اخر الاخبار

في الذكرى العاشرة لسقوط الموصل بيد عصابات تنظيم داعش الإرهابي، لم يزل الأهالي يقاسون تداعيات لحظة الانهيار، كأنها حصلت يوم أمس: فلم تكترث المنظومة السياسية المتنفذة لكلّ ما حصل من جرائم إنسانية، تتحمل هي أولا المسؤولية الكبرى عنها، بل راحت تحاول أن تحقق لنفسها مكاسبَ جديدة على ركام تلك الجرائم والإبادات والتغييب القسري.

وقد شهدت السنوات العشر الماضية محاولات من قوى السلطة لتسويف التحقيقات في أسباب السقوط، وإخفاء الحقائق والتستر على المتسببين الحقيقيين بذلك الانهيار.

«فلول الإرهاب»

ولمناسبة الذكرى العاشرة لسقوط مدينة الموصل، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن «عصابات داعش الإرهابية ارتكبت قبل عشر سنوات، وفي ظلِّ ظروف مُلتبسة، ودعمٍ من قوى الشّر والكراهية في العالم، جريمتها وعدوانها على أهلنا في الموصل، ورُوِّع سكّانها بهجمةٍ همجيةٍ تغذيها الأهداف الدنيئة وخُرافة الوهم، والعداء لكل خطوةِ مُشرقةِ حققها الشعب العراقي على إثر سقوط الدكتاتورية».

وأضاف في بيان طالعته «طريق الشعب»، «نستذكر هذه المرحلة بالكثير من الألم للضحايا الأبرياء من كل أطياف وألوان الشعب العراقي، الذين استهدفهم غدر هذه العصابات الظلامية والقِوى التي تقف خلفها، لكننا نفتخر مُجدداً بالوقفة التلاحمية التي التفّ فيها شعبنا حول قواته المسلّحة بجميع صنوفها، وبذلَ دماءَ الشهداء الغزيرة من أجل تطهير الأرض».

وأضاف، «لم تعد فلول الإرهاب تشكّل خَطراً على وُجود الدولة العراقية، واليوم ينعمُ شعبنا بالأمن والاستقرار نتيجة تلك المواجهة العادلة وما قدّمه شهداؤنا الأبرار، ولتستمر وتيرة العمل بأفضل صورها، وبتصميم عالٍ على إحداث نهضة اقتصادية وإنسانية، وانتقالةٍ نوعيةٍ في حياة حرّة كريمة تليق باسم العراق».

شرخ وغياب للثقة

وفي المناسبة، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الموصل، د. مهند الراوي: ان «عشر سنوات مرت على احتلال مدينة الموصل من قبل تنظيم داعش الإرهابي. وبالرغم من تحريرها امنيا، إلا أنها ما زالت أسيرة القوى السياسية المتنفذة من خارجها، لان من اسهم في تحريرها امنيا اندمج بالعمل السياسي مباشرة في داخلها، ونتيجة لانشغال أهل المدينة بصدمة ما بعد التحرير، حصل فراغ سياسي كبير استثمرته بعض القوى السياسية، التي أصبحت اليوم تسيطر على مقدرات المدينة».

وعلل الراوي في حديث مع «طريق الشعب» أسباب إفلات من تسبب بسقوط أم الربيعين من العقاب، بأن من يمثل المدينة في السلطتين التشريعية والتنفيذية، غير حقيقيين، بل يحاولون تغييب المطالبة بفتح تلك الملفات، مشيرا الى انه «تم التحقيق مع كل الشخصيات ذات العلاقة سواء على المستوى السياسي أو الأمني، لكن لم يتم اتخاذ اي إجراء تدين أحدا بصورة مباشرة، نتيجة التدخلات السياسية».

واشار الراوي ان «هناك نوعا من التعافي الخجول على المستوى الخدمي. اما اجتماعيا واقتصادياً فما زالت المدينة تعاني من شرخ مجتمعي يزداد يومياً برغم ما يتم الحديث عنه في الإعلام بأن المدينة غادرت تلك الحالة، خاصة في ظل حالات الانتقام غير المباشرة، وغياب الثقة القائم على التوازن المجتمعي».

وأكد ان «غالبية القوى السياسية لديها فواعل اقتصادية تسيطر على موارد واقتصاد المدينة ومشاريعها الخدمية، للاستحواذ على المال العام»، مبينا أن «حملة إعادة الإعمار تسيطر ببطء شديد وتشوبها الكثير من شبهات الفساد. كما أنها يتحكم بها مزاج سياسي ينشط في مواسم الانتخابات».

من يحمي الجناة الحقيقيين؟

الناشط السياسي سعد عامر قال: انه بعد مرور عقد على حادثة سقوط مدينة الموصل بيد القوى الظلامية، تحاول المنظومة السياسية أن تنأى نفسها عن أي خراب حصل، إنما زاد وجودها من حالة الدمار التي تعيشها المدينة وأهلها.

وأضاف عامر، أن «أساس وسبب سقوط الموصل ومن قبل ذلك التوترات والمشاحنات والمشاكل التي كانت موجودة في المدينة، يتعلق بالمنظومة الحاكمة والتناحر بين الحكومة المحلية وحكومة المركز، الأمر الذي يسمح لقوى الإرهاب باستغلال الفوضى واقتحام المدينة».

وأكد أن هذه المنظومة «تحمي اليوم المتسببين الرئيسيين في سقوط المدينة، وتحاول ابعاد الجناة عن مشهد الجريمة».

وخلص المتحدث الى ان الموصل تعيش وضعا اقتصاديا سيئا، مشيرا الى ان «مليارات الدولارات دخلت الى نينوى بعد تحريرها من الارهاب في العام 2017، لكننا لا نرى اليوم غير تعبيد بعض الطرق وصبغ الارصفة»، فيما ذهبت تريليونات الدنانير في جيوب الفاسدين والقوى المتنفذة، بدلا من استثمارها في مشاريع استراتيجية وخدمية تخص قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والسياحة وغيرها.

آثار الانهيار قد تمتد لعقود

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل د. مهند العبيدي، فيرى ان ما حصل لمدينة الموصل ليس شيئا عابراً، انما ستمتد آثاره لعقود مقبلة، بسبب الغزو الداعشي الهمجي.

وأكد العبيدي أن “المحافظة بحاجة إلى تدخل دولي يساعد في التعافي من الآثار، ويعوض المتضررين جرّاء الحرب، وصولاً إلى مرحلة إعادة هيكلة المجتمع”.

وأكثر ما يتساءل عنه أهالي الموصل، ويتسبب في حزنهم وقلقهم من المستقبل، هو عدم محاسبة أي جهة سياسية أو شخصية من المتهمين بسقوط مدينتهم وتدميرها في حرب استمرت نحو أربعة أعوام.

وطيلة السنوات الماضية، غُيّب ملف التحقيق في سقوط الموصل الذي ناقشه البرلمان. ورغم استضافته قادة في الجيش والشرطة ومسؤولين من المدينة وآخرين من بغداد، لم تتحقق المحاسبة أو أي مظهر من مظاهر المحاكمة، وتحديداً من المتهمين الكبار في هذه الكارثة.

وخلّف احتلال الموصل تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية شملت جميع مدن العراق بلا استثناء، ناهيك عن دمار البنى التحتية، الذي كلّف، وفقاً لوزارة التخطيط، أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيراً، بسبب تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.

القوى المتنفذة لم تتعظ!

المحلل السياسي داود سلمان قال: إنّ «القوى السياسية المتنفذة مسؤولة عن كلّ ما يجري داخل البلد سواء على مستوى الاقتصاد والأمن والسياسة والوضع المجتمعي»، مضيفا أن «سقوط الموصل لا يمكن ـ بأي حال من الاحوال ـ ان نعزوه الى سبب أو أحد خارج المنظومة السياسية، بل تعد هي المسؤول المباشر عن سقوط المدينة، ولا يمكن القبول بتبريراتهم».

وأضاف سلمان في حديث مع «طريق الشعب»، ان «مقاضاة الشخوص المسؤولة عن انهيار الأمن في الموصل وغيرها، مرهونة بتمكين الدولة من سيادة القانون واستقلالية عمل مؤسساتها التي تتحكم بها المحاصصة والفساد».

ولا يبدو للمتحدث أن «القوى المتنفذة قد اتعظت من هذه الجرائم النكراء التي جعلت العراقيين يدفعون الثمن باهضا، بل أن رجالها ما زالوا يحاولون استفزاز المجتمع بإثارة نعرات طائفية والتناحر والتقاتل، بالشكل الذي يضمن لها البقاء متصدرةً للمشهد السياسي، من حالة اللااستقرار والفوضى».

وخلص الى القول: ان «العوامل والمؤثرات والأزمات التي أوصلتنا الى ما حصل في حزيران عام 2014، لا تزال قائمة، وبالتالي من الممكن أن يعاد السيناريو بإخراج مختلف، لتبقى هذه القوى هي البطل، والشعب ضحيتها».

عرض مقالات: