اخر الاخبار

يهدد الاحتباس الحراري حياة الكائنات الحية، بما يحمل من أضرار “كارثية”، فبحسب التقارير الدولية أن فئة الاطفال هم أكثر عرضة لمخاطر هذا الاحتباس.

وتتمثل أبرز العوامل التي فاقمت هذه الظاهرة، غياب الإجراءات والتدابير الصديقة للبيئة، إذ تتكدس النفايات في مناطق متفرقة من البلاد، إضافة إلى أن حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط في العراق يُعد عاملا رئيسيا لتلوث المناخ، ويشكل خطرا داهما على صحة الذين يعيشون بجوار حقول النفط.

وتفيد بيانات صدرت من البنك الدولي، بأن العراق يحرق ما يزيد على 17 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، ليحتل المرتبة الثانية بعد روسيا. وتعدل انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون الناجمة نحو 10 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية.

اختراق قانوني

وتسكن فاطمة حسن في منطقة تقرب من احد حقول النفط في البصرة. تقول لمراسل “طريق الشعب”، إنّ طفلها مصال بسرطان النخاع العظمي، لافتةً إلى أن “مرض السرطان استفحل بشكل مخيف في المحافظة”.

وتضيف، أن أغلب دواء مرضى السرطان غير متوفر، وبعضه باهض الثمن، ما يجعل العائلات الفقيرة تعتكف عن العلاج، وبالتالي عدد وفيات أكثر.

وتردف كلامها قائلةَ، إنّ الجهات المعنية لم تتخذ إجراءات فعلية للمناطق السكنية القريبة من حقول النفط أو حتى تحاول استثمار الغاز، بدلا من تبديده والإضرار بصحة الناس.

ويحظر القانون العراقي لأسباب صحية، حرق الغاز على بعد ستة أميال من منازل السكان، لكن في الواقع توجد مناطق يحرق الغاز فيها على بعد أقل من ميلين من البيوت. ورغم محاولات مراسل “طريق الشعب” التواصل مع وزارة الصحة للتعرف الى نسب مرضى السرطان من الأطفال، الا إن المتحدث باسم الوزارة سيف البرد لم يرد على الاتصالات المتكررة.

وتشير تقارير لمنظمة الصحة العالمية، الى إن الاحتباس الحراري يولد العديد من المشكلات الإدراكية للأطفال، واضطرابات النمو مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحد، والاكتئاب والقلق، وحتى التغيرات الهيكلية في أدمغة الأطفال.

ويتعرض 9 من كل 10 أطفال حاليا في العراق للارتفاع الحاد في درجات الحرارة، ويخشى مدير المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، فاضل الغراوي، من أن يزداد الأمر سوءا في حلول العام 2025.

ويقول الغراوي في حديث مع “طريق الشعب”: إن “ظاهرة الاحتباس الحراري تشكل تهديداً على الكرة الأرضية، ما لم يجر اتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على حرارة الارض”.

وعلى حد قوله، فإن العراق عام 2019 كان مسؤولاً عن 8 في المائة من انبعاثات غاز الميثان و0.5 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، كونه يحتضن أكبر انبعاثات من حقول الغاز.

ويشير الغراوي، إلى أن العراق انضم لاتفاقية باريس لمعالجة الاحتباس الحراري عام 2020، الامر الذي يترتب عليه التزام دولي حتى العام 2025، موضحا أن الالتزام يتمثل بتعزيز الاستثمار في الغازات الطبيعية وتخصيص 12 كيكا واط من الطاقة المتجددة.

ويؤكد أن “العراق سيخفض بشكل طوعي (1-2) في المائة من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون”.

ويدعو الغراوي إلى “تأسيس المجلس الأعلى لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري وإلزام كافة المؤسسات المعنية بتخفيض استخدام الوقود الأحفوري وتخفيض 3 في المائة، من انبعاثات الغاز الطبيعي واستخدام 20 غيغا واط في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة بحلول عام 2025 الذي سيتم فيه اجراء المراجعة بمدى التزام العراق باتفاقية باريس للاحتباس الحراري وإقرار السياسة الوطنية المناخية كمشروع استراتيجي في العراق”.

تأثيره على صحة الطفل

وتشير الدراسات العالمية الى أن تغير المناخ له تأثيرات سلبية للغاية على الصحة العامة، ووفق أحدث الأبحاث فإن الأطفال قد بدأ يظهر عليهم دلائل تشير إلى تأثرهم بشكل أكبر من غيرهم بعواقب التغير المناخي، وهذا ما أكدته نجوان علي، ناشطة في مجال البيئة.

تقول علي لـ “طريق الشعب”، إن “التغير المناخي وما ينتجه من احتباس حراري له اضرار جسيمة على النساء الحوامل وأطفالهن، فقد يفرز ذلك مشاكل لديهن ولدى أطفالهن بالصحة العقلية وحالات من الاضطراب والقلق والاكتئاب، اضافة إلى ان الاحتباس الحراري يولد ظاهرة الهجرة من الريف الى المدينة”.

وتردف كلامها قائلةً، إن “الاحتباس الحراري أجبر الأطفال على الهجرة مع أسرهم الى المدن، ما جعل العديد منهم بلا سكن آمن، وأكثر عرضة لأشكال مختلفة من العنف، والإساءة، والإهمال، والاستغلال، إضافة الى تعرضهم الى ازمة الجوع وسوء التغذية”، مضيفةً أن “التهجير القسري يمنع الأطفال من الحصول على الخدمات الأساسية والحقوق ومنها التعليم”.

وتتوقع علي أن “تكون هناك زيادة في الأمراض الناجمة عن تغير المناخ، والتي لها آثار مدمرة على صحة الأطفال، اذا لم تتخذ إجراءات حقيقية لمكافحة مشكلة الاحتباس الحراري”.

وتدعو الناشطة الى وضع تخصيصات مالية كافية في موازنة العام الجاري لهذا الشأن، وان تتحمل الحكومة المسؤولية الأساسية حيال الأمر، وأن تحمي النمو الفكري لجميع الأطفال وصحتهم العقلية والبدنية.

غياب التخصيصات المالية

مدير مديرية التغيرات المناخية في وزارة البيئة، يوسف مؤيد يذكر لـ “طريق الشعب”، أن “التخصيصات المالية في موازنة 2023 لا تكفي لوضع برامج حكومية من شأنها مكافحة التغير المناخي في العراق”، متمنيا أن تكون هناك زيادة للتخصيصات البيئية.

وبشأن الحلول المنتظرة، يبيّن مؤيد أن “موضوع الاستثمار في القطاع الخاص شائك، لذا نحن بانتظار اطلاق تخصيصات الموازنة، وعلى أثر ذلك سيتم وضع خطط تتعلق بمعالجة المشاكل البيئية”.

وقالت منظمة اليونيسف في تقرير لها، انه “بالنسبة لبعض الأطفال، فإن أزمة المناخ هي أكثر من مجرد خطر متزايد، إنها حقيقة تهدد الحياة. والتأثير على هؤلاء الأطفال وعائلاتهم ومستقبلهم، وبالتالي على مجتمعاتهم”.

وكشفت خلال التقرير عن وجود مليار طفل معرض للخطر من الاحتباس الحراري، ما لم يكن هناك تحرك عالمي بشأن مكافحة الاحتباس الحراري.

عرض مقالات: