اخر الاخبار

في ظل الاعتماد الكبير على إيرادات النفط مصدرا رئيسيا للدخل القومي، تتجه الحكومة العراقية نحو إعادة بناء القطاع الصناعي كجزء أساسي من رؤيتها لتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.

ومع إعلان عام 2025 عاما للصناعة، اتخذت الحكومة سلسلة من القرارات لدعم هذا القطاع الحيوي، بما في ذلك تقديم ضمانات سيادية للقطاع الخاص، وتخفيض الرسوم الجمركية، وتوفير قروض ميسرة.

وطالب مراقبون بوضع استراتيجيات واضحة لدعم القطاع الصناعي، مع قوانين تحمي المنتجات الوطنية من المنافسة غير العادلة للمنتجات المستوردة.

السوق الاجتماعي

يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، إنّ "خطة التنمية الوطنية للأعوام 2024 - 2028 تسعى إلى تعزيز مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 2.2 في المائة، بعد أن كانت أقل من 1.8 في المائة في السنوات السابقة".

ويضيف صالح لـ "طريق الشعب"، أنّ "هذه الخطة تعتمد على تنويع القطاع الصناعي، سواء الأهلي أم الحكومي، مع التركيز على الانتقال من إنتاج النفط الخام إلى تصنيع المشتقات النفطية وتطوير صناعة البتروكيماويات"، موضحاً أن "العراق، الذي يُعد تاسع أغنى بلد عالميا بالثروات الطبيعية بقيمة تتجاوز 16 ترليون دولار، يملك فرصة كبيرة لزيادة القيمة المضافة لهذه الموارد من خلال الاستثمار في تصنيعها، سواء لأغراض تعزيز الصناعات الوطنية أو التصدير".

وتتضمن الخطة جهودًا لإعادة بناء الصناعة التحويلية عبر شراكات مع القطاع الخاص، حيث ستساهم الدولة بتمويل المشاريع الصناعية بنسبة 85 في المائة، فيما يتحمل القطاع الخاص نسبة 15 في المائة. وستتركز هذه الاستثمارات على خمسة مستويات، في مقدمتها الصناعات المتعلقة بالإعمار والإسكان ومشاريع طريق التنمية، إضافة إلى الصناعات الدوائية.

ويلفت صالح إلى أن فلسفة الحكومة الاقتصادية تقوم على الشراكة بين الدولة والسوق مع ضمان اجتماعي واسع، بما ينسجم مع نظرية "السوق الاجتماعي"، التي تبتعد عن المخاطر المصاحبة للاقتصاد الليبرالي.

ويبيّن صالح، أن "الحكومة أطلقت مصرف ريادة لدعم القروض الصغيرة والمتوسطة للشباب، بعد نجاح مبادرة ريادة التي قدمت آلاف القروض لتحفيز الابتكارات والمبادرات الشبابية"، مبينا أن "60 في المائة من قوة العمل تُوظف في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مع استمرار التركيز على الصناعات الاستراتيجية مثل البتروكيماويات والصناعات الرقمية".

ويؤكد صالح، أن "هذه التحولات تمثل خطوة مهمة نحو خفض نسبة البطالة التي تبلغ حاليًا 14 في المائة إلى مستويات طبيعية لا تتجاوز 4 في المائة من إجمالي قوة العمل"، موضحا أن "هذه الإجراءات تهدف إلى توفير فرص عمل مستدامة ودعم تنمية الاقتصاد الوطني في مختلف القطاعات".

هيمنة النفط

ويواجه قطاع الصناعة في العراق تحديات جسيمة أثرت بشكل مباشر على مساهمته في الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد عيد، إنّ "القطاع الصناعي يعاني من بنية تحتية متدهورة، إذ تعطلت معظم المصانع والمؤسسات الصناعية نتيجة الأضرار التي لحقت بها، فضلاً عن تعرض العديد منها للسرقة والتفكيك والتهريب. هذه الأزمات جعلت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي ضعيفة للغاية، ما أثر على تنوع الاقتصاد العراقي".

ويضيف عيد خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، أن "الاقتصاد العراقي يرزح تحت هيمنة قطاع النفط، إذ يعتمد بشكل مفرط على الإيرادات النفطية، وهو ما أدى إلى تهميش القطاعات الاقتصادية الأخرى، بما في ذلك الصناعة"، وأضاف أن "الصناعات التحويلية، مثل النسيج والصناعات الغذائية والميكانيكية، شهدت تراجعاً كبيراً بسبب المنافسة القوية من المنتجات المستوردة ذات الأسعار المنخفضة، ما تسبب في تفاقم الأزمة الصناعية".

ويتطرق عيد إلى مشكلة واضحة في التشريعات والسياسات الحكومية، حيث لا توجد استراتيجيات فعالة لدعم الصناعة أو قوانين لحماية المنتجات المحلية. ولفت إلى أن غياب السياسات الواضحة والإدارة السليمة أدى إلى تراجع الصناعة الوطنية بشكل ملحوظ، مما عرقل قدرتها على المنافسة، سواء داخل الأسواق المحلية أو الخارجية.

وبرغم الأزمات التي تواجه الصناعة العراقية، يؤكد عيد على أهميتها في تحقيق التطور الاقتصادي، موضحا أن "القطاع الصناعي يمتلك إمكانات كبيرة لتنويع مصادر الدخل الوطني وخلق فرص عمل جديدة من خلال توسيع قاعدته الإنتاجية".

ويلفت عيد إلى دور الصناعة في تعزيز الصادرات، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يؤدي إلى توفير العملات الأجنبية ودعم الاقتصاد الوطني، مشيرا الى أن "الصناعة يمكن أن تكون الركيزة الأساسية لتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة في العراق إذا ما تم استغلال إمكاناتها بالشكل الأمثل".

ويدعو الباحث إلى ضرورة إبعاد القطاع الصناعي عن التدخلات السياسية ونفوذ الفاسدين، والعمل على وضع سياسات صناعية واضحة بعيداً عن المحسوبية الحزبية والطائفية. كما يشدد على أهمية الاستثمار في المشاريع الصناعية في مختلف المحافظات لضمان توزيع التنمية بشكل عادل وتعزيز الابتكار التكنولوجي كجزء من استراتيجية شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية.

ويرى أحمد عيد، أن إعادة إحياء الصناعة العراقية تحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة، ترتكز على إصلاح السياسات الاقتصادية، وحماية المنتج الوطني، ودعم الابتكار والاستثمار في الموارد البشرية، بهدف بناء اقتصاد عراقي متوازن ومستدام.

النهوض بالقطاع الصناعي

من جانبه يقول المستشار في قطاع التنمية الصناعية، عامر الجواهري، أن النهوض بالقطاع الصناعي العراقي يحتاج إلى استثمارات كبيرة وخطط واضحة التنفيذ.

ويوضح الجواهري في حديث لـ "طريق الشعب"، أن خطة التنمية الوطنية 2024-2028 تستهدف رفع مساهمة القطاع الصناعي من 1.8 إلى 2.2 في المائة، وهو هدف يتطلب استثمارات ضخمة، مشيرا إلى أن الخطة تعتمد على مساهمة القطاع الخاص بنسبة 35 في المائة من إجمالي الاستثمارات، وهو أمر يستلزم التزاماً حكومياً بتمكين القطاع الخاص من أداء دوره.

ويعبّر الجواهري عن قلقه من أن الجهود الفعلية لا تزال أقل بكثير من الطموحات المعلنة، ما يجعل العراق في وضع تنافسي سلبي على الصعيد الإقليمي والدولي، مشددا على ضرورة تفعيل "مجلس التنسيق الصناعي" باعتباره الجهة التي يمكن أن تقود جهود النهوض بالقطاع الصناعي".

ويطالب بأن يصبح هذا المجلس خلية عمل دائمة ومزودة بالصلاحيات اللازمة. كما دعا إلى إعادة تفعيل “مجلس تطوير القطاع الخاص”، الذي وصفه بأنه ضعيف منذ تأسيسه، ليكون عنصراً فاعلاً في تحقيق أهداف التنمية.

ويوضح، أن "العمل يجب أن يتضمن خطة واضحة لإنشاء ألف معمل صغير في القطاع الخاص، إضافة إلى إعادة تشغيل المعامل المتوقفة، مع تحديد أرقام سنوية تتزامن مع خطة التنمية الوطنية"، داعيا إلى إنشاء مدينة صناعية في كل محافظة، توفر البنية التحتية والخدمات الضرورية للمشاريع الصناعية.

ويشير إلى أن "المدن الصناعية تعد حلاً رئيسياً ولكنها تعاني من التلكؤ في التنفيذ، وهو ما يتطلب تحركاً سريعاً من القطاع العام لتبني إنشائها"، داعيا إلى تفعيل دور مديريات الصناعة والتنظيم الصناعي في وزارة الصناعة، إلى جانب التعاون مع اتحاد الصناعات العراقي واتحادات رجال الأعمال لدعم القطاع الخاص.

ويؤكد، أهمية تطوير الجهاز المصرفي ليكون شريكاً فاعلاً في تمويل المشاريع الصناعية، لافتا الى أن "تحقيق نهضة صناعية يتطلب تحركاً جدياً وسريعاً من جميع الأطراف".

ويشدد على "ضرورة التنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والجهاز المصرفي لضمان تنفيذ المشاريع الصناعية وتحقيق أهداف التنمية".

عرض مقالات: