ولد عيد الفلاح الأغر من رحم واقع الريف العراقي في صبيحة يوم 15/ 4/ 1959 قبل ستة وستين عامًا، يحمل بيرقه كوكبة من الرواد الأوائل ومن مناصريه وأنصاره، بموعد مسبق في تجمعهم بمقهى الخيام باتجاه شارع الرشيد، فانطلقوا بوقتها بقلوب مؤمنة وأفكار وضاءة وسلوك رشيد، حاملين العلم العراقي وبأكفهم المنجل وعلى كتفهم الكرك والمسحاة، سائرين صوب إقامة زعيم البلاد المرحوم الشهيد عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع بموقعها آنذاك بالقرب من مدينة الطب مكانها الحالي.
يرددون شعار (الأرض لمن يزرعها)، فاستقبلهم بحفاوة قائلًا مكررًا "بوركتم يا أباة الحرث والزرع"، فاستلم الزعيم منهم البيان التأسيسي والنظام الداخلي، فأصبح منذ ذلك اليوم رمزًا يُحتذى ويُحتفل به الفلاح والمزارع العراقي في كل عام. ومعلوم أن ولادة ذلك التنظيم كانت حاجة فرضتها الضرورة والمرحلة، حيث كانت فجوة وفراغ بين تعاونيات الإصلاح الزراعي التي تم تأسيسها بموجب القانون رقم 30 لسنة 1958 والتي كانت مكلفة بإدارة الاستيلاء وتوزيع الأراضي الزراعية، وبقيت إدارة الإنتاج والتسويق وتوفير مستلزماته من مدخلات ومخرجات التي كان يديرها الإقطاعي، وهو شخص معنوي مكّنته قوى الاحتلال في حينها بقوة سلطوية ومالية سلبتها من المنتجين، وبعد إزاحته أصبح المنتجون لا يملكون غير قوة عملهم الفكرية والجسدية. ولغرض غلق تلك الفجوة التي ذكرت، انطلق يوم الفلاح بتأسيس جمعيات تعاونية زراعية، وعلى غرارها صدر قانون رقم 73 لسنة 1959 وهو قانون الجمعيات التعاونية العامة ومن بينها جمعيات التعاونيات الزراعية.
ولكن الرواد الأوائل لم يقفوا عند هذا الحد، بل ذهبوا لإعداد تحالف استراتيجي مع تعاونيات الإصلاح الزراعي، فقد عملا معًا في تحقيق الأهداف التي ذكرت أعلاه، حيث تم استثناؤها من أحكام القانون رقم 73 لسنة 1959 لخصوصية عملهما. واستمر الحال حتى في تنفيذ القانون رقم 117 لسنة 1970 الذي حل محل القانون رقم 30 لسنة 1958.
وحيث كانت المطالب مستمرة في توحيد جهود تعاونيات الإصلاح الزراعي مع الجمعيات التعاونية الزراعية، فقد صدر قانون رقم 43 لسنة 1977 يسمى قانون الجمعيات الفلاحية التعاونية وألحقت به تعليمات رقم 142 لسنة 1977، ولا تزال تلك التعليمات مشرعة إلى يومنا هذا ولم تتقاطع مع قانون الاتحاد الحالي رقم 56 لسنة 2002. وكان ذلك القانون المذكور أعلاه قانونًا إنتاجيًا شاملًا للواقع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ومتضمنًا مشاريع إنتاجية ذات صفة تنموية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، حيث تم تعديله بالقانون رقم 168 لسنة 1979 وذلك لقيام الجمعيات الفلاحية التعاونية بالاشتراك بتأسيس اتحاد الفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب، وأصبح من المؤسسين في هذا التنظيم ومسجلًا في جامعة الدول العربية.
وعند الوقوف لتقييم تلك الفترة من (1959- 1979) في موضوع عمل الجمعيات الفلاحية التعاونية في المجال الزراعي، نجدها حافلة بالمنجزات ومن بينها إكمال البنى التحتية والهياكل التنظيمية بتشكيل الجمعيات الفلاحية التعاونية على مستوى القرية والوحدات الإدارية والفروع على مستوى القضاء والمحليات على مستوى المحافظة والاتحاد العام على مستوى البلاد، كذلك إقامة مشاريع إنتاجية (نباتي وحيواني) وتملك مشاريع إروائية ومضخات وحاصدات وقيادة القطاع الخاص في الواقع الزراعي واستهداف تنمية المشاريع الصغيرة وبناء علاقات مهنية إنتاجية مع الدائرة القطاعية.
ولكن في ثمانينيات القرن الماضي امتدت يد النظام في حينها لتسييس ذلك التنظيم وتغيير اتجاه عمله الإنتاجي، حيث قام بتصفية مشاريعه الإنتاجية وبيع موجوداته ومقراته ومخازن مستلزماته الزراعية وسحب أرصدته المالية وصرفها على معاركه الخاسرة مع جيرانه، ثم أصدر قانونًا جديدًا رقمه 56 لسنة 2002 وهو قانون تنظيمي سياسي بحت، لم يلب طموح الإنتاج والتسويق في القطاع الزراعي وأفرغه عن محتواه في التنظير والتعقيد وتفكيك ارتباطه بالدائرة القطاعية ورفع فرض سلطته المهنية على القطاع الخاص، وإبقائه عليلًا يحبو، فتكالبت عليه أطراف للانتفاع بلا مهنية منها (اتحادات مهنية وأخرى إنسانية) بالإضافة إلى مؤسسات حكومية ليست ذات صلة.
وبعد التغيير عام 2003 أرادت حكومة التغيير أن ترفع مستوى ذلك التنظيم وتخرجه من كبوته لكي يلعب دورًا رياديًا في تطوير القطاع الزراعي ومساندة الحكومة في تنفيذ خططها الإنتاجية، حيث قدمت الحكومة أموالًا نقدية طائلة بصفة منح لتقوية مركزه المالي مع ضغط النفقات والاتجاه لمشاريع إنتاجية لتشغيل الأيدي العاملة واستهداف الطبقات الهشة، لكن تبقى المشكلة عالقة والأهداف مشلولة التنفيذ وقوامها الارتباط بجهة مهنية وإدارية للرقابة والإشراف، وهي نقطة ارتكاز لأن ذلك التنظيم ما زال في حداثته بالرغم من عمره الطويل بسبب الظروف السياسية السابقة التي أقعدته مشلولًا هذا من جهة، وأخرى أصبح اليوم ذلك التنظيم رقمًا صعبًا في الواقع الزراعي بجماهيره المنتجة والحاجة له لتعزيز الناتج المحلي واستقرار البلاد، لكنه يعاني من أهم جرح مضت دمامله في جسمه وهو إصدار قانون جديد ينسجم مع تطلعاته ومع اقتصاد السوق عن طريق انتقاء عناصر ذات خبرة ودراية كاملة في الواقع الريفي قوامها أصحاب المصلحة والمهندس الزراعي الرديف لإعداد مسودة القانون الجديد، وبعدها توكل المهمة إلى السياسي والقانوني لإصلاح ما يشوبها من اعوجاج في الترتيب والتنظيم نحو الأفضل. وهنا لا بد أن نذكر الشخوص التي تتالت على إدارة الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية قبل التغيير في عام 2003 وبعده، إذ بذلت ما بوسعها في ترسيخ البناء التحتي الزراعي في الريف لكي يساهم في حمل البناء الفوقي وهو اقتصاد البلد الزراعي نحو التطور والرخاء وكما هو موضح في الجدول أدناه:
واليوم نتطلع إلى فجر جديد في ظل حكومة ديمقراطية رشيدة أحد مواردها الذي لا ينضب هو الإنسان فعلينا الالتفاف من حولها لتنظيم بنائها وتقوية أواصرها لكي تلعب دوراً في تحقيق العدالة الاجتماعية وتطوير بلدنا من اجل سعادة الفرد والمجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مهندس استشاري