أعلنت الكوادر التربوية في العراق عن نيتها تنفيذ إضراب شامل عن الدوام اليوم الأحد، احتجاجا على ما وصفته بـ"الإجحاف المستمر" بحق المعلمين والمدرسين، مطالبةً بزيادة الرواتب والمخصصات، وتحسين أوضاع المعلمين المعيشية أسوة بباقي موظفي الدولة.
وأكد المعلمون أن كرامة المعلم هي خط أحمر، لا يمكن التنازل عنها، وأن التعليم لا يمكن أن يستقيم في ظل استمرار الظلم والتهميش.
مطالب المعلمين
ونشر معلمو العراق بياناً تضمن أبرز مطالبهم: تخصيص قطعة ارض لكل معلم ومنتسب في وزارة التربية، مع شرط توزيعها خلال شهرين. مخصصات مهنية مقطوعة 300 ألف، ونقل 100 ألف عوضاً من 50 ألف دينار، رفع مخصصات الزوجية والأطفال، بالإضافة الى تثبيت عقود الامن الغذائي ودفع مستحقات المشرفين، وإيقاف جميع الاستقطاعات وإرجاعها للمعلمين.
ووفقاً لبيان المعلمين، فان الأبواب ستُفتح لاستقبال التلاميذ وخروج الكوادر التربوية للوقوف أمام أبواب المدارس وحمل اعلام ولافتات تشير إلى المطالب.
ودعت مديرة مدرسة وناشطة في مجال التربية والتعليم، هناء جبار، إلى دعم الإضراب الذي ينفذه المعلمون للمطالبة بحقوقهم، مؤكدة أن الكوادر التربوية باتت تعاني من التهميش وسلب أبسط حقوقها، وفي مقدمتها الكرامة والمكانة الاجتماعية.
وقالت جبار، وهي من الناشطين البارزين في حشد ودعم الإضراب من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية، إن "الكثير من التربويين بدأوا يروجون الإضراب بسبب تراكم المشكلات وتجاهل الحكومة لمطالبهم المشروعة، وقد أعلنا، من خلال منظمتنا المدنية المستقلة، تضامننا الكامل مع هذه التحركات".
وأضافت لـ "طريق الشعب"، ان هذه الشريحة تعاني ظلما كبيرا وسلبا للحقوق الأساسية، لا سيما احترام كرامة المعلم ومكانته المجتمعية، وهو ما يجب أن يكون مضموناً بقوة قانون حماية المعلم، إلى جانب المطالبة الدائمة بإجراء إصلاحات تربوية واجتماعية شاملة. وشددت جبار على أن من أبرز المطالب الحالية للمعلمين هي "توزيع قطع أراضٍ سكنية وتوفير سكن لائق، خصوصاً وأن غالبية المعلمين ما زالوا يعيشون في منازل بالإيجار أو في مناطق سكن عشوائي، وهذا أمر لا يليق بمكانتهم". كما طالبت بـ"زيادة الرواتب بما يتناسب مع مكانة المهنة، وتثبيت العقود، وإقرار سلّم رواتب عادل ينهي حالة الغبن التي يعاني منها المعلمون مقارنة بباقي موظفي الدولة".
المعلم يصنع الاجيال
وأردفت، ان "المعلم هو الأكثر عطاءً وتأثيراً، وهو من يصنع الأجيال ويبني الإنسان والمجتمع. لولا المعلم، لما وجدنا الطبيب ولا القاضي ولا المهندس. لكنه يعيش في ظروف قاسية، وراتبه لا يواكب متطلبات الحياة المتزايدة من إيجارات وأقساط والتزامات معيشية، ما يدفع الكثير منهم للعمل خارج أوقات الدوام، أو اللجوء إلى إعطاء دروس خصوصية أو العمل في المدارس الأهلية".
وأكدت، أن "المعلم يجب أن يكون قادراً على أداء واجبه داخل المدرسة فقط، دون أن يُرهق بالبحث عن مصادر دخل إضافية. راتبه يجب أن يضمن له حياة كريمة، ويحفظ صحته وكرامته، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المعلمين يعانون من مشاكل صحية بسبب التعب والعوز المادي".
واختتمت جبار حديثها بالقول: "أنا من الداعمين الأوائل لحقوق المعلمين، وسأبقى مع الحق دائماً، سواء تعلق الأمر بالتربويين أو بأي إنسان مظلوم أو صاحب حق، لأن كرامة المعلم من كرامة المجتمع".
النقابة تعلن دعمها الكامل للحقوق
وتقول سهاد الخطيب، عضو نقابة المعلمين، أن "النقابة أعلنت عن دعمها الكامل للمطالب المشروعة للكوادر التعليمية والتدريسية"، مشيرة إلى أن تلك المطالب تهدف إلى النهوض بالقطاع التربوي وتحسين سير العملية التربوية. وأضافت أن المعلمين يستحقون الدعم والمساندة في حراكهم السلمي، داعية الجهات التشريعية والتنفيذية إلى الاستجابة لتلك المطالب وفق جدول زمني محدد.
وأشارت الخطيب لـ "طريق الشعب"، إلى أن "نقابة المعلمين قد أثبتت مواقفها الوطنية المستمرة في متابعة هذه الحقوق بكل الوسائل المشروعة، وأنها تبذل جهوداً كبيرة في التواصل مع الحكومة التنفيذية وأصحاب القرار لتحقيق مطالب المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية".
وفي إطار متابعة هذه المطالب، أكدت الخطيب أنه سيتم عقد مجلس مركزي يوم 6 نيسان، ولقاء مع نقيب المعلمين ووزير التربية وأمين مجلس الوزراء لمناقشة هذه المطالب. وأوضحت أن الموقف الرسمي للنقابة سيحدد بناءً على نتائج هذه اللقاءات، متوقعة أن تساهم جهود النقابة والضغط الجماهيري في تحقيق مطالب المعلمين والحفاظ على مكانتهم الكبيرة في بناء المجتمع وتنشئة الأجيال.
تربوية: الإضراب مستمر
من جانبها، تقول التربوية كحلاء البياتي أن الإضراب الذي يبدأه المعلمون اليوم الاحد سيستمر في حال عدم استجابة مجلس الوزراء لمطالبهم المشروعة، مشيرة إلى أن "الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها المعلم لم تعد تُحتمل"
وتضيف البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "حقوقنا بسيطة جداً مقارنة بالوضع الحالي: أجور الراتب لا تكفي لمصاريف الإيجار والبيت، والطبيب، والتزامات الابناء في المدارس والكليات"، مشيرة الى ان "أغلب أولياء الأمور متضامنون معنا، والكثير منهم لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس غدا (اليوم)، تعبيراً عن دعمهم لقضيتنا".
وتدعو البياتي إلى دعم هذه المطالب إعلامياً، قائلة: "نأمل أن تتحسن الأمور للأفضل، ونطلب من الجميع المساعدة في نشر وتسليط الضوء على هذا الموضوع، لأنه يخص شريحة واسعة وأساسية في المجتمع".
صرخة مدوية
فيما يعبّر التربوي حيدر كاظم عن استيائه الشديد من الأوضاع التي يعيشها المعلمون في العراق، واصفًا إياها بـ "المعيبة والمخجلة"، في ظل غياب أبسط مقومات العيش الكريم، برغم الدور المحوري للمعلم في بناء الأجيال وصياغة مستقبل الوطن. يقول كاظم لـ "طريق الشعب"، انه "من المؤسف حقا أن يكون راتب المعلم العراقي عاجزا عن تغطية مراجعة طبيب أو دفع إيجار منزل. هذا في بلد يمتلك من الثروات ما يكفي لتأمين حياة كريمة لكل مواطن، فكيف إذا كان هذا المواطن هو من يصنع الإنسان ويبني المجتمع؟". ويشير إلى أن "آلاف المعلمين والمديرين والمشرفين أفنوا أعمارهم في خدمة التعليم، وأحيلوا إلى التقاعد دون أن يحصلوا على حتى متر واحد من الأرض في بلدهم. لا ألوم أحدا بقدر ما ألومهم حين تستنجد بهم الحكومة في أيام التعداد أو الانتخابات، وتتنكر لهم حين يطالبون بحقوقهم". ويجد كاظم انه "آن الأوان أن تفي الحكومة بديْنها تجاه هذه الشريحة، وتبادر إلى إنصاف المعلم من خلال تلبية متطلباته الأساسية". وأعلن كاظم دعمه الكامل للإضراب الذي دعت إليه الكوادر التربوية، والمقرر انطلاقه اليوم، مؤكدا أنه سيكون "صرخة مدوية في أرجاء العراق". وقال: "نحن لا نُعطل التعليم، بل نُعيد تصحيح مساره… كيف نبني أجيالًا ونزرع القيم والعلم، بينما يُعامل المعلم وكأنه مجرد رقم في كشوف الرواتب؟".
واختتم الحديث بأن "المعلم اذا كان بلا كرامة، فان جيلًا سيكون بلا مستقبل. تجاهل حقوق المعلمين هو تحطيم حقيقي لمستقبل الوطن".
رفض التسويف والتجاهل
التربوي رأفت الهيتي يقول أن الوقت الحالي هو الأنسب للتحرك والمطالبة بالحقوق، مشيرا إلى أن "المعلمين تعبوا من الوعود المتكررة التي لا تُنفد. المطالب أصبحت ضرورة لا يمكن تجاهلها، لا سيما ما يتعلق بمكانة وهيبة المعلم في المجتمع".
ويضيف الهيتي لـ "طريق الشعب"، أنه "في كل مرة يتم فيها تنظيم احتجاج أو تظاهرة، تُعطى وعود سرعان ما تُنقض.
آن الأوان لإقرار قانون حماية المعلم، لأن كثيرًا من الطلبة وذويهم لا يحترمون المعلم، ولا توجد أي ضمانات تحميه".
ويبين أن "المعلمين محرومون من التأمين الصحي، ولا يحصلون على مخصصات كالتي تُمنح لباقي موظفي الوزارات، ونطالب بمنحهم قطع أراضٍ سكنية، وبإصدار هويات تعريفية خاصة بالكوادر التربوية تعزز مكانتهم، فضلًا عن تجهيز المدارس بالماء والكهرباء ومستلزمات التعليم، لتوفير بيئة دراسية مناسبة على غرار ما نراه في الدول الأخرى".
ويتحدث الهيتي عن واقع مأساوي يعيشه المعلم داخل المدرسة، قائلاً: "حتى راتب موظف الخدمة ندفعه من جيوبنا، لأن المدرسة لا تتوفر فيها كوادر خدمية.
اضطررنا لتعيين عاملة ونتكفل جميعا بدفع راتب شهري لها. كذلك نتحمّل تكاليف الكاز لتشغيل المولدة، وشراء الوسائل التعليمية". ويتابع انه "عندما يأتي المشرف، يطلب منا تفعيل أجهزة العرض الحديثة واستخدام الإنترنت، ولكن من الذي يدفع؟ المعلم! يُطلب منا الشراء والدفع من رواتبنا، وكأن المدرسة عبء خاص على المعلم، لا على الدولة".