البصرة.. لمحات من الأمل في جنوب العراق المنسي
لموقع المجلس الأطلسي، كتب السفير السابق ومستشار المجلس جون ويلكس، مقالاً عن محافظة البصرة، ذكر فيه بأن الآمال التي كانت معلقة على أن تعيد البصرة مكانتها كمركز اقتصادي رئيسي في المنطقة وبوابةً للعراق ومنافسًا للمدن التجارية الكبرى في الخليج، بدت وكأنها تتبدد، حيث أصبحت المحافظة، وبسبب موقعها الاستراتيجي القريب من موارد العراق النفطية ومنافذه البحرية إلى الخليج وحدوده مع إيران، مصدراً رئيسياً لنهب الثروات ومستنقعًا من الفساد والعصابات، على حد تعبيره.
تحسن ملحوظ ولكن!
وأشار الكاتب إلى أن المؤشرات الإيجابية على الاستقرار وإعادة الإعمار، كتعبيد طرق جديدة واقامة مشاريع تجارية وسكنية والعناية بنظافة ونشاط مركز المدينة وتحسن قدرة الناس على التحرك بحرية وسلاسة، لا تختلف كثيراً عما تشهده البلاد بشكل عام من تحسن في الأمن والإعمار، رغم إنها لا تستطيع حجب الصورة المشوهة إلى حد كبير بسبب الفساد والحكم المختل واستحواذ القوى المتنفذة على الإيرادات في الموانئ والحدود والجمارك، وعلى الموارد النفطية والرشاوى من العقود، وعلى تهريب الأسلحة والنفط والمخدرات.
وأوضح الكاتب بأن سكان البصرة يشعرون بعدم الرضا حيال أوضاع المدينة والمحافظة، خاصة وهم يدركون حجم الثروات الهائلة التي يتم إنتاجها محليًا والتي لا ينالون منها إلا القليل، على الرغم من بعض التحسن الذي يُنسب إلى الحكومة المحلية. ويضيف الكاتب بأن تذمر الناس من نقص المياه والكهرباء والوظائف، ومن تدني الخدمات الصحية والتعليمية، غالباً ما ينعكس في احتجاجات شعبية، كان آخرها ما جرى بسبب أزمة نقص المياه النظيفة الصالحة للشرب.
أزمة المياه والتدهور البيئي
ووصف المقال هذه الأزمة بالفضيحة الأكبر التي تتقاطع فيها مظاهر الفشل السياسي مع الأزمة البيئية، لتكشف عن أحد أسوأ إخفاقات الحوكمة في العراق ما بعد 2003، والتي يدفع الفقراء والمهمشون كالعادة، ثمنها الأكبر. ففي الوقت الذي تقلصت كمية المياه العذبة بسبب تقليل تركيا وإيران للإطلاقات في نهري دجلة والفرات، زادت ملوحة المياه القادمة من الخليج عبر شط العرب، وانهارت البنية التحتية القديمة وتعطلت مشاريع تحلية المياه الضخمة، بسبب الصراعات السياسية والفساد المرتبط بتقاسم الغنائم وعجز الميزانية حين تكون أسعار النفط منخفضة.
وفيما شكك الكاتب بنجاح مشروع تحلية مياه البحر الذي رسي لشركة "باور تشاينا"، بسبب عدم توفر الإرادة السياسية الموحدة لتجاوز العقبات، توقع استمرار التقدم في مشروع جمع الغاز المحترق في حقول النفط القريبة من البصرة، والذي لا يشكل حرقه هدرًا اقتصاديًا فقط بل ويسبب أيضًا ضرراً كبيراً بصحة السكان والبيئة.
الحكومات وتطلعات الشعب
واعتبر الكاتب السياسة في العراق مستقرة بشكل لا يلبي تطلعات الشعب، رغم أنها على الأقل تسمح بقدر من الأمن والحوكمة، يمكن من خلاله تنفيذ مشاريع إعمار واسعة، خاصة إذا ما تنامت قدرات الدولة العراقية وتواصل ضغط الرأي العام عبر الانتخابات والاحتجاجات في السنوات المقبلة. وتوقع أن يكون الزمن عامل شفاء للعراق، رغم أنه ما يزال بعيدًا عن طموحات شعبه وأصدقائه فيما يتعلق بالسيادة والاستقرار والازدهار وتجاوز الطائفية ومنع التدخل الخارجي. واستند في تفاؤله هذا على تحسن الثقة بين الأحزاب السياسية الرئيسية والقيادات، ومحاولة تشكيل تحالف متنوع عرقيًا وطائفيًا.
كما وجد الكاتب بعدم مشاركة العراق عسكريًا في الصراع الإقليمي الأخير بين الكيان الإسرائيلي وإيران، دليلاً على عدم رغبة إيران وحلفائها العراقيين في التعرض للخطر وسعي النخبة السياسية العراقية إلى تحقيق مصالحها الخاصة، بما في ذلك التوسع في إمبراطورياتها الاقتصادية.
آمال واعدة
وفيما شدد الكاتب على أن طريق الاستقرار الدائم لا يمكن تسريعه، خاصة وأن الدعم الأجنبي لذلك لن يتجاوز ما يسمح به العراقيون أنفسهم، رأى وجود اتجاهات إيجابية في الأمن والازدهار، تتمثل في تطور القطاعات غير النفطية والقيام بالعديد من المشاريع الإعمارية في الداخل، وعدم وضع العراقيين كل بيضهم في سلة واحدة على الصعيد الدولي، حيث يسعون إلى إدارة علاقات سياسية واقتصادية قوية مع جميع جيرانهم والقوى الكبرى والاقتصادات المتقدمة في العالم، وخاصة مع الصين والشركات الغربية ذات السمعة الحسنة.