اخر الاخبار

مع انخفاض حصة الفرد من المياه، تزداد الأزمة بشكل ملحوظ، خاصة في المناطق الجنوبية المتأثرة بانخفاض مستويات الأنهار.

وفي بيان لمناسبة اليوم العالمي للمياه يوم 22 آذار، دعت المديرية العامة للمياه ومنظمة اليونيسف إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الموارد المائية وضمان وصول المياه النظيفة لجميع المواطنين.

المديرية بدأت تنفيذ مشاريع استراتيجية لتحديث الخطط المائية وضمان توزيع المياه بشكل عادل، كما تعمل على رفع الوعي بأهمية استخدامها بشكل آمن.

وبرغم ذلك، يبقى الوضع مقلقا بسبب تراجع المياه القادمة من نهري دجلة والفرات، نتيجة لتأثيرات سياسات دول الجوار. وتضاف هذه المشكلة إلى تحديات كبرى مثل التصحر والجفاف.

وتسعى اليونيسيف، بالتعاون مع الحكومة العراقية، إلى توفير مياه شرب آمنة للأطفال في المجتمعات الأكثر تضررًا. وقالت أن العراق بحاجة إلى استثمارات ضخمة لمواجهة هذه التحديات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه. خاصة مع إشارتها إلى وجود ملايين العراقيين من دون ماء صالح للشرب.

250 مترا مكعبا حصة الفرد سنويًا

يقول الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي، أن "العراق يواجه أزمة مائية كبيرة، حيث أظهرت التقارير أن أكثر من 8 ملايين عراقي يعانون من نقص في المياه، وهي نسبة قابلة للزيادة، حيث كانت في العام الماضي 6 ملايين".

وقال الموسوي لـ "طريق الشعب"، إنّ هذا الخطر سيكون أكثر وضوحًا بحلول عام 2030، مع استمرار تراجع حصة الفرد من المياه بشكل ملحوظ؛ ففي سنوات الوفرة، كانت حصة الفرد تصل إلى حوالي 1500 متر مكعب سنويًا، لكن في الوقت الحالي انخفضت إلى 250 مترا مكعبا سنويا، ما يعكس أزمة كبيرة في الموارد المائية.

وأضاف الموسوي، أن "الإيرادات المائية للعراق كانت في السابق تصل إلى حوالي 100 مليار متر مكعب سنويا، لكن الآن لا تتعدى 20 مليار متر مكعب، في وقتٍ يقترب عدد سكان العراق من 40 مليون نسمة".

ولفت إلى أن حصة الفرد العراقي من المياه كانت أفضل بكثير عندما كان عدد السكان أقل من 15 مليون نسمة. ويعتبر هذا التراجع الكبير في إمدادات المياه مؤشرًا على "فقر مائي" في العراق.

وزاد، أن السياسات الحكومية المتبعة لم تواكب حجم الأزمة، إذ وصفها بأنها "ترقيعيه" و"قصيرة المدى"، تفتقر إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى. وتطرق إلى أن المشكلة ليست فقط على الصعيد المحلي، بل أيضًا على الصعيد الإقليمي، حيث أن دول المنبع (تركيا وإيران) قد غيرت مسارات الأنهار، وبنت سدودًا قللت حصة العراق من المياه، ما زاد من خطورة الوضع وقادت إلى مزيد من الجفاف.

وأشار إلى أن الهجرة من الريف إلى المدن تتزايد نتيجةً لندرة المياه، ما يعكس الأثر السلبي لهذه الأزمة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، مشيرا الى أن العراق يعتمد بشكل كبير على المياه القادمة من دول الجوار، خصوصًا المياه الناتجة عن ذوبان الثلوج في تلك الدول، لكن شح الأمطار في المنطقة يزيد من تعقيد الوضع.

وفي ختام حديثه، حذّر الموسوي من أن أزمة المياه في العراق ستظل تتفاقم ما لم تُتخذ إجراءات جادة لإيجاد حلول طويلة الأمد، مشيرًا إلى أن "كل الحلول المتبعة حاليًا هي حلول وقتية، تعتمد على الاستجابة من السماء"، ما يشير إلى هشاشة السياسات الحالية في مواجهة هذه الأزمة.

موسم جاف

وفي السياق، قال الخبير المائي د. معاذ شغال إن "موسم الأمطار هذا العام تأخر بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كان من المعتاد أن يبدأ المطر في منتصف تشرين الثاني العام الماضي".

واضاف شغال في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الفائدة المطرية في العراق عادةً ما تأتي من موجتين جويتين: الأولى من البحر الأحمر، التي تغطي المناطق الوسطى والجنوبية للعراق، والثانية من البحر المتوسط، التي تؤثر على بلاد الشام (فلسطين والأردن) ثم تصل إلى شمال العراق، خاصة منطقة الموصل.

وأشار إلى أن الوضع هذا العام غريب، حيث أن موجات البحر الأحمر هي التي كانت تهيمن على الطقس في الفترة الماضية، بينما لم تصل موجات البحر المتوسط.

وأوضح أن "التنبؤات الجوية تتغير بشكل مستمر، وأنه لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب"، مشيرا إلى أن الغيوم تتغير وتتحرك، لكن المطر لم يأتِ كما كان متوقعًا.

من الديوانية الى البصرة.. المياه تتلوث

فيما أكد علاء كولي، عضو منظمة الجبايش البيئية، أن "ملف المياه يعد من أكثر الملفات تعقيدًا في العراق، وخاصة في المناطق الجنوبية التي تعتبر الأكثر تضررًا من شح المياه وتلوثها".

وقال كولي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذه المناطق تقع بالقرب من ذنائب الأنهار، ما يجعلها عرضة للكثير من المخاطر، بما في ذلك تلوث المياه التي تصل إليها".

وأضاف، أن المياه التي تأتي إلى هذه المناطق غالبا ما تكون "ملوثة نتيجة مرورها عبر عدة مدن تُلقي نفاياتها في الأنهار، ما يؤدي إلى تغير لون المياه، وهو ما يلاحظ بشكل خاص في المناطق من الديوانية إلى البصرة".

وأشار كولي إلى أن "تلوث المياه ليس هو المشكلة الوحيدة التي تواجه هذه المناطق، بل هناك أيضًا شح مائي واضح، وهو ما يؤثر بشكل كبير على حياة السكان الذين يعتمدون على الزراعة وتربية الحيوانات".

وتابع، ان "أي تراجع في مستوى المياه يؤثر بشكل كبير على هؤلاء الناس، خصوصا في مناطق مثل الأهوار جنوب الناصرية وجنوب شرقها"، حيث أصبح شح المياه سببا رئيسا للهجرة.

وأوضح كولي، أن "الهجرة من هذه المناطق تكون على نوعين: الهجرة الداخلية، حيث يبحث الناس عن مصادر مياه في مناطق قريبة أو بعيدة، والهجرة الخارجية، التي تؤدي إلى الانتقال إلى محافظات الفرات الأوسط التي تتمتع بمياه وفيرة".

وزاد بالقول: أن هذه الهجرات تحمل آثارا اجتماعية واقتصادية كبيرة، حيث يواجه السكان صعوبة في الاندماج بالمجتمعات الجديدة بسبب اختلاف العادات والتقاليد.

وأكد أن "إدارة الموارد المائية في العراق تعاني من العديد من المشاكل"، مشيرا إلى أن العراق "ضحية لهذه الإدارة"، وأن الحلول التي يتم اتخاذها في الوقت الحالي لا تتناسب مع حجم المشكلة، داعيا إلى اعداد خطة مائية حقيقية تشمل إنشاء وحدات معالجة للمياه في المناطق الجنوبية، والاستفادة من مياه الأمطار التي تتساقط في الفترات الأخيرة، بدلاً من تركها تذهب إلى المجاري.

وفي ختام حديثه، شدد كولي على أهمية توفير حلول مستدامة للمشكلة المائية في العراق، لضمان ايجاد حياة أفضل للسكان الذين يعتمدون بشكل أساس على المياه في حياتهم اليومية ومعيشتهم.

عرض مقالات: