تسعون عاما و عام ، مرت على تاسيس اقدم الاحزاب اليسارية العراقية ، التي ملأت ذاكرة الشعب العراقي بأحداث وتواريخ تستحق الوقوف ازاءها باهتمام بالغ ، هذا الحزب المنبثق من رحم مجتمع البروليتاريا الحقيقية في المجتمع العراقي وهو يمتد عميقا ً وسط العمال والفلاحيين والكسبة من فئات الشعب الواعية ، كتب مسيرته بالنضال والملاحقة وعبدّها بدماء وتضحيات مناضليه، من المتصدين لكل الأنظمة التي حكمت العراق لانه يغرد خارج سرب السلطات الحاكمة التي لم تعمل بروح الفريق السياسي الوطني الحقيقي ، الحزب وتاريخه سمفونية من النضال الدؤوب الذي يضفي على تاريخ البلاد تاريخا ً مؤطرا ً ليس بالتضحيات وحدها بل بالعمل على توعية الناس وتنوير البسطاء من العامة بعيدا ً عن فوقية الطبقات السياسية التي حكمت ، ونال ما نال من تصفيات وإقصاء جائرة ، شنت عليه بغية تصفيته ، وإخراجه من معادلة الحكم . ظلت ظروفه صعبة جراء التصفيات المريرة لمنتسبيه الذين احترفوا الرحيل صوب المنافي والقفار ليبقوا على بقية مناضليهم المتهمين دوما باعتناق ايديولوجيا لم توافق على فهمها واستيعابها الأنظمة الملكية والجمهورية معا. ً وعدم إتاحة الفرصة حتى لافكاره الاقتصادية النيرة في قلب معادلة الواقع الاقتصادي نحو بناء رصين لبنية تحتية تترافق مع قدرات العراق ومستقبله بل حورب الحزب وكوادره واتهم في قدراته المجتمعية وكيل له سيل لا ينتهي من الاتهامات والتخوين القسري والمغرض. لكنه ظل يواصل مساره بتوالد قواعده رغم التضيق على قياداته وزجها في السجون، والمعتقلات وتعرضهم لكل أنواع التعذيب لانتزاع الاعترافات حتى الكاذبة في محاولة لم يشهدها حزب عراقي او عربي مثلما حدث لدينا .
ظل الحزب رغم إخفاقاته المتكررة واجتثاث الأنظمة لزعاماته منسجما ً وعقيدته المطلوب رأسها إلى اعتى الخصوم والأشد ضراوة في الوأد والتنكيل ..لم يحل نفسه ولم يرضخ ويتوالد بإطار وطني عميق لم تحصد كوادره اية امتيازات او منافع مثلما حصل عليها الاخرون ، متوافقا ً مع نهجه في التضحيات قبل المعطيات ، الذي ظل اميناً عليها وتحالفاته حتى الغريبة منها مع مؤسسات يدرك انها مع بنية مجتمعية ناضل في سبيلها ، وهذا سر ديمومته وبقاءه وصمود مناضليه ، الذين يؤمنون بان الوطن أغلى من دمائهم الزكيّة .
ـــــــــــــــــــــ
* كاتب وإعلامي عراقي