اخر الاخبار

يشهد العراق توسعا ملحوظا في سوق التجارة الإلكترونية خاصة بعد جائحة كورونا التي عطلت الكثير من الأعمال، والتي أدت الى لجوء الكثير للفضاء الالكتروني بحثا عن فرصة عمل، ويبرز هنا سؤال جوهري: هل يوازي التنظيم القانوني هذا النمو؟

تقدر قيمة هذا القطاع بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا، وتشير البيانات إلى تسجيل ما بين 500 إلى 600 ألف طلب يوميا (بحسب أرقام تعود لعام 2020)، وبالرغم من ذلك يواجه العراق صعوبات في وضع إطار قانوني وتنظيمي مناسب لهذا النشاط المتصاعد. كما يواجه النظام الجديد الهادف لتنظيم التجارة الإلكترونية مجموعة من العقبات، تبدأ بغياب البنية التحتية الرقمية المتكاملة، وتنتهي عند تداخل الصلاحيات بين الوزارات والهيئات

توفير بيئة مالية مستقرة

ويقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أن قرار تنظيم التجارة الإلكترونية رقم 4 لسنة 2025 يشكل خطوة مهمة نحو ضبط التعاملات الرقمية في العراق، وحماية حقوق الأطراف الفاعلة في هذا المجال المتنامي.

ويضيف صالح لـ"طريق الشعب"، أن الهدف الأساس من هذا النظام هو "تنظيم بيئة التجارة الإلكترونية وضمان حقوق كل من البائعين والمستهلكين"، موضحا أن تسجيل التجار ضمن هذا الإطار القانوني يمنحهم حماية رسمية، ويعزز من ثقة الزبائن في التعامل مع المنصات الإلكترونية المحلية.

وأشار إلى أن النظام يربط التعاملات الإلكترونية بتطبيقات نظام سعر الصرف الرسمي، ما يمنح المتعاملين ميزة إضافية تتمثل في اعتماد سعر الصرف المعتمد من قبل السياسة النقدية للدولة.

 ويرى صالح أن هذه الخطوة "ستسهم في تقليل المخاطر الناتجة عن التفاوت في أسعار الصرف غير الرسمية، وتوفر بيئة مالية أكثر استقرارًا للتجارة الرقمية".

تداخل الصلاحيات يربك العمل

 الباحث في الشأن الاقتصادي، علي نجم، قال لـ "طريق الشعب"، أن "هذا التداخل يفرغ النظام من محتواه العملي"، موضحا أن "كل جهة حكومية تدعي مسؤولية جزئية عن هذا القطاع، سواء فيما يخص شركات التوصيل أو التطبيقات أو حتى المنصات الرقمية، ما يؤدي إلى غياب التنسيق الفعلي".

وما يزيد من التعقيد، بحسب نجم، هو عجز الدولة عن ضبط النشاط التجاري على المنصات الاجتماعية كفيسبوك وإنستغرام وتيك توك، التي أصبحت ساحة رئيسة للبيع والشراء دون إشراف رسمي.

ويؤكد أن "فرض النظام الجديد على هذه الفضاءات الرقمية أمر شبه مستحيل في ظل غياب أدوات الرقابة والربط القانوني معها".

واعتبر أن القرارات الأخيرة، وفي مقدمتها اشتراط الحصول على رخصة من وزارة التجارة، تعد عقبة إضافية أمام آلاف الشباب الذين لجأوا إلى المنصات الرقمية هربا من واقع البطالة وغياب الفرص.

ويقول نجم، ان "الشباب لم يتوجهوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي من باب الترف، بل لأنهم وجدوا فيها متنفسًا ومصدر دخل في ظل انسداد الأفق الاقتصادي وغياب أي استراتيجية حكومية واضحة لدعمهم".

ويضيف نجم أن مثل هذه الشروط، بدلًا من أن تنظّم، قد تعطل، بل وربما تدفع بالكثير إلى إغلاق مشاريعهم الناشئة، خاصة في ظل غياب تسهيلات أو برامج دعم حقيقية تساعدهم على الامتثال للقانون دون أن يُجهض طموحهم.

ويرى أن على الدولة أن تبدأ  بتوفير بيئة محفزة ومنفتحة على الاقتصاد الرقمي، قبل أن تُثقل كاهل الشباب بإجراءات بيروقراطية لا تأخذ واقعهم بعين الاعتبار.

وفي ظل الانكماش الحاد في فرص التوظيف التقليدية، اتجهت أنظار الشباب العراقي إلى التجارة الإلكترونية باعتبارها مساحة بديلة واعدة للعمل الحر والابتكار.

غياب الثقة بين البائع والمشتري

ويصف الباحث الاقتصادي أحمد عيد هذا التحول بأنه استجابة طبيعية لتغيرات السوق العالمية وتطور سلوك المستهلك، مؤكدا لـ "طريق الشعب"، أن "الإقبال المتزايد على هذا النوع من المشاريع يعكس رغبة حقيقية لدى الشباب في بناء مستقبلهم بأدوات رقمية حديثة". لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع مليء بالتحديات.

ويقول عيد: "للأسف، بيئة التجارة الإلكترونية في العراق ما زالت تفتقر إلى المقومات الأساسية، سواء على صعيد التشريعات القانونية، أو البنية التحتية التقنية، أو حتى خدمات الدفع والشحن".

ويضيف أن أصحاب المشاريع الصغيرة يعانون يومياً من مشاكل تبدأ من ضعف الإنترنت، ولا تنتهي بغياب الثقة بين البائع والمستهلك، في ظل غياب إطار تنظيمي يحفظ حقوق الطرفين ويشجع على الاستثمار في هذا المجال.

أما الإجراءات الحكومية الأخيرة، التي استهدفت النشاط التجاري على منصات التواصل الاجتماعي، فقد جاءت حسب عيد بعكس ما هو مأمول. إذ بدلا من تقديم التسهيلات، فوجئ العاملون في هذا القطاع بخطوات مثل فرض الضرائب على الصفحات والمشاريع الصغيرة، دون أن تسبقها أي سياسة واضحة للدعم أو التمكين.

ويعلق عيد هنا بالقول: ان "السياسات الاقتصادية في العراق، ما زالت تتعامل مع هذا القطاع الحيوي بعشوائية وتهميش، غير مدركة لحجم التحديات التي تواجه الشباب، بل تضيف عبئًا جديدًا فوق كاهلهم".

ضرورة معالجة قانونية دقيقة

رغم ما يحمله النظام الجديد الخاص بتنظيم التجارة الإلكترونية في العراق من امال كبيرة لتنظيم هذا القطاع الحيوي، إلا أنه يفتقر بحسب القانوني مصطفى البياتي، إلى المقومات التنفيذية التي تكفل تطبيقه بفعالية على أرض الواقع. ويشير البياتي لـ "طريق الشعب"، إلى أن "غياب العناصر التفصيلية، مثل اليات الرقابة وطرق تسوية المشاكل الإلكترونية، يفتح الباب أمام إشكالات قانونية قد تفرغ النص من مضمونه".

ويرى أن ترك هذه الجوانب دون معالجة قانونية دقيقة قد يحول النظام إلى مجرد وثيقة تنظيمية بلا تأثير حقيقي في الواقع العملي. لذلك، يؤكد على ضرورة أن يترافق هذا النظام مع إجراءات تشريعية وإدارية فاعلة، تضمن تحويل المبادئ العامة إلى أدوات تنظيمية قابلة للتطبيق، بما يتناسب مع طبيعة السوق الرقمية المتسارعة في العراق.

ومن ضمن الاشتراطات الأساسية التي فرضها النظام على التجار الإلكترونيين، ضرورة تقديم معلومات واضحة للمستهلكين قبل أي عملية شراء، تشمل وصف المنتج، وسياسات الدفع، وشروط الاستبدال والإرجاع، والمدة القصوى لتوصيل الطلب، إلى جانب الالتزام بالرد على الشكاوى خلال فترة زمنية محددة. وبالرغم من أهمية هذه المعايير في ترسيخ ثقة المستهلك وتعزيز الشفافية، إلا أنها تمثل تحديًا حقيقيًا للبائعين الأفراد أو المشاريع الصغيرة.

عرض مقالات: