اخر الاخبار

مما لا يخفى على كل ذي بصيرة أن مصادر الدخل القومي وحجم الثروة ظاهرها وباطنها يمكن ان تنقل البلاد إلى واحد من أغنى دول العالم إذا ما تم استخدام العقل الجمعي من الكفاءات الوطنية المتوافرة او التي تحت البناء وتوظيف خبراتها بأفضل الطرق الصحيحة والفاعلة في تحويل هذه المصادر إلى قوة رافعة للاقتصاد وعمليات التنمية شريطة حماية المصادر المالية من مخاطر الفساد.

إن التجربة الحية بعد عام 2003 اثبتت بما لا يقبل الشك او الدحض بأن الفساد هو من أخطر الأمراض التي فتكت بالجسد العراقي اقتصاديا واجتماعيا لهذا تضطرنا المقاربة النظرية إلى الاستعانة بالمفهوم الذي تناولته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC)) عرفته بانه الأفعال والممارسات الفعلية التي تعتبر شكلا من اشكال الفساد في القطاعين العام والخاص المتمثل بالاختلاس بمختلف الوجوه والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظيفة وتبييض الأموال والكسب غير المشروع. وقد استقر الرأي في التعبير عن الكسب غير المشروع على عبارة موجزة تحت عنوان (من أين لك هذا) ولو تم تطبيق هذه   العبارة الموجزة في العراق قبل ان يستفحل الفساد ويتحول إلى كابوس مزمن لوضع حدا لكل الفاسدين بقضهم وقضيضهم.

ولابد من التوقف عند ظاهرة  المكاتب الاقتصادية التي شكلتها أحزاب نافذة  في وقت مبكر وتحولت إلى مرض خطير يفتك بجسد الدولة، وتفحص ممارساتها واشكال استحواذها على المال العام  لتكون مصدرا ماليا كبيرا للقوى التي شكلتها وتكون أداة لديمومتها في المشهد السياسي العام بهدف القيام بمختلف الأنشطة سواء في حملاتها الانتخابية والاستحواذ عل الكثير من أصول الدولة، وكل ذلك يجري من خلال التدخل الواسع في قطاع الاستثمار باستخدام فصائل مسلحة لغرض الترهيب والابتزاز وممارسة أنشطتها في مدن ومناطق مختلفة وخاصة الحدودية كالأنبار وميسان وواسط وديالى والبصرة والهيمنة على العقود عبر تضخيم مبالغها، وتشير بعض المصادر إلى أنها تستحوذ على 15 في المائة من موازنات بعض المحافظات التي تنشط فيها كالموصل وصلاح الدين مثلا بدليل استمرار وضع هذه المحافظات المتردي في الخدمات وازدياد نسب البطالة وتجذر حالة الفقر.

 على أن اشكال الفساد وممارساته لا تقف عند هذا الحد، بل تأخذ اشكالا وأطرا أخرى ومنها على سبيل المثال تضخم الانفاق الجاري في الموازنات السنوية على قطاعات غير منتجة وبمستويات أعلى من الطبيعية او الاختلال في ميزان المدفوعات او التصرف السيء في الفوائض النقدية خارج الموازنات السنوية او تحويل الفعاليات الاقتصادية في الدولة إلى صفقات تجارية مشبوهة ناتجة عن اعمال السمسرة والابتزاز مما تنعكس سلبا على سير تنفيذ المشاريع. او بأشكال أخرى منها غياب الشفافية والنزاهة في العطاءات الحكومية واحالة العقود إلى شركات مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمسئولين حكوميين كبار، ومن امثلتها ما صرح به رئيس مفوضية النزاهة في عام 2007 بتحقق هدر مالي بمقدار 125 مليار دولار خلال الفترة 2003 – 2007 معتبرا الأمانة العامة في ذلك التاريخ البؤرة الأكثر فسادا في الدولة، ولهذا أعلنت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها لعام 2008 بان العراق يحتل المرتبة الثالثة في الدول الاكثر فسادا. ومما يستحق التنويه أن إطالة فترة التحقيق في جرائم الفساد وخاصة التحقيق الإداري او القضائي شكلا من اشكال حماية الفاسدين وتمييع القضايا الجنائية وتعطيل الإجراءات القضائية ما يتيح للفاسدين فرصة الهروب من العقاب. ولأجل الحد من جرائم الفساد نقترح الاتي:

  1. تطبيق نظام الحوكمة في كافة الوحدات الحسابية والرقابية لضبط إجراءات الرقابة والتدقيق وسرعة الوصول إلى النتائج ومواجهة استغلال الفراغات القانونية والإدارية التي تتيح الفرص للفاسدين من النفاذ إلى المال العام.
  2. مركزة تدقيق العقود الحكومية وخاصة التي تتطلب مبالغ كبيرة في المشاريع ذات البعد الاستراتيجي والتي تتوقف عليها عمليات التنمية المستدامة.
  3. توقف البرلمان عن محاولات تشريع قوانين العفو عن الفاسدين التي تحولت إلى معول هدم في بناء الدولة.
عرض مقالات: