اخر الاخبار

تسعى البنوك المركزية في العالم، بما فيها البنك المركزي العراقي، إلى التحول التدريجي نحو المدفوعات الرقمية كبديل للنقود الورقية، مع الحفاظ على الوظائف الأساسية للنقود مثل الدفع والتخزين ووحدة الحساب. والهدف من هذه الخطوة هو تعزيز الشمول المالي، من خلال توفير خدمات مصرفية للفئات الأقل دخلاً، وتيسير الحصول على قروض رقمية فورية بكلفة أقل. كما أن النقود الرقمية تهدف إلى تحسين سيولة النظام المصرفي، ما يقلل من مخاطر السيولة ويسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي.

للحد من ظاهرة الاكتناز

وإلى جانب ذلك، يسعى البنك المركزي العراقي إلى إصدار "الدينار الرقمي"، الذي سيكون مدعومًا وله قيمة مستقرة. هذا المشروع يهدف إلى تقليل الاعتماد على النقد الورقي، وتحقيق الشمول المالي، بالإضافة إلى الحد من ظاهرة الاكتناز النقدي التي تؤثر سلبًا على الاقتصاد. لكن قد تواجه هذه المبادرة تحديات عدة، أبرزها ضعف الثقة في النظام المصرفي العراقي، بالإضافة إلى تأثيرات سياسية قد تعرقل نجاحها.

وذكر محافظ البنك المركزي علي العلاق، في وقت سابق خلال كلمة القاها في مؤتمر ومعرض المالية والخدمات المصرفية، إن "النظام المالي والمصرفي، سيشهد تحولات جوهرية منها انحسار العملات الورقية لتحل محلها المدفوعات الرقمية للبنوك المركزية"، مبيناً أن "البنك المركزي يتحرك لإنشاء عملة رقمية خاصة به، لتحل تدريجياً محل العملية الورقية كما يجري في بعض البنوك المركزية في العالم".

تحقيق الشمول المالي

يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إن البنوك المركزية في العالم، ومنها البنك المركزي العراقي، ما زالت في مرحلة الإعداد التدريجي للدخول في عالم المدفوعات الرقمية كبديل للنقود الورقية، في إطار التحول إلى النمط الرقمي مع الحفاظ على الوظائف الأساسية للنقود في الدفع والاستلام، واعتبارها مخزناً للقيمة ووحدة حساب للحقوق دون أي تغيير في تلك الوظائف، باستثناء خفض تكاليف المعاملات النقدية وتعزيز السيطرة على أشكال التلاعب وغسل الأموال والجرائم المالية.

ويضيف صالح في تصريح لـ "طريق الشعب"، أن "السلطة النقدية ستواصل الدفاع عن استقرار العملة الرقمية من خلال أدوات السياسة النقدية نفسها المتبعة حالياً، ولكن بأساليب أكثر شفافية وحوكمة عالية مع التزام صارم بمعايير الامتثال المالي".

ويشير إلى أن أحد الأهداف الأساسية للنقود الرقمية هو تحقيق الشمول المالي عبر إيصال الخدمات المصرفية إلى الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً وهشاشة من خلال فتح حسابات مصرفية رقمية، بحيث تكون الوحدات الرقمية متاحة ابتداءً من أصغر فئة نقدية حتى أكبرها، وتستخدم في تسوية المعاملات بشكل فوري دون أي هدر في الوقت أو الحقوق المالية.

ضرورة لبنية قانونية وتكنولوجية

ويؤكد أن "اعتماد النظام الرقمي سيؤدي إلى توفر السيولة بشكل شبه مطلق داخل الجهاز المصرفي، مما يقلل من مخاطر السيولة ويتيح للطبقات محدودة الدخل الحصول على قروض ائتمانية رقمية فورية وبكلفة أقل، لأن الأموال ستبقى ضمن النظام المصرفي دون الحاجة لتحوطات عالية".

ويواصل الحديث عن امتيازات العملة الرقمية، انها "تساهم في رفع مضاعف الائتمان النقدي الرقمي إلى مستويات مثالية في إتاحة القروض لدعم النشاط الاقتصادي، بشرط ألا يتعدى ذلك الحدود التي تضر بالاستقرار الاقتصادي أو تولد تضخماً رقمياً، وهو ما يمكن التحكم به من خلال أدوات السياسة النقدية التي يمتلكها البنك المركزي".

ويردف كلامه بأن "المشروع يتطلب بنية تحتية تكنولوجية متقدمة تعتمد على شبكات الإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل، إلى جانب بنية قانونية تحمي حقوق جميع المتعاملين وتوفر الأمن السيبراني من أي اختراقات، في إطار منظومة رقمية متكاملة تواكب التطورات السريعة في عالم الخدمات المالية الرقمية".

وأعلن البنك المركزي العراقي عن نيته إصدار "الدينار الرقمي" كعملة رقمية وطنية، في محاولة جديدة لمعالجة مشاكله الاقتصادية، لكن التساؤلات تدور حول فرص نجاح هذه الخطوة في ظل الظروف الحالية.

تنشيط الإقراض والائتمان

الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، يشير الى "فرق كبير" بين العملات الرقمية والعملات المشفرة: "الأولى تصدر وتُنظم من قبل البنوك المركزية مثل الدولار الرقمي والدرهم الرقمي، بينما العملات المشفرة مثل "البتكوين" لا تخضع لأي جهة رسمية وتعتمد قيمتها على العرض والطلب، ما يجعلها شديدة التقلب".

ويقول الهاشمي لـ"طريق الشعب"، أن "البنك المركزي العراقي في حال أصدر الدينار الرقمي سيكون هو الجهة الوحيدة التي تتحكم في إصدار وتوزيع العملة الرقمية، ما يسهل عمليات الرقابة ومنع الجرائم المالية، على عكس العملات المشفرة التي تعمل بنظام لا مركزي يصعب التحكم فيه".

ويضيف أن الدينار الرقمي سيكون مدعوماً بالكامل من البنك المركزي وله قيمة مستقرة نسبياً، مثل العملة الورقية، لكنه سيتداول إلكترونياً فقط عبر الحسابات والمحافظ المصرفية، ما يساهم في تقليل استخدام النقد الورقي، وتحقيق الشمول المالي، فضلاً عن طريق تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات اليومية.

وينبه الهاشمي إلى أن "الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو التخلص من ظاهرة الاكتناز النقدي، حيث يحتفظ المواطنون بمبالغ كبيرة خارج المصارف بسبب ضعف الثقة بالجهاز المصرفي، الأمر الذي يعيق حركة الأموال ويؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي. وإذا تم تنفيذ المشروع بشكل جيد، يمكن للدينار الرقمي أن يساهم في سحب السيولة المكتنزة وتنشيط حركة الإقراض والائتمان".

تحديات كبيرة

ويردف الخبير الاقتصادي حديثه بأن البنك المركزي "يواجه تحديات كبيرة في إنجاح هذه الخطوة بسبب ضعف سياساته النقدية، وسوء أداء القطاع المصرفي، إضافة إلى ضعف ثقة الجمهور بالمصارف، التي تُعد من أكبر العقبات أمام أي مشروع مالي جديد.  كما يجد المتحدث أن التأثيرات السياسية على قرارات البنك المركزي ستظل أحد أبرز العوامل التي تعرقل نجاح الدينار الرقمي، مما يجعل هذه المبادرة معرضة للفشل مثل العملة الورقية التي تعاني من فقدان الثقة والتداول المحدود.

ويختتم الهاشمي حديثه قائلاً: إن "الدينار الرقمي قد يكون فكرة واعدة من الناحية النظرية، لكنه في الواقع سيواجه نفس المشاكل التي يعاني منها الدينار الورقي، ما لم تُجرَ إصلاحات جذرية تعيد بناء الثقة بالجهاز المصرفي وتحرره من التدخلات السياسية".

عرض مقالات: