يتجاوز عمر مدينة سامراء الأثرية ألف عام، وتُعد واحدة من أبرز المعالم التاريخية في العراق، وبسبب أهميتها التاريخية والحضارية، أُدرجت سامراء في لائحة التراث العالمي لليونسكو. لكنها وُضعت تحت لائحة الخطر نتيجة التحديات الكبيرة التي تواجهها، أبرزها هيمنة بعض الجهات على هذا الصرح التاريخي، مما يعيق جهود الحفاظ عليها.
وتقع مدينة سامراء التاريخية، على الضفة الشرقية لنهر دجلة على بعد 120 كم شمال بغداد، وتتمتع بتاريخ غني ومعماري فريد. وتأسست سامراء كعاصمة للدولة العباسية في 221هـ من قبل الخليفة المعتصم بالله، وسرعان ما ازدهرت تحت اسم “سر من رأى”.
وشهدت المدينة توسعات عمرانية كبيرة عبر العصور، حيث حفر هارون الرشيد أول نهر وشيّد فيها أول قصر. بينما أسس الخليفة المتوكل مدينة المتوكلية وبنى الجامع الكبير ومئذنته الملوية الشهيرة.
وأحاط ناصر الدولة الحمداني المدينة بسور في 333هـ، وأعيد ترميم السور في 1250هـ. وفي فترة الحكم العثماني، بُني أول جسر على نهر دجلة في 1881م، وشهدت المدينة مشاريع عمرانية مهمة في القرن العشرين، أبرزها مشروع الثرثار للري في 1952م.
وتضم سامراء العديد من المعالم الأثرية مثل جامع سامراء ومئذنته الملوية، وجامع أبي دلف، وقصور عديدة كقصر بلكوار وقصر الجوسق الخاقاني. سُجلت المدينة على قائمة التراث العالمي في 2007، مما يعزز مكانتها كواحدة من أبرز المدن التاريخية في العالم الإسلامي.
ضعف الجهد الحكومي
يذكر أستاذ الآثار في جامعة سامراء، انمار المرسومي أن “مدينة سامراء تعاني من سوء الوضع الاقتصادي بسبب قلة النشاط السياحي والديني، وتقدر نسبة العاطلين فيها ٤٥ في المائة”.
ويدعو المرسومي عبر “طريق الشعب”، الحكومة الى وضع خطة شاملة لتطوير المواقع الأثرية في سامراء، تشمل عمليات الصيانة، الترميم، لجعل المنطقة تحقق مردودا ماليا للسكان عبر القطاع السياحي”.
ويقول: أن “معظم هذه المواقع تشهد الآن عمليات ترميم غير مدروسة، الأمر الذي يؤدي الى تدهورها مع مرور الوقت. إن عمليات التأهيل الشاملة تتطلب جهوداً مكثفة ودعماً مالياً قوياً”.
ويضيف أن المواقع الأثرية في سامراء “تتميز بعنصرين رئيسيين: العنصر الديني والعنصر الأثري، وأن تطويرها واستغلالها بشكل صحيح يمكن أن يعود بالفائدة الاقتصادية على سكان المنطقة، ويعزز السياحة في العراق بشكل عام”.
ويبين المرسومي، ان التحديات التي تواجه عملية التطوير، تتمحور حول نقص البنية التحتية مثل الفنادق والمراكز الصحية، وأهمية توفير الأجواء المناسبة للزوار بما في ذلك وجود محال وأسواق قريبة من المواقع الأثرية.
ويخلص أنمار الى ضرورة تدريب الكوادر المتخصصة ونقل التقنيات الدولية في مجال التأهيل والترميم، مشيراً إلى أن الدعم الحكومي لهذه الجهود محدود وضعيف، ما يتطلب جهوداً إضافية من قبل قطاعات المجتمع المختلفة لتحقيق الأهداف المرجوة.
قيود أمنية
من جانبه، يقول ثابت عامر، ناشط ومهتم في الجانب الآثاري، إن “محافظة صلاح الدين تحتوي على ملوية سامراء بالإضافة إلى ملوية العباسية وملوية أبو دلف، والتي تعتبر أيضاً ذات أهمية كبيرة”، موضحا أن “هناك آثاراً من الحقبة الآشورية ومقابر لشخصيات دينية ومراقد دينية، إلا أن الجانب الحكومي غائب بشكل ملحوظ في هذا الشأن”.
ويشير عامر خلال حديث مع “طريق الشعب”، الى الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه المواقع لسكان المنطقة، كما ترتبط بتاريخهم وإرثهم العقائدي. ومع ذلك، لا توجد أي جهود للترميم أو الصيانة أو محاولة لإعطائها أهمية أو فتحها أمام الزوار، بخاصة سامراء التي تعاني من قيود أمنية كبيرة تجعل الدخول إليها صعبًا حتى على سكان المحافظة، ما يزيد من الصعوبات أمام السياح.
ويتهم المتحدث السلطة المحلية بإهمال هذه المواقع بشكل كبير. بينما هناك اهتمام من بعض المنظمات فقط في الشرقاط عند الآثار الآشورية، حيث يقام مهرجان سنوي هناك. أما سامراء فهي مهملة تمامًا وتحت حماية نقاط أمنية، وقد تعرضت لمحاولات تخريب في عام 2014 من قبل داعش، وكذلك محاولات لاحقة لاستهداف الملوية من قبل فصائل مسلحة وإدخالها في مأزق طائفي، بحسب عامر.
830 موقعا أثريا
من جانبه، يقول سالم عبد الله، مدير مفتشية آثار وتراث محافظة صلاح الدين، أن “المحافظة تحتضن أكثر من 830 موقعًا أثريًا، منها 34 في قضاء الشرقاط، بما في ذلك مدينة آشور”، مضيفا أن “المحافظة تحتوي على موقعين ضمن قائمة الآثار والتراث العالمي لليونسكو، وهما قلعة آشور ومدينة سامراء، ما يضفي على المحافظة طابعا متميزا، خاصة أن العراق يحتوي على 6 مواقع في القائمة، منها اثنان في صلاح الدين”.
ويضيف عبدالله في تصريح لـ”طريق الشعب”، ان “الموقعين الأثريين يقعان الان تحت لائحة الخطر، للأسف الشديد”، موضحًا أن “اليونسكو تمتلك بندين: الأول للمواقع الاعتيادية، والآخر للمواقع الخطرة”.
وبالحديث عن أسباب وضع المواقع ضمن لائحة الخطر، يبيّن عبد الله أن “قلعة آشور أدرجت بسبب تأثير مشروع سد مكحول المزمع إنشاؤه والذي ألغي الآن. وتعمل الجهات المعنية على صيانة مستمرة للموقع لإخراجه من قائمة الخطر”، لافتا إلى “وجود اجتماعات إلكترونية مع اليونسكو وبعض المختصين تحاول انتشال الموقع من بند الخطر”. ويتأمل عبد الله أن يخرج الموقع خلال العام القادم من لائحة الخطر، إذا ما تضافرت الجهود.
وعن موقع مدينة سامراء، يقول عبد الله أن الخطر جاء بسبب وجود تجاوزات عليها بالإضافة إلى ممارسات خاطئة في جانب حمايتها، محذرًا من الخطر المحدق الذي تشهده هذه المدينة، مشيرا الى أن “المفتشية قدمت العديد من الدعاوى القضائية ضد المتجاوزين، لكن الأمر أكبر من إمكانيات المفتشية، ويتطلب تدخلا من جهات عليا لحل المشكلة”.
ويختتم حديثه بأن مدينة سامراء تعد أكبر “موقع تراث عالمي في العالم من ناحية المساحة، حيث تبلغ مساحتها ما يقارب ٤٠ كيلومترًا مربعًا”.