة، قائدة الناتو، هي امبراطورية فعلية، ليس من ناحية الهيمنة العسكرية على تابعيها فحسب بل اهم من ذلك بكثير، الهيمنة الاقتصادية على العالم، ليس اقله من خلال عملتها الوطنية الدولار.

لا اظن إن اي يساري او ماركسي رصين يتوهم روسيا الاتحادية اليوم هي الاتحاد السوفيتي الامس، لكنها وريثته بمخزونها النووي وتشعربالخطر.

كانت روسيا ودودة مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة في عهد بوريس يلتسن خاصة عند تطبيق رئيس وزرائه إيغور غايدار “سياسة الصدمة” الاقتصادية بنصيحة الخبراء الاميركيين وفي مقدمهم جفري ديفد ساكس، ففتحت ابوابها مشرعة امام “الاستثمار الغربي” ونشأت سريعا طبقة الاوليغارشيين الذين استحوذوا على اموال الشعب – الدولة بابخس الاثمان. التحول الرأسمالي فائق السرعة في سنوات يلتسن الثماني إنحدر بروسيا الى مصاف الدول الفقيرة لكن بمخزون من الرؤوس النووية.

لم تعد روسيا صديقة في عهد فلاديمر بوتن، رغم محاولاته المتكررة بل تعالت الاصوات في الولايات المتحدة وتابعاتها في الغرب بوصفها بالعدو “الذي يمكن احتواؤه” على حد قول مايك بومبيو وزير الخارجية الامريكي. والاحتواء تمثل في امتداد الناتو شرقا واحتمال امتداده جنوبا في جورجيا... ثم الشعرة التي قصمت ظهر البعير مسالة ضم اوكرانيا الى الناتو.

لا ارى فائدة من مناقشة حديث بوتن عن تاريخ اوكرانيا سواء في 22 شباط ام قبل ذلك ام بعده ولا اظن هذا هو الدافع الحقيقي لما يجري، كذلك هي مسالة “الدفاع” عن الاقلية الروسية الكبيرة (نحو 17% من سكان اوكرانيا).

لم يشر اللاستاذ الفاضل الى الاطاحة بالقوة بالرئيس فيكتور يانكوفيتس (2010 – 22شباط 2014)، بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة وتابعاتها الاوربيات فيما يسمونه ثورة ميدان ويسميه الروس انقلابا. هذه الاطاحة التي ظهر فيها “القطاع الايمن” بكامل قوته وشعارته المبجلة للنازية ولستيبان بانديرا، ما اشعل حربا اهلية في شرق البلاد بدعم من روسيا ومن ثم لجوء روسيا الى ضم او استعادة شبه جزيرة القرم حسب رؤية كل طرف. ولم يشر الاستاذ الفاضل الى احجام اوكرانيا عن تنفيذ اتفاقات مينسك، على مدى ثماني سنين، التي اضحت اتفاقية دولية برعاية فرنسية المانية.  كل هذه تفاصيل وتفاصيل فالامر يتعلق بمصير روسيا نفسها.

روسيا بلد شاسع قليل السكان (147 مليون نسمة اي نحو 9 في الكيلومتر المربع) متعدد الاقوام والاديان يملك ثروة هائلة من الموارد الطبيعية والبشرية. لكن النظام الرأسمالي الروسي لم ينتج خلال العقود الثلاثة الماضية مؤسسات متماسكة ولم ينجح في التخلص من الفساد وتتحكم فيه الاولغارشية، كما اوضح الاستاذ عن حق. لذا بقيت روسيا اسيرة “الرجل القوي”.

والرجل القوي سعى الى التحالف مع الصين ومن ثم الهند وجنوب افريقيا والبرازيل في تجمع بريكس، الذي وضع الخطط للتخلي التدريجي عن الدولار كعملة تبادل رئيسية، وايجاد بدائل لصندوق النقد والبنك الدوليين، وايجاد وسائل تعامل تتخطى سويفت، اي بتعبير اخر، الافلات من الهيمنة الامريكية، وتحقيق حلم العالم متعدد الاقطاب. اي نعم، تغيير خارطة التوازنات الدولية، هذا ما دفع الولايات المتحدة الى وسم روسيا بانها عدو، لا بل إن الحاق الهزيمة بها يفتح الباب للتفرغ للعدو الاشد خطورة، الصين، التي قال عنها مايك بومبيو انها تمثل “خطرا وجوديا “ على بلاده.

الامر هنا لا علاقة له ب “التفاضل بين الشيوعية والبوتينية، بين فلاديمرايليش لينين [اوليانوف] وفلاديمر بوتن، بين حق الشعوب في تقريرمصيرها وحق الامبراطوريات في غزو البلدان الاخرى”. هذه الحرب تجري بين قوى رأسمالية روسيا والولايات المتحدة، على ارض طرف ثالث، اوكرانيا، ولا علاقة لها بحق الشعوب في تقرير مصيرها. الولايات المتحدة تريد الحفاظ على هيمنتها العالمية واضعاف روسيا وهزيمتها وربما تفكيكها، وروسيا، بصرف النظر عن النظام القائم فيها، تسشتعر الخطر الماثل وان الرماح باتت نواهل منها!

اظن دعوة الصين الى وقف القتال واللجوء الى التفاوض، آخذين في الاعتبار المطالب الامنية للطرفين تمثل نقطة بداية مناسبة. 

هذه الحرب اشبه بالحرب العالمية الاولى، التي كانت حربا بين الضواري الرأسمالية لاعادة اقتسام العالم كما وصفها لينين، ولولا الخطر النووي المدمر لانجر العالم اليوم الى اتونها، لم يحصل هذا بعد ولكنه احتمال قائم.

عرض مقالات: