اخر الاخبار

رغم المبادرات الحكومية المتكررة لدعم الإسكان وتوفير القروض، لا يزال حلم امتلاك منزل بعيد المنال بالنسبة لشريحة واسعة من أصحاب الدخل المحدود والشباب في العراق؛ فارتفاع نسب الفوائد، وعُقد شروط الضمانات، وغياب البدائل التمويلية العادلة، هي عوامل تحول دون تحقيق هذا الحلم، وتُفاقم من أزمة السكن المتصاعدة في البلاد.

حلم السكن

يقول الشاب علاء السالم، إن "الحصول على بيت أصبح حلماً بعيد بالنسبة للشباب رغم أني موظف واتقاضى راتبا بحدود 800 ألف دينار شهريا".

ويضيف أنه، وعلى الرغم من حديث الدولة المتكرر عن دعم الشباب وتوفير قروض الإسكان، إلا أن الواقع مختلف تماما، بل ومحبط في كثير من الأحيان.

وبيّن في حديث مع مراسل "طريق الشعب"، أنه توجه إلى احد المصارف الحكومية بعد أن سمع عن قرض الإسكان انه يصل إلى 200 مليون دينار، بفائدة قدرها 4 في المائة سنويا. ولكن، بعد أن تم احتساب القسط الشهري، اكتشف أن عليه دفع أكثر من مليون و300 ألف دينار شهريا، وهو مبلغ يفوق قدراته بكثير، خاصة وأن راتبه بالكاد يكفي لمصاريف العيش اليومية.

ثم لجأ إلى صندوق الإسكان العراقي، الذي قيل إنه يمنح قروضا بدون فوائد.

ويؤكد علاء أن ما قيل صحيح من حيث الفائدة، لكنها تستبدل بعمولة إدارية تستقطع مباشرة من مبلغ القرض بنسبة 5 في المائة، ما يقلل من قيمة ما يستلم. ومع ذلك، لم تكن المشكلة الكبرى في العمولة، بل في شرط وجود كفيل حكومي راتبه يعادل ضعف القسط الشهري، وهو ما لم استطع توفيره، خاصة وأن الكثير من أصدقائه ومعارفه في أوضاع مالية مماثلة.

وأشار الى انه توجه الى عدد من المصارف الاخرى التي طلبت منه دفع مقدمة لا تقل عن 20 في المائة من قيمة العقار، أي عشرات الملايين من الدنانير. وهنا، يتساءل علاء: "إذا كان لدي هذا المبلغ، فلماذا ألجأ إلى القرض أصلاً؟".

ويُعبر عن خيبته بالقول إن القروض تبدو وكأنها مصممة لمن لا يحتاجها، بينما تُغلق أبوابها في وجه من هو بأمس الحاجة إليها. ويضيف ان "الشباب أمثالي، من ذوي الدخل المحدود، يحتاجون فعلاً إلى قروض عادلة بشروط إنسانية، لا إلى أنظمة تضعهم في دائرة العجز والديون."

وبالتالي، يرى علاء أن الحديث عن دعم الإسكان ما هو إلا حبر على ورق ما لم تراجع الشروط والضمانات بشكل يتناسب مع واقع الشباب والفئات الضعيفة.

 ويخلص الى القول: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط نطلب فرصة للعيش بكرامة، تحت سقف نملكه نحن لا غيرنا".

فوائد مرتفعة

وقال الباحث الاقتصادي أحمد عيد إن القروض ذات الفوائد المرتفعة تشكل تحديا كبيرا أمام فئة الشباب وأصحاب الدخل المحدود في العراق، لا سيما في ظل الركود الاقتصادي، وتراجع فرص التشغيل، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية الفاعلة.

وأضاف عيد لـ "طريق الشعب"، أن "الاعتماد المفرط على الاقتراض التقليدي القائم على الفائدة يُسفر عن آثار سلبية تراكمية على المدى المتوسط والبعيد، من أبرزها ارتفاع العجز المالي الشخصي، وتآكل القوة الشرائية، وتزايد حالات التعثر المالي، مما يُدخل الأفراد في حلقة مفرغة من المديونية المزمنة".

ولفت عيد إلى أن "عبء خدمة الدين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، يؤدي إلى تقييد حركة رأس المال البشري ويؤثر في قدرة الأفراد على الاستثمار بالتعليم، وتطوير المهارات، والمشاريع الصغيرة، الأمر الذي يُعيق التمكين الاقتصادي ويُكرس التفاوت الطبقي".

وأشار إلى أن غياب أدوات تمويل بديلة وعادلة يزيد من خطورة هذه الظاهرة، إذ لا تراعي الأدوات الحالية خصوصية الفئات الهشة، ولا تضمن عدالة الوصول إلى الموارد المالية.

وفي سياق أزمة السكن، أوضح عيد أن السياسات التمويلية العقارية القائمة على القروض المرتفعة الفائدة " تعد من العوامل المغذية لأزمة الإسكان في البلاد، حيث تُشكل الأقساط المرتفعة المرتبطة بسعر الفائدة عقبة كبيرة أمام الشباب الراغبين في امتلاك وحدة سكنية، خصوصاً العاملين في القطاع غير الرسمي أو أصحاب الأجور المنخفضة".

وبيّن أن شروط الضمانات المعقدة وغياب برامج الدعم المباشر حولت هذه القروض إلى أداة لإعادة إنتاج التفاوت الطبقي، بدلا من أن تكون وسيلة للعدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي.

ودعا عيد إلى ضرورة تبني التمويل التشاركي كبديل تنموي ملائم، نظرا لاعتماده على مبدأ تقاسم الربح والمخاطر، لا تحميل المقترض أعباءً ثابتة بغض النظر عن نتائج النشاط الاقتصادي، مشددا على أن هذا النمط يقوم على التعاون، والشفافية، والشراكة الحقيقية، وهو أكثر انسجاما مع احتياجات الفئات التي تُقصى من النظام المصرفي التقليدي بفعل شروطه الصارمة.

واختتم عيد بالدعوة إلى مراجعة شاملة للسياسات التمويلية المعتمدة، مطالبا الجهات الحكومية، والبنك المركزي، والقطاع المالي بإرساء بيئة تشريعية محفزة، وتقديم حوافز للابتكار المالي، ودعم المؤسسات الوسيطة، بما يُعزز من قدرات الشباب على الإسهام في الاقتصاد الوطني، دون الوقوع في فخ المديونية الاستهلاكية أو السكنية.

قروض دون فوائد

من جانبه، قال د. مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، أن "قروض السكن التي يقدمها صندوق الإسكان العراقي التابع لوزارة الإعمار والإسكان تُمنح بدون فوائد، مما يجعلها من الخيارات التمويلية الميسرة أمام المواطنين، مقارنة بالقروض المصرفية الأخرى التي غالبا ما تترافق مع فوائد مرتفعة".

وأوضح صالح، أن القروض تخضع فقط لعمولة إدارية بسيطة تُستوفى مرة واحدة عند منح القرض، في حين تمتد فترة السداد إلى نحو ٢٠ عامًا، شريطة أن يمتلك أو يحوز المقترض أرضًا لا تقل مساحتها عن 100 متر مربع، وأن يكون قد شيد بناءً بمساحة لا تقل عن 60 مترا مربعا.

وأشار صالح، إلى أن "القروض تُمنح للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و63 عاما، على أن يُقدم كفيلا ضامنا يغطي نصف راتب المقترض الاسمي لضمان سداد الأقساط الشهرية، أو أن يُعتمد راتب المقترض ذاته كضمان في حال كان موظفا".

ولفت صالح إلى أن المصرف العقاري قد يتجه نحو اعتماد نموذج مشابه، خاصة في ظل مبادرة البنك المركزي العراقي التمويلية، التي تهدف إلى دعم قطاع الإسكان وتوفير بيئة سكنية ميسورة لشرائح أوسع من المواطنين.

اقبال كبير

بدوره، ذكر المهندس نبيل الصفار، المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، أن "القروض التي يمنحها صندوق الإسكان العراقي تقدم بدون فوائد، وهو ما جعلها محل إقبال كبير من المواطنين".

وأوضح أن "باب التقديم على هذه القروض مغلق حاليا، بعد أن تم فتحه في شهر شباط الماضي،" مشيرا إلى أن عدد المعاملات المقبولة إلكترونيًا عبر منصة "أور" حتى تاريخ 30 نيسان تجاوز 9 الاف معاملة، ويتم استكمال إجراءاتها تباعا".

وبين الصفار، أن "الصندوق يمنح هذه القروض حصريا لغرض بناء الوحدات السكنية، في إطار رؤية الوزارة لزيادة الرصيد السكني في العراق، على عكس بعض القروض التي تقدمها المصارف الأخرى والتي غالبا ما تخصص لشراء وحدات سكنية قائمة".

وفيما يتعلق بباقي القروض العقارية، أوضح أن نسب الفوائد تُحدد من قبل كل مصرف بناءً على سياساته الخاصة وتعليمات البنك المركزي العراقي، وهو ما يخرج عن نطاق عمل الوزارة.

وأشار الصفار إلى أن "تفعيل منظومة القروض السكنية يعد أمرا ضروريا في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الاستعداد لإطلاق مدن سكنية جديدة".

واكد وجود تفاهمات مستقبلية مع المصارف والبنوك بهدف إيجاد آليات تمويل مناسبة تتيح للمواطنين شراء الوحدات السكنية ضمن هذه المشاريع.

كل هذه الإجراءات والوعود وغيرها تبقى رهناً بالتنفيذ الفعلي، في وقتٍ أصبح فيه من الضروري اختزال الحلقات البيروقراطية، وإلغاء دور الوسطاء والمعقّبين، وتقديم المزيد من الحوافز التشجيعية لتسهيل الحصول على قروض السكن.

عرض مقالات: