اخر الاخبار

بدءاً لابد من إيجاز التحديات التي يواجهها الأمن المائي في العراق وهي:

اولاً- التحديات الخارجية

-1 الظروف المناخية لحوضي دجلة والفرات وهي الساقط المطري وسماكة الثلوج على الحوضين يضاف إليها التغيرات المناخية التي أصبحت واضحة التأثير في العقدين الأخيرين.

-2 سياسات دول الجوار(دول المنبع و المسار) وهي تركيا وايران و سوريا والتي اغفلت مصلحة العراق تماماً (اذا ما استثنينا سوريا لظروفها المعروفة( ومضت بتطوير برامجها الزراعية ذات التأثير المميت على المواطن العراقي والأدلة على ذلك كثيرة وواضحة بما لا يقبل التشكيك.

ثانياً- التحديات الداخلية

-1 سوء الاستخدام باعتماد طرق الري التقليدية والتي شاعت في زمن الوفرة .

-2 هذا الاستخدام السيئ أدى إلى تعامل بردود الفعل من قبل الادارة العامة فأصبحت الإدارة سيئة.

وحيث ان العوامل الخارجية الطبيعية خارج سيطرة كافة الأطراف.

وسياسات دول الجوار لا يمكن تغييرها وتحتاج إلى جهود وإجراءات تستوجب مشاركة واسعة وعالية المستوى من الحكومة العراقية.

لذا لابد من التوجه أولا إلى اصلاح الوضع الداخلي لاستغلال أمثل للمياه.

وحيث ان 85 بالمائة من الايرادات المائية تستخدم في القطاع الزراعي، لذا بدون اصلاح هذا القطاع فان كل حديث عن تحقيق أي نجاح في معالجة شح المياه سيكون بعيدا عن الواقع مع اعادة إجترار الموضوع دون تحقيق نتائج ملموسة.

وحيث ـن الاستثمارات الصغيرة هي السائدة في العراق لذا لابد من حزمة اجراءات تشجع هذه الاستثمارات وتطرح محاصيل بديلة للمحاصيل التي تستهلك الكثير من المياه وتوفر عائدات اقتصادية مساوية أو اكثر للفلاح واهم هذه الاجراءات هي وضع نظام محفزات لمستخدمي طرق الري الحديثة وتغيير نوعيات المحاصيل بدلا من وضع قائمة عقوبات لايمكن تطبيقها وتزيد من حجم المشاكل بدلا من وضع الحلول.

هنا لابد من المرور على موضوع كثيرا ما تتكرر طرحه في مختلف المحافل والمؤتمرات وهو التكيف للتغيرات المناخية اذ ان هذا يعني كيفية التعامل مع التغيرات المناخية والتي تسببت بتكرار مواسم شح المياه في العراق، وادامة النشاط الزراعي بإيرادات مائية يقل عن الوسط الحسابي لتلك الايرادات بأكثر من 30 بالمائة مع زيادة عدد السكان وارتفاع الطلب على المياه.

لذا لابد من توجيه البحث عن حلول لمشاكل سكان الريف العاملين في الزراعة نحو بدائل خارج الأطر التقليدية مع التأكيد ان كل وسائل الري الحديثة لن تكون كافية لتوفير لقمة العيش للاعداد المتزايدة من السكان والذي يعني انخفاض المساحات الزراعية للعائلة الواحدة مستقبلا بما لا يكفي لان تكون مصدرا لإيراد مالي يغطي احتياجات العائلة.

هذا الانتقال الحاد من زمن الوفرة إلى زمن الندرة وتراجع الاهتمام بملف المياه في العراق بسبب الحروب الكارثية قبل الاحتلال واهمال هذا الملف من الكتل السياسية المكوناتية واعتماد المحاصصة في تشكيل الوزارات ادى إلى ان تعجز الادارات المائية عن وضع سيناريوهات ترتفع كفاءة الارواء.

ويمكن ملاحظة انحدار الخط البياني لأداء وزارة الموارد المائية ما نبهنا له ومنذ 2003 من خطورة اعتماد المحاصصة في اختيار ادارات الوزارات وانها ستضاعف حجم المشاكل بدلا من ايجاد الحلول.

-3 ضعف البنية التشريعية التي تنظم استثمار المياه في العراق والذي ينبع من خمسة مصادر.

أ- قدم القوانين والأنظمة والتعليمات وحاجتها إلى تعديل يتوافق مع ظروف العراق الجديدة الطبيعية منها والاجتماعية.

ب- الفشل في اصدار قانون المجلس الوطني للمياه والذي من المفترض ان يضع  السياسات المائية للزمن القادم ويعالج المشاكل الحالية.

ج- ضبابية المواد الدستورية الخاصة بالمياه وهي المادة (110،114) واذا ما تجاوزنا المادة (110) الخاصة بالمياه الخارجية فان المادة (114) تضع ادارة المياه الداخلية من الصلاحيات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم، وبالعودة إلى المادة (115) التي تغلب قانون الاقليم على قانون الاتحاد في الصلاحيات المشتركة فان خزانات المياه والمسطحات المائية يمكن ان تدار وفق قرارات الادارات المحلية والتي تراعي مصالح ضيقة لقوى سياسية اثبت الواقع انها تتقاطع اكثر مما تتوافق وقد تتصادم بعنف بوجود السلاح المنفلت.

د- لا توجد فرق عمل ثابتة مكلفة بمتابعة المحافل الدولية ( منظمات الأمم المتحدة، منظمة التعاون للدول الاسلامية، الجامعة العربية) والتغيير المستمر لممثلي العراق في هذه المحافل مما شتت الجهود وافقدها فاعليتها وافقدنا الكثير من الفرص لكسب الدعم الدولي والضغط على دول المصب باقرار حقوقنا المائية وتثبيت تقاسم الضرر بين الدول المتشاطئة .

ه- ان القوانين الدولية الخاصة بالمياه لا تندرج تحت البند السابع لذا فهي غير ملزمة ولا يمكن الركون اليها بانتزاع حقوقنا المائية، وان ادعاء تدويل قضية الحقوق المائية لا يستند إلى قاعدة قانونية.

وهنا لابد من توضيح المشكلة المائية للعراق مع دولتين جارتين مسلمتين هما تركيا وايران.

اولا - تركيا

ليس هناك اي اتفاقية بين العراق وتركيا تحدد الحصص المائية والقديم منها (1946) لم تعد نافذة لعد الاتفاق على تفعيلها من الطرفين.

وباستثناء البرتوتكول العراقي التركي السوري القاضي باطلاق 500 م 3/ثا من نهر الفرات على الحدود السورية حصة العراق منها 58 % وحصة سورية 42 % ومع ان هذا البروتوكول جاء لحل مشكلة مؤقتة حينها) تشغيل احد السدود التركية) الا انه بقي على حاله مع ان العراق طالب كثيرا بزيادة هذه الاطلاقات إلى 700 م 3 /ثا دون ان تستجيب تركيا لهذه المطالب.

اما مذكرة التفاهم الموقعة بين العراق وتركيا عام 2009 والمعدلة لاحقا وبعد حصول موافقة البرلمان التركي عليها في الاشهر الماضية لم تتطرق إلى تقاسم عادل ومنصف للمياه بتثبيت حصص الدول المتشاطئة كما لم تتطرق إلى مبدـأ تقاسم الضرر بين هذه الدول وهو اخطر تهديد يتعرض له العراق في مواسم شح المياه.

ثانيا- ايران

ان ادعاء اقامة دعوى على الجارة ايران في محكمة العدل الدولية الغرض منه ايهام المواطن بان العراق سيتمكن انتزاع حقوقه من خلال هذه المحكمة خافين ان اجراءات المحكمة تستدعي موافقة الدولتين المتخاصمتين وهذا ما لا يمكن توقعه من الجارة ايران.

وبدلا من ذلك يمكن توجيه الفريق المفاوض او القانوني باتجاه محاسبة ايران لمخالفتها البروتوكولات الملحقة باتفاقية 1975 سيئة الصيت وقيامها بقطع مياه الانهار المشتركة وتوجيهها إلى داخل الاراضي الايرانية إلى ان الحكومات العراقية المتعاقبة تتغافل عن الاستناد إلى هذه البروتكولات. ومع كل السوداوية في ما ورد آنفاً لابد ان نعرج على محاولات المختص العراقي في مختلف الوزارات من اجل وضع حلول تجنب المواطن العراقي الوقوع تحت خط الفقر المائي.

ونقصد بالتحديد مشروع الموازنة المائية لعام 1982 والمنجز من وزارة الري الذي وضع خطط التطوير وسيناريوهات التعامل مع المشاكل التي يمكن ان يتعرض لها العراق لغاية عام 2000 على ان يتم تحديثها غير ان الأوضاع الكارثية والحروب التي اقحم بيها الشعب العراقي اوقفت هذه العملية.

وبعد الاحتلال عام 2003 انجزت الحكومة العراقية (الدراسة الاستراتيجة للمياه والاراضي في العراق) بمشاركة كافة وزارات الدولة واقليم كردستان وقيادة وزارة الموارد المائية، هذا الانجاز الذي جاء نتيجة عمل اربع سنوات بالتعاقد مع شركات اجنبية وبكلفة تبلغ حوالي 35 مليون دولار، وضع كافة الاحتمالات الوفرة والشحة ومقترحات الحلول بتشغيل المشاريع بمختلف الاحتياجات المائية كذلك الاحتياجات المالية لاصلاح النظام الاروائي والتي قدرت باكثر من 65 مليار دولار امريكي.

وحيث ان توفير هذا التخصيص اصبح مستحيلاً لاسباب معروفة للجميع لذا فرض هذا الواقع الحاجة إلى تحديث (الدراسة الاستراتيجية للمياه والاراضي في العراق) وبدلا من توفير التخصيصات اللازمة لعملية التحديث هرعت الحكومة العراقية إلى تنفيذ مشاريع لم تدرج ضمن الخطة المذكورة وخصصت لها ما يقارب 6 مليار دولار ومنها ماهو خارج اختصاص وزارة الموارد المائية في الوقت الذي نحن فية بحاجة ماسة جدا إلى توجيه التخصيصات المالية إلى مشاريع البنى التحتية لمنظومة الري والبزل.

وبعد الاستعراض المرير لابد من وضع مقترحات محددة قابلة للتنفيذ و مؤطرة بحساب الامكانات البشرية والمادية إلى انجاز هذه المهمة وهي كما يأتي :-

-1 اصدار امر ديواني بتكليف الوزارات القطاعية والجهات التي تؤثر وتتأثر بالموارد المائية والخبراء المستقلين والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بإعداد ورقة عمل قابلة للتطبيق واجراءات على المستوى القصير والمتوسط والبعيد تطرح للنقاش العام من كافة شرائح المجتمع على ان تحدد فترة تقديم هذه المقترحات ومناقشتها.

-2 عقد مؤتمر بأعلى مستوى من الحكومة العراقية تقدم فيه عصارة جهود هذا

الجهات كافة.

-3 اصدار مقررات ملزمة التنفيذ لكافة الاطراف على ان تحتوي اجراءات محددة زمنيا وماديا وماليا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نقيب الجيولوجيين العراقيين

عرض مقالات: