اخر الاخبار

شهد التبادل الاقتصادي بين روسيا والصين في العقدين الماضيين تطورا هاما، ولكن موسكو اصبحت بحاجة إلى بكين أكثر من حاجة الاخيرة اليها.

هل يرغب الاوربيون بالتخلي عن مصادر الطاقة الروسية؟ مهما كانت القرارات المتعلقة بهذا السؤال فان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطط لتوجيه صادراته من موارد الطاقة نحو أسواق الجنوب والشرق، التي تتميز بالنمو الاقتصادي السريع. هذا ما أعلنه بوتين نفسه في ١٤ نيسان مؤكدا ارادته بخفض صادراته نحو الغرب مستقبلا.

وفي الواقع، ان روسيا قد بدأت انعطافا نحو الشرق قبل غزو اكرانيا بفترة غير قصيرة. فقد أصبح الجار الصيني ومنذ منتصف سنوات ٢٠١٠ المنفذ الأول للصادرات الروسية ووصلت حصته في عام ٢٠٢٠ إلى ١٥ في المائة منها، بقيمة بلغت ٥٠ مليار دولار، تشكل منتجات الطاقة ٦٠ في المائة من هذه الصادرات ويحتل النفط الخام الموقع الرئيسي فيها. ومن جانب آخر، ازدادت ايضا الصادرات الصينية إلى روسيا لتصل في عام ٢٠٢١ إلى ٧٠ مليار دولار معظمها آلات ومعدات الكترونية مختلفة.

 الخوف من العقوبات الغربية

 كان هذا التطور التجاري يتلاءم مع رغبة الطرفين، لكن الامور، كما يبدو، بدأت تتعثر مؤخرا. فلقد اعلنت وكالة رويترز في ٧ نيسان الماضي بان شركات حكومية صينية تجنبت توقيع عقود جديدة لشراء النفط الخام من روسيا على الرغم من عروض موسكو في تخفيض الاسعار، خوفا من تعرضها، اي الشركات الصينية للعقوبات الغربية وان لا تظهر كممول للقدرات العسكرية الروسية بالإضافة إلى معوقات تسديد الاثمان نتيجة لاستبعاد مجموعة من البنوك الروسية من منظومة التبادل الدولي.

ومن الجدير بالملاحظة ان الصين، قبل ذلك، كانت تسعى إلى تنويع مصادرها من امدادات الطاقة لكي تكون اقل اعتمادا على روسيا هذا ما اظهرته استاذة الاقتصاد ماري -فرانسواز رينار من جامعة “كليرمون اوفيرن” في كتابها الموسوم الصين والاقتصاد العالمي الصادر في ٢٠٢١. وما يشير إلى هذا السعي هو انخفاض حصة روسيا النسبي في تجهيز الصين بالنفط الخام منذ ٢٠١٨ بعد ان تضاعفت ثلاث مرات في السنوات الثمانية السابقة.

وفي مجال التسليح خفضت بكين أيضا من درجة اعتمادها على موسكو، على الرغم من ان حصة روسيا ما زالت تشكل ٨١ في المائة من استيرادات الصين للأسلحة في سنوات ٢٠١٧ -٢٠٢١ لأن الصين، وهي المستورد الثاني للأسلحة الروسية، اخذت تحرز تقدما مهما ومتواصلا للتعويض عن تأخرها التكنولوجي في هذا المجال.

 روسيا زبون صغير في تجارة الصين، اشار اوليفيه باسسه مدير بحوث في المعهد الفرنسي للدراسات الاقتصادية “كزيرفي” إلى ان روسيا تمثل أقل من ٢ في المائة من السوق التجارية الخارجية للصين في الوقت الذي تمثل حصة الدول المتطورة في الغرب وفي اسيا ٥١ في المائة منه. فهل من المعقول ان تجازف بكين بتطوير تبادلتها مع روسيا وما سينتج عن ذلك من عقوبات تحرمها من نصف زبائنها من البلدان الاخرى؟

يبدو ان ليس لدى موسكو ما تفعله بشأن تبادلاتها التجارية و هي في الوقت الحالي أكثر تبعية و اعتمادا على الصين وذلك من جانب تصريف منتجاتها النفطية التي يحاول الغربيون الاستغناء عنها و من جانب آخر استيراد البضائع و التجهيزات التي ليس لها القدرة بتصنيعها.

ووفق استنتاجات ماري فرانسواز رينار، فان الفرق بين حجم الاقتصاد الروسي والاقتصاد الصيني أصبح في الوقت الحاضر بدرجة يمكن ان يسمح للصين ان تحافظ على مصالحها التجارية مع البلدان الغربية دون المساس في هيمنتها الاقتصادية على روسيا. وعلى الرغم من ان توقع هيمنة اقتصادية صينية أكبر على روسيا سابق لأوانه، الا ان إيمانويل ماكرون اشار إلى هذه الامكانية في مجلة “لو بوا” الفرنسية، في منتصف نيسان الماضي معبرا عن خشيته بان تصبح موسكو وفي القريب العاجل في تبعية الصين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن مجلة “البدائل الاقتصادية” الشهرية الفرنسية

عرض مقالات: