في أقل من شهر وقّعت الحكومة قرابة 65 مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية وتركيا وإيران، في مسعى لاجتذاب شركات تلك الدول للاستثمار في العراق وتنفيذ المشاريع، ولخلق نوع من الاستقرار في العلاقات الدبلوماسية القائمة.
ملفات شائكة
وتؤشر التحركات الحكومية في الفترة الأخيرة، رغبة في ادامة الاستقرار النسبي الذي تمتعت به خلال عامها الأول من تشكيلها، إضافة الى محاولة تدوير وإعادة انتاج نفسها، مقابل تقديم ضمانات وتنازلات في ملفات «شائكة ومعقدة»، ارتبطت بضربات الفصائل للقواعد العسكرية الأمريكية، فضلا عن ملفي حزب العمال الكردستاني مع تركيا، مرورا بمعالجة وضع المعارضة الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان، وهي ملفات وتقاطعات يصعب على العراق تفكيكها ومعالجتها على ارض الواقع، بحسب مراقبين.
يقول الخبير الأمني أحمد الشريفي، إن الحكومة العراقية لديها «قصر نظر» في السياسة الخارجية، فضلا عن عدم وضوح الاستراتيجية التي على أساسها يجري التنظير وتقييم وتقدير الموقف.
ويضيف الشريفي في حديث مع «طريق الشعب» ان ما يحصل هو رغبة لإرضاء جميع الأطراف من قبل الحكومة، والغرض من هذه الرغبة هو اعادة انتاج نفسها وتدوير كيانها السياسي دون الالتفات الى المصلحة العليا للدولة والثوابت الوطنية.
ويجد الخبير الأمني، ان «الأوضاع تشابكت لدى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أغرق المفاوضين والرأي العام بالوعود»، محذرا من ان ذلك «سيدخل العراق في نقاط تقاطع لا يمكن حلها. وبالتالي يتحول من نقطة استقرار الى نقطة اضطراب، كون الولايات المتحدة الامريكية ستصطدم مع إيران، وتركيا ستصطدم مع الـPKK في العراق».
ضمانات مهزوزة
وعن زيارة رئيس الوزراء الى الولايات المتحدة الامريكية، وانعكاساتها على الوضع العراقي، يقول رئيس مركز التفكير السياسي، احسان الشمري، ان «الزيارة لم تحدث فارقاً كبيراً على مستوى العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، على اعتبار ان رغبة التعاطي مع أمريكا بسياقات اخرى ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، هي ليست رغبة السوداني وحده، بل سبقه اليها عدد من رؤساء الوزارات».
ويشير الشمري في حديث مع «طريق الشعب»، الى ان “المحاولات السابقة لم تنجح بتفعيل وإيجاد مسار مختلف للعلاقة بين بغداد وواشنطن، وهناك ارادة سياسية تعمل على مناهضة الولايات المتحدة، وحاملو هذه الارادة هم شركاء السوداني، الى جانب تقاطعات اخرى لا تخدم مصلحة الدولة».
ويذكر الشمري، ان «الزيارة لم تحدث نقلة نوعية في طبيعة العلاقات، ومن جانب اخر قد تتعرض الضمانات التي اعطاها السوداني للولايات المتحدة للاهتزاز، بعودة الهجمات، خصوصاً ان الفصائل المسلحة عادت الى استهداف الوجود الامريكي، فضلا عن ذلك ان عملية مغادرة الشركات الامريكية تتم على قدم وساق. وهذا سيعطل اي اتفاق جرى في واشنطن».
مصلحة العراق أولاً
من جهته، يرى أستاذ العلاقات الاقتصادية عبد الرحمن المشهداني، ان “جميع الاتفاقيات التي وقعها العراق، هي مكملة لبعضها، وعلى العراق ان يضع مصلحته أولا في تنفيذ هذه الاتفاقات»، مشيرا الى ان الاتفاقات التي تم توقيعها مع شركات الطاقة الامريكية لاستثمار الغاز المصاحب، لا منافس لها».
ويشير الى ان «مذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع الجانب التركي مختلفة هي الأخرى، اذ ستعمل على تسهيل إقامة طريق التنمية واتفاقية المياه. كذلك التعامل مع حزب العمال الكردستاني».
ويبين أن “الدول تبحث عن مصالحها، ويفترض ان يبحث العراق عن مصالحه من هذه الاتفاقيات بالدرجة الأولى، وهي محددة ومعروفة ومنها طريق التنمية واستثمار الغاز المصاحب في انتاج الكهرباء وتطوير الحقول النفطية والقضاء على التلوث، وهذه لا تتحقق الا بالشراكة مع شركات عالمية كبرى”.
تتوقف على مصداقية الحكومة
استاذ الفكر السياسي في جامعة الكوفة، اياد العنبر، يرى ان «السوداني ذهب باتجاه الانتقال بعدم حصر الشراكة مع الولايات المتحدة فقط بالجانب الامني، وانما الانفتاح أكثر في مجال الاستثمار والاقتصاد»، مبينا ان «مذكرات التفاهم مع شركات القطاع الخاص والحكومي تنتظر ان تتحول الى واقع عملي واتفاقيات، وهذا المعيار الذي ينتظره الكثير من المراقبين».
ويعتقد العنبر ان «الانتقال بالشراكة ليس صعباً، لكنه يحتاج الى ارادة وانفتاح على الشركات. ومعيار النجاح سيكون مرهونا ببقاء الادارة الامريكية الحالية».
ولا يعول العنبر على مذكرات التفاهم «الا بتحولها الى اتفاقيات شراكة حقيقية»، ضيفا ان «الامريكان يتبنون ايضا طرح الانتقال بالشراكة مع العراق، وهم بالأساس من طرح فكرة الشراكة العراقية الامريكية الشاملة، ولكن تتوقف مصداقيتهم على مدى قدرة الحكومة العراقية على توفير البيئة الملائمة».
من سيخرج تركيا؟
وبالعودة الى حديث الخبير الأمني احمد الشريفي، فان هناك تشابكا في مذكرات التفاهم مع الدول الثلاث (امريكا، إيران وتركيا)، موضحا انه «على سبيل المثال يجري الحديث الآن عن عملية عسكرية تركية بعمق 40 كيلومترا في الأراضي العراقية، ولا ينظر فيها في حال دخلت تركيا الى ذلك العمق، هل ستخرج منه؟، وهل سيشترك الجيش العراقي والحشد الشعبي في مقاتلة الـPKK في الحروب الجبلية، التي هي من اخطر واعقد الحروب. ومن المحتمل ان يدفع فيها العراق دماء واموالا؟».
دور عراقي استراتيجي
وفي قراءة الشريفي للمشهد، فانه كان على العراق «أن يلعب مع الكبار؛ حيث تحكم روسيا قبضتها على سوريا، ولديها اطلالة على البحر المتوسط. وكان يجب التفاهم مع الروس على مسألتين: الأولى في البعد الأمني والتسليح، والعراق كل خلفيته الثقافية وقواعده وبناه التحتية في المؤسسة العسكرية هي روسية. ثانيا، ان يتم التفاهم مع الامريكان على ان هناك اطلالة عبر البحر المتوسط عن طريق سوريا، والعراق لا يريد المرور عبر تركيا كونها تختلق الأزمات. وللولايات المتحدة اكثر من حليف في سوريا وهناك اطلالة بحرية تمر عبر روسيا، وهذه المسألة يجري على أساسها تفاهم بين روسيا وامريكا ويلعب العراق الدور الأساسي فيها».