اخر الاخبار

كشفت وزارة التخطيط عن الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية بعيدة المدى التي تتكون من ستة محاور تتعلق بجميع القطاعات الاقتصادية والخدمية، ويبدو أن الوزارة كانت متفائلة بنجاح هذه الوثيقة بوصفها بديلة عن استراتيجيات خطط التنمية السابقة التي لم يحالفها النجاح لجملة من الأسباب حددتها الوزارة بالأزمات التي مر بها العراق الأمنية والاقتصادية، وآخرها وليس أخيرها جائحة كورونا (كوفيد 19) لكنها لم تتحدث عن مشروع الإحصاء السكاني المتأخر منذ أربعة وعشرين عاما.

لكن الوزارة رغم قيامها بتوفير بعض الإحصاءات المتعلقة ليس فقط بما يتعلق منها بعدد السكان وانما تشمل البيانات المتعلقة بالاقتصاد والمجتمع والثقافة وغيرها إلا أن هذه البيانات التي تردها من الدوائر الحكومية والوحدات المتخصصة المرتبطة بها تفتقر إلى الدقة والنقص الشديد وغالبا العشوائية خاصة في الوحدات الادارية المرتبطة بالمحافظات الساخنة وأن الكثير منها يعتمد على التخمين، لهذا نرى اختلاف الارقام وتناقضها في غالب الأحيان وهنا تنهض الحاجة ماسة للقيام بإحصاء سكاني عام.

فالإحصاء العام والشامل  يوفر المعطيات التي يتطلبها التصنيف الوطني للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع السكاني، وهذه المهمة لابد ان تأخذ في الاعتبار عند اعداد الاستمارات الاحصائية ايجاد اطار عام للمقارنة بين هذه الانشطة والفعاليات  على اختلاف عناوينها وعلى الاخص استراتيجيات التنمية المستدامة  وتبيان مؤشرات تطورها على المستوى الكلي والمستوى القطاعي، كما أنه من الضروري الاستفادة من البيانات الاقتصادية التي توفرها مخرجات الإحصاء واستخدامها في إيجاد علاقة بين المؤسسات الاقتصادية ودورها في رسم السياسات الاقتصادية في البلاد عموما سعيا لفك رموز الازمة الاقتصادية المستفحلة وايجاد المعالجات اللازمة .

كما أن النتائج المتعلقة بعدد السكان تعكس لنا التغيرات السكانية وانعكاسات الهجرة إلى بلدان اللجوء على الموارد البشرية وخاصة من فئة الشباب والخريجين والكفاءات الوطنية من مختلف الاختصاصات باعتبارها عوامل مهمة في حركة النشاط الاقتصادي والاجتماعي وكفاءة الاداء. وتوفر لنا المخرجات الإحصائية السكانية بالإضافة إلى ما تقدم، عدد الرجال وعدد النساء على أساس المهن والعمر ونسبة المتعلمين والأميين من كلا الجنسين بالإضافة إلى عدد العاملين في القطاعين الحكومي والخاص وعدد العاطلين وطبيعة سوق لعمل ومدى استعداده لاستيعاب الخريجين الذين يقدر عددهم السنوي ب 350 ألف من توفيرها بما تسهم في رسم سياسات التوظيف في القطاعين.

بيد أن الإحصاء الذي نتحدث عنه يواجه في الظروف الراهنة العديد من التحديات ليس بسبب الاوضاع الأمنية وقلة الأموال الكافية وأسباب ادارية وتقنية فقط وانما وهذا هو المهم غياب الإرادات السياسية وصراع القوى الحاكمة على شكل الاستمارة الإحصائية حول شكل ومضمون الايضاحات المتعلقة بالهويات الطائفية التي درجت عليها في تأمين مصالحها السياسية، في قضية إشكالية غادرها الحكم الملكي في عام 1935 ولا تتناسب مع عمليات التغيير المنشودة واستنهاض الوطن من جديد. إن وزارة التخطيط كما الحكومة وهما تتحدثان في مناسبة واخرى عن عمق الازمة المالية المربكة والازمة الاقتصادية وما يصاحبها من ازمة اجتماعية متشابكة فان في إجراء الإحصاء السكاني ستجدان البيئة المناسبة للتخلص من هذه الأزمات، وبالتالي يتعين عليهما توفير مقومات الإحصاء من خلال:

1. قيام الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط بالتنسيق مع وزارات الدولة كافة بما فيها اقليم كردستان للاتفاق على وضع استمارة احصائية شاملة مدنية الطابع لكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأحوال الشخصية للمواطن خالية مما يفرق المواطن ويخبط اماله.

2.  العمل على وضع خطة متكاملة لعملية الإحصاء تشترك فيها وزارات الدولة واجهزتها كافة وتحشيد الموارد البشرية والمادية الكافية للقيام بهذه العملية المهمة وشمول كافة محافظات العراق بما فيها الاقليم، بعملية الإحصاء واستخدام التقنيات التكنولوجية للتسريع بإنجاز هذه المهمة.

3. الاستفادة من تجارب الدول الاخرى المشابهة لظروف العراق وتجارب الإحصاءات السكانية السابقة وعكسها على هذه العملية وصولا إلى بيانات شاملة تخدم عملية التنمية المستدامة.

عرض مقالات: