يحتفل العالم والأمم المتحدة على وجه الخصوص، اليوم الأحد، بالذكرى 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ويتألّف الإعلان من ديباجة و30 مادة تحدد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تمت ترجمتها من خلال العهدين الدوليين: العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ثم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واللذان يعدان الاساس والإطار العام لهذه الحقوق.

وفي الوقت الذي يحتفل به العالم بهذه المناسبة، لا تزال هناك تحديات كبيرة امام واقع الحقوق الأساسية في العراق؛ فبعد عقدين من الزمن على التغيير فشلت المنظومة السياسية في تعزيز هذه الحقوق وحمياتها، ولم تف بالتزامات العراق الدولية، بل انها اوغلت اكثر في ذلك من خلال عدم الغائها قرارات وقوانين دكتاتورية لا تزال نافذة منذ النظام المباد والى يومنا هذا.

الكرامة والحرية والعدالة للجميع

في بيان تسلمته “طريق الشعب”، قالت الأمم المتحدة إن “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يشدد في ديباجته على أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”.

وقالت أيضا ان “الإعلان يتألف من ديباجة و30 مادة تحدد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحق لنا جميعنا بأن نتمتّع بها أينما وجدنا في العالم، ويضمن الإعلان حقوقنا بدون أيّ تمييز على أساس الجنسية أو مكان الإقامة أو الجنس أو الأصل القومي أو العرقي أو الدين أو اللغة أو أي وضع آخر”.

وخلصت الى القول أن هذه اللحظة بالذات هي “لإعادة إحياء الأمل في حقوق الإنسان لكل شخص من دون أي استثناء، ونعيد في العالم 2023 إحياء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونبين كيف يمكنه تلبية احتياجات عصرنا والنهوض بوعود الحرية والمساواة والعدالة للجميع”.

العفو الدولية: ننتظر إجراءاتٍ لا وعودا

في وقت سابق، قالت منظمة العفو الدولية في رسالة مفتوحة إنه “يجب على حكومة السوداني أن تأخذ مسارًا مختلفًا عن الحكومات السابقة التي أخفقت في ما يتعلق بالعدالة والحقيقة والتعويض، وأن تتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في العراق”

وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، ان المعيار الحقيقي لالتزام الحكومة بحقوق الإنسان ليس في الوعود التي تقطعها، بل في الإجراءات التي تتخذها.

وأكدت أن “شعب العراق يستحق أكثر من مجرد خطب فارغة وحلقات مفرغة من الانتهاكات”، معبرة عن قلقها حيال “عدم تقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم خطيرة مثل الاختطاف والتعذيب والقتل في سياق احتجاجات تشرين الأول 2019 إلى العدالة”.

تراجع واضح

رئيس مجموعة مدافعون لحقوق الانسان الدولية، د. علي البياتي، قال ان “من المفترض على الدولة التي تؤمن بالنظام الديمقراطي ان تتبنى حقوق الانسان وحقوق الفرد، وتجعل من الفرد هو الاساس لإدارة الدولة، وان تكون هذه المنطلقات هي الادوات الحقيقية والفعلية”، مبينا انه “لكي تكون موجودة ومحمية ويرى المواطن والفرد أثرها، فنحن بحاجة الى ادوات وطنية وهي الدستور وصولا الى القوانين المحلية، وثم المؤسسات التي تقوم بتنفيذ هذه القوانين او حماية هذه الحقوق”.

ولفت في حديثه مع “طريق الشعب”، الى ان “هذه الحقوق في العراق لا تزال في حدود الدستور، ولم يتم ترجمتها بشكل حقيقي من خلال قوانين وطنية حقيقية تضمن تنفيذ مواد الدستور”.

وأشار إلى أن “أغلب المؤسسات التي كانت موجودة قبل 2003 تعمل بنفس الالية القديمة. وبالتالي لم تتوفر لدينا آليات وطنية لتنفيذ المواد الدستورية او القوانين ان وجدت”.

واستدرك البياتي بالقول: إن “مفوضية حقوق الانسان والتي من المفترض انها المؤسسة المعنية بحماية هذه الحقوق هي غير فعالة اليوم، ومن جانب اخر فإن منظمات المجتمع المدني التي من المفترض أنها أحد اهم أدوات حماية هذه الحقوق، لكنها تتعرض للتقييد الخاضع للمزاج السياسي”.

ونبّه الى أنه نتيجة لذلك فإن “كل الحقوق والحريات مستهدفة، وهي إمّا منتهكة أو معرضة للانتهاك بسبب عدم وجود ضوابط لحمايتها. والعراق اليوم يعمل بآلية المزاج السياسي، وكل الخطوات سواء تشكيل المؤسسات والمواقع وصولا الى تعاطي الدوائر والقرارات والخطوات التي تتخذ، هي نتاج مزاج سياسي وليست نتاج دستور او اتفاقيات او مبادئ عامة لحقوق الانسان”.

وعن واقع هذه الحقوق قال: “على مستوى الحقوق السياسية نرى ان هناك تعاطيا واضحا مع العناوين الطائفية والقومية والعنصرية والإثنية، وغيرها من الانتهاكات”.

لا مكان للعدالة الاجتماعية

وعلى صعيد الحقوق المدنية، فان البياتي يراها هي الأخرى “مقيدة”، مشيراً إلى أن العراقي يمكن أن يتعرض للقتل بسبب كلمة.

وقال البياتي، “اعتقد أن انتفاضة تشرين وما رافقها من انتهاكات وما طال الناشطين من بعدها، وما يجري اليوم، تشكل أدلة كافية على ان حقوق الانسان في العراق في تراجع. ولو اخذنا الحقوق الاجتماعية فمن الواضح ان العراق الغني بالثروات، نجد نسبة الفقر فيه لا تقل عن 40 في المائة، وهذا يعني ان العدالة الاجتماعية غير موجودة”.

وخلص الى القول ان “النظام السياسي لم يعزز حقوق الانسان في العراق، على الرغم من ان فترة عقدين من الزمن كافية ليكون هناك نضوج مؤسساتي وفي الاليات الوطنية لحماية هذه الحقوق”.

قوانين وقرارات البعث نافذة!

وعن واقع هذه الحقوق من الناحية القانونية، قال الخبير القانوني علي التميمي: ان القوانين العراقية الخاصة بحقوق الانسان وقانون العقوبات العراقي 1969 وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون المرافعات وقوانين اخرى كثيرة، كلها شرعت بحقبة زمنية كان النظام السياسي فيها نظاما دكتاتوريا.

واضاف التميمي في حديث مع “طريق الشعب”، ان “قرارات مجلس الثورة المنحل، لا يزال عدد هائل منها نافذا. وهذا ضرب لحقوق الانسان في الصميم”.

وأردف التميمي بالقول: ان “القاعدة القانونية تقول ان القانون لا يلغى ولا يعدل الا بقانون، والقناة التشريعية الاولى في البلد ـ البرلمان ـ يقع على عاتقها هذه المسؤولية، لإلغاء هذه القوانين وتعديلها بما يتلاءم مع النهج الديمقراطي والتحول في البلاد”.

وخلص الى انه “كان من المفترض خلال 20 عاما ان يأخذ النظام السياسي على عاتقه الغاء هذه القوانين، بقوانين اخرى تعكس وتعزز حقوق الانسان بالعراق، لكن النقاشات التي تجري لتشريع القوانين هي نقاشات سياسية وليست قانونية”.

عرض مقالات: