مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في الحادي عشر من تشرين الثاني المقبل، يتصاعد الجدل في العراق بشأن قرارات الاستبعاد التي طالت مئات المرشحين، بينهم شخصيات سياسية بارزة، بدواعي المساءلة والعدالة أو ملفات جنائية وفساد.
وبينما تثير هذه الإجراءات اتهامات بوجود دوافع سياسية خلفها، تؤكد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن قراراتها قانونية ودستورية وخاضعة لرقابة القضاء، فيما تشدد مصادر مطلعة على أن الحديث عن تأجيل الانتخابات ليس سوى محاولة لإرباك المشهد وإلهاء الشارع، في وقت تواصل فيه الجهات الرسمية استعداداتها اللوجستية والأمنية لإنجاز الاستحقاق الدستوري في موعده.
المساءلة والعدالة: انتهت مهمتنا
وأنجزت الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة عملية تدقيق شاملة لجميع أسماء المرشحين البالغ عددهم قرابة ثمانية آلاف مرشح. وقال مدير الدائرة الإعلامية في الهيئة حسن الشويلي إن "التدقيق شمل مطابقة الأسماء مع قواعد بيانات الجهات الرقابية والقضائية والأمنية، وتم شمول (335) مرشحًا بإجراءات قانون المساءلة والعدالة، بهدف ضمان نزاهة العملية الانتخابية ومنع عودة غير المؤهلين إلى المشهد السياسي".
وبيّن الشويلي أن "القانون يتيح للمشمولين حق الطعن أمام الهيئة التمييزية خلال مدة شهر واحد، على أن يُبت بالقرار خلال شهر آخر، سواء بتأييد الشمول أو رفعه"، مشددًا على أن "الهدف الجوهري يتمثل في إبعاد عناصر حزب البعث عن السلطة التشريعية وصون العملية السياسية من أي محاولات للعودة غير المشروعة".
استبعاد 751 مرشحا
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عن استبعاد (751) مرشحًا من خوض الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها بعد ثلاثة أشهر، لأسباب تتعلق بالمساءلة والعدالة أو قضايا جنائية وملفات فساد.
وأثارت وثائق مسربة عن استبعاد عشرات المرشحين خلال الفترة الماضية، بينهم شخصيات سياسية بارزة، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، وسط تصاعد الاتهامات بوجود دوافع سياسية خلف تلك القرارات تتجاوز الأطر القانونية.
وجاء في بيان المفوضية، أن "عدد المستبعدين من الترشح بلغ لغاية الآن (751) مرشحًا، على أن تتم المصادقة النهائية على القوائم مطلع تشرين الأول المقبل، فيما تنطلق الحملات الدعائية في التاسع من الشهر ذاته، وتنتهي قبل يوم من التصويت الخاص، يليها الصمت الانتخابي".
باب الاستبعادات مفتوح
من جهته، قال رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية عماد جميل، إن "الاستبعادات ليست نهائية، فالعمل جارٍ على تدقيق أسماء باقي المرشحين، وجميع القرارات تستند إلى مواد قانونية ودستورية، ولا علاقة لها بأي أجندة سياسية كما يحاول البعض الترويج لذلك".
وأضاف أن "القضاء هو الفيصل في هذه الإجراءات، ويحق لأي مرشح مستبعد الطعن بقرار استبعاده أمام الهيئة القضائية المختصة، وقد أعيد بالفعل ترشيح عدد من المرشحين بعد كسب الطعون، ما يؤكد قانونية ودستورية الإجراءات".
فيما أكدت عضو الفريق الإعلامي للمفوضية، نبراس أبو سودة، أن "باب الاستبعادات سيبقى مفتوحًا حتى يوم الاقتراع وما بعده، طالما استمر التحقق وتنقيحات المفوضية، وفي حال ارتكاب جرائم انتخابية خلال الحملة أو ورود شكاوى، فإن المفوضية ملزمة بضمان تقديم مرشح مؤهل ومتوافق تمامًا مع الشروط القانونية".
أمنيًا، واصل نائب قائد العمليات المشتركة ورئيس اللجنة الأمنية العليا للانتخابات، الفريق أول الركن قيس المحمداوي، جولاته الميدانية للاطلاع على الاستعدادات الجارية لتأمين العملية الانتخابية. وأفاد بيان لخلية الإعلام الأمني بأن المحمداوي وصل إلى محافظة كربلاء المقدسة، واطلع على الخطط الأمنية الخاصة بالانتخابات في محافظات كربلاء والنجف وبابل، لضمان إجراء الاستحقاق الدستوري بأجواء مستقرة وآمنة.
عودة سجاد سالم
أصدرت الهيئة القضائية العليا، قرارًا يقضي بنقض قرار مجلس المفوضين القاضي باستبعاد المرشح سجاد سالم عن تحالف البديل في محافظة واسط من خوض انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2025.
وذكرت الهيئة أن الاستبعاد استند إلى ادعاءات غير مثبتة بحكم قضائي بات، على خلاف ما نصت عليه المادة (7/ثالثًا) من قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل. وأكد القرار أن المرشح لم يُدان بأي قضية فساد مالي أو إداري أو جريمة مخلة بالشرف، مشيرًا إلى أن الكتاب الصادر عن هيئة الحشد الشعبي لم يرقَ إلى مستوى الحكم القضائي النهائي. وبناءً على ذلك، قررت الهيئة القضائية العليا نقض قرار الاستبعاد، وإشعار مجلس المفوضين باتباع ما ورد في القرار، مشددة على أن حكمها صدر بالإجماع بتاريخ 8 أيلول 2025.
لا تأجيل للانتخابات
وفي خضم الجدل الدائر بشأن إمكانية تأجيل الانتخابات، كشف مصدر مطلع أن "الانتخابات لن تؤجل وهي ماضية في موعدها المقرر، والحديث عن التأجيل لا يعدو كونه محاولات لإلهاء الشارع والتغطية على عجز بعض الأطراف عن اللحاق بالسباق الانتخابي".
وأضاف المصدر، أن "المفوضية والجهات الحكومية والأمنية المعنية مستمرة بالتحضيرات اللوجستية والفنية والأمنية، ولا يوجد أي مؤشر رسمي على نية التأجيل، إذ إن المدد الدستورية واضحة والجدول الزمني يسير وفق ما أُعلن عنه مسبقًا".
وأوضح أن "الضغوط السياسية التي تُمارس من بعض الأطراف تسعى إلى خلط الأوراق بعد أن أدركت صعوبة موقفها الانتخابي، لكنها محاولات لن تنجح، لأن الرأي العام يراقب بدقة، والمجتمع الدولي الداعم للعملية الانتخابية أكد التزامه بمساندة العراق لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد".
وختم المصدر بالقول إن "الإصرار على موعد الانتخابات يمثل رسالة قوية للداخل والخارج بأن الديمقراطية في العراق لا تُدار وفق رغبات الكتل أو المصالح الآنية، بل وفق استحقاقات دستورية وقانونية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار وبناء الثقة بين الناخب والعملية السياسية".