اخر الاخبار

تواجه المواقع الأثرية في العراق تحدياً كبيراً يتمثل في غياب الخدمات الأساسية التي من شأنها أن تجعلها أكثر جذباً للسياح. ورغم غنى العراق بتراث تاريخي هائل، فإن العديد من هذه المواقع تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية مثل الطرق المعبدة والمرافق الصحية وأماكن الإقامة. هذا النقص في الخدمات يجعل من الصعب على الزوار الاستمتاع بتجربتهم، ويحد من إمكانيات استثمار هذه المواقع كمصادر اقتصادية وسياحية، رغم قيمتها التاريخية العظيمة.

جمال العراق الحضاري

تحدث السائح الاجنبي سامويل بروساليس لمراسل "طريق الشعب"، عن زيارته للعراق وتجربته التي وصفها بالفريدة من نوعها. وقال سامويل: "ما لفت انتباهي أكثر شيء هو ودّ الناس واستقبالهم، والاحترام الذي يُظهره الأجانب لثقافاتهم وأديانهم. لقد لمست مستوى ثقافياً عالياً لدى الجامعيين العراقيين، مما يعكس عمق الحضارة العراقية وثراءها".

وتطرق بروساليس إلى جمال العراق التاريخي، مشيراً إلى زيارته للعديد من المواقع الأثرية المهمة في بلاد ما بين النهرين، ومنها بغداد، كربلاء، بابل، الناصرية، أربيل، والموصل. وقال: "التواجد في بلاد ما بين النهرين ورؤية الزقورات المذهلة كان تجربة استثنائية. هذه المعالم تأخذك إلى عصور تاريخية عظيمة وتشهد على إسهامات العراق في بناء الحضارة الإنسانية".

لكن بروساليس لم يُخفِ شعوره بالأسف لما لاحظه من إهمال يطال بعض الآثار العراقية التي تحمل قيمة تاريخية عظيمة، موضحا انه "بالرغم من روعة الزقورات والمواقع الأثرية، لا يمكن إنكار أن هذه الكنوز التاريخية تستحق اهتماماً أكبر ورعاية أكثر من أجل الحفاظ عليها للأجيال القادمة. إنها ليست مجرد مواقع محلية، بل إرث إنساني عالمي يجب أن يُصان".

وأعرب بروساليس عن أمله في أن تبذل جهود أكبر للحفاظ على هذا التراث الثقافي، مشيراً إلى أنه يشعر بمسؤولية جماعية للحفاظ على هذه الكنوز التاريخية التي تجسد الحضارة الإنسانية، حيث تنعدم الخدمات في تلك المواقع. واختتم قائلاً: "العراق ترك لديّ ذكريات لا تُنسى. أحب أن أعود إلى هذا البلد العظيم، فهو يملك شعباً دافئاً وآثاراً تحكي قصصاً خالدة. ولكنني أتمنى أن أرى تلك المعالم وقد نالت العناية التي تستحقها".

١٨ ألف موقع أثري

يقول حميد محسن، الخبير في مجال الآثار والتراث، أن العراق يملك ما يقارب 18 ألف موقع أثري، إلا أن ما تم اكتشافه من هذه المواقع لا يتجاوز 15 في المائة. ورغم هذه الثروة الأثرية الهائلة، يعاني القطاع الأثري من إهمال شديد، حيث يفتقر إلى الفرص التنموية والدعم الكافي. وقال محسن لـ "طريق الشعب"، أن "المواقع الأثرية العراقية، رغم غناها وتنوعها، تتعرض لإهمال لافت خاصة في بغداد والمحافظات الأخرى، مما يحرم البلاد من الاستفادة من هذه الكنوز التاريخية كمصادر اقتصادية وسياحية". وأضاف أن "التجاوزات العمرانية على المواقع الأثرية تمثل تهديدًا خطيرًا لهذه المواقع، حيث يتم بناء مشاريع سكنية ومرافق أخرى قد تؤثر على هذه المواد التاريخية".

كما ذكر أن مواقع مثل طاق كسرى في المدائن تُعاني من إهمال واضح، حيث لا تحظى الطرق المؤدية إليها بالعناية اللازمة، بالإضافة إلى تدهور بعض المناطق الأثرية الأخرى مثل باب الوسطاني وعكركوف التي لم تشهد أي تطوير أو صيانة، لافتا الى الإهمال الذي تتعرض له زقورة اور، حيث أكد أن "الزقورة بالرغم من كونها معلما تاريخيا يجذب السياح من جميع انحاء العالم، الا ان الخدمات تنعدم فيها بشكل كامل".

وفي سياق حديثه عن الأبعاد الاقتصادية لهذه المواقع، شدد محسن على أن "استثمار هذه المواقع الأثرية يمكن أن يكون خطوة هامة في تعزيز السياحة المحلية". وأكد أن "تحسين استغلال هذه المواقع سيسهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة، ما يساعد في تقليل معدلات البطالة".

ونوه محسن بأهمية استثمار المواقع الأثرية في المناطق النائية، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلق فرص اقتصادية لسكان تلك المناطق، ما يعزز من استقرارهم ويخلق بيئة اقتصادية نشطة تدعم القطاع السياحي والأنشطة المرتبطة به، مثل الفنادق والمطاعم.

وتطرق محسن أيضًا إلى التحديات التي تواجه الآثار في العراق، وعلى رأسها سرقة وتخريب هذه الكنوز التاريخية. وكشف عن وجود مافيات تهريب الآثار التي تستهدف المواقع العراقية، مشيرًا إلى أن أكثر من 150 ألف تل أثري في العراق تفتقر إلى الرقابة، ما يجعلها عرضة للنهب والتخريب.

وتابع محسن في حديثه أيضًا أن غياب الخدمات الأساسية في المواقع الأثرية يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه هذا القطاع في العراق. فالمواقع التي يمكن أن تكون وجهات سياحية مهمة تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستقبال الزوار، مثل الطرق المعبدة، والمرافق الصحية، وأماكن الإقامة والمطاعم. هذا الإهمال في توفير الخدمات يعيق جذب السياح المحليين والدوليين، وبالتالي يحد من فرص استثمار هذه المواقع كمصادر اقتصادية.  وفي ختام حديثه، حذّر محسن من أن "الإهمال الحكومي المستمر للمواقع الأثرية، سواء من خلال نقص الدعم أو عدم تخصيص الموارد اللازمة للحفاظ عليها، يهدد بفقدان جزء كبير من التراث الثقافي العراقي، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة للحفاظ على هذه المواقع قبل فوات الأوان".

التغير المناخي

يقول مدير مفتشية الآثار والتراث في محافظة الأنبار، عمار علي، أن "التغيرات المناخية والعوامل الجوية لها تأثيرات كبيرة على المواقع الأثرية"، مشيراً إلى أن "هذه التأثيرات تمتد لتشمل التفاعلات الكيميائية وتحلل العناصر التي تتكون منها الآثار".

وقال علي لـ "طريق الشعب"، أن "المواقع الأثرية تتأثر بالظروف الجوية مثل الأمطار والرياح والرطوبة والأملاح، خصوصاً إذا كانت هذه المواقع مكشوفة كالأبنية الشاخصة أو الأسوار. الجو الصحراوي والغبار لهما تأثير كبير، خاصة إذا كان الغبار يحمل نسبة من الأملاح التي تؤثر على الأجزاء الخارجية للموقع".

وأضاف، ان "الرطوبة والمياه الجوفية تلعبان دوراً كبيراً في تحلل الأحجار ومواد البناء المستخدمة في المواقع الأثرية، مثل الطوب اللبن والجص والنورة. هذه العوامل تؤدي إلى تدهور حالة المواقع، ما يستدعي تدخلات متواصلة للصيانة والترميم من قبل الهيئة العامة للآثار".

وفي ما يتعلق بمحافظة الأنبار، أوضح عمار علي أن "المحافظة تضم مئات المواقع الأثرية، وقد تم اكتشاف مواقع جديدة مؤخراً، حيث تجاوز عددها 500 موقع موثق ومثبت لدى الهيئة العامة للآثار"، لكنه أشار إلى أن "خطط الحفاظ على هذه المواقع تعاني من ضعف الإمكانيات وقلة التخصيصات المالية، ما يجعل الجهود المبذولة حالياً "فقيرة" مقارنة بحجم التحديات".

واختتم حديثه قائلاً: "برغم هذه التحديات، نحن مستمرون بالعمل على صيانة وترميم المواقع الأثرية، خصوصاً تلك المتأثرة بالتغيرات المناخية، خوفاً عليها من الاندثار أو الانهيار. نسعى بكل إمكانياتنا المتوفرة للحفاظ على هذا الإرث التاريخي الذي يمثل جزءاً مهماً من هوية العراق".

لا يوجد اهمال!

أحمد المختار، مدير قسم الإعلام في الهيئة العامة للآثار والتراث، أكد أن "الاهتمام بالمواقع الأثرية في العراق شهد تحسناً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بظل جهود الحكومة الحالية".

وأضاف المختار، انه "لا يوجد إهمال في الوقت الحالي. تم ترميم العديد من المواقع الأثرية وإعادة تأهيلها"، عازيا الإهمال الموجود الى الظروف التي مرت بها البلاد والحكومات المتعاقبة سابقاً على هذا القطاع، الامر الذي يتطلب تخصيصات مالية وكوادر مدربة".

وأشار الى وجود "بعثات تنقيبية عادت للعمل، كما تم تأهيل العديد من المواقع وتسييجها."

وأشار المختار إلى الاهتمام الخاص بمواقع أثرية بارزة مثل زقورة أور، موضحاً ان "الزقورة تحظى باهتمام كبير جداً، وهناك بعثات تنقيبيه تعمل عليها. كما أن عدداً من المواقع في بغداد، الموصل، الناصرية، وبابل قد تمت إعادة تأهيلها وأصبحت جاهزة لاستقبال الزوار."

وتابع ان "الوزير يشرف ويتابع بشكل مباشر جميع الجهود المتعلقة بترميم المواقع الأثرية. كما أن رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث، يتابع العمل يومياً لضمان تنفيذ الخطط."

واختتم المختار حديثه قائلاً: انه "رغم قلة التخصيصات المالية، نحن نعمل بالتعاون مع الجهات الساندة على تحسين الوضع أكثر في المستقبل القريب".

عرض مقالات: