اخر الاخبار

على ضفاف نهر دجلة نشأت أولى حضارات البشرية، وانطلقت أولى المهن، لكن تلك الضفاف أخذت اليوم تختنق بأطنان من النفايات وتنبعث منها روائح كريهة، بسبب المياه الآسنة ومخلفات المستشفيات والمصانع التي تلقى في النهر دون مراعاة لشيء.

وما يزيد من تفاقم هذه المشكلة، انحسار مناسيب نهر دجلة بسبب نقص إطلاقات المياه من دول المنبع، ما أدى الى هجرة العديد من سكان المناطق الساكنة بمحاذاة النهر، بعد ان تسبب الشح المائي بنفوق حيواناتهم والأسماك، فضلا عن تلوث المياه.

تهديد

تقول الناشطة البيئية نجوان علي: “ترمى يوميا كميات كبيرة من المواد الملوثة في نهر دجلة، وتحديدا بالعاصمة بغداد”، مشيرة الى ان غالبية الجهات الحكومية تتخلص من نفاياتها السامة والكيميائية عن طريقها القائها في النهر، عبر أنابيب”.

وتضيف علي خلال حديث مع “طريق الشعب”، أنّ “هناك أنبوبا يمتد إلى نهر دجلة ترمى عن طريقه المياه الثقيلة في النهر، ونتج عن ذلك حشرات وملوثات كثيرة”، لافتةَ إلى إن “الجفاف الذي تعرض له النهر زاد من سوء الوضع، اذ أصبح جريان المياه الملوثة أبطأ، ما حول بعض المناطق النهرية إلى مستنقع ومصدر للتلوث”.

ودعت نجوان السلطات المعنية الى “حل هذه الأزمة التي باتت تهدد حياة العديد من سكان المناطق المجاورة لنهر دجلة، بالإضافة الى كونها منظراً غير حضاري، ويدل على عدم الاهتمام والاحترام لنهر يمتد عمره لآلاف السنوات، كما كان مصدر الهام للعديد من الأدباء والشعراء داخل الوطن وخارجه”.

وتحتوي بغداد على أكثر من 18 محطة مجار، تلقي بالمياه الثقيلة في نهر دجلة من دون معالجة أبرزها محطتا الكاظمية وماء الكرامة، إضافة الى مؤسسات وزارة الصحة التي ترمي هي الأخرى المخلفات الطبية في النهر، والتي تحمل بأحيان كثيرة ملوثات كيميائية خطيرة.

أضرار مكلفة

من جهتها، تقول مرح إياد، وهي ناشطة بيئية ومتطوعة بحملة سفراء المناخ، إنّ “الجهات الحكومية المعنية لا تعطي أهمية لملف التلوث والبيئة في العراق، الذي يعد الأخطر، خصوصا أن العراق يتعرض إلى موجة جفاف قاسية”.

وتضيف إياد خلال حديثها مع مراسل “طريق الشعب”، إنّ “أمانة بغداد والبلديات ووزارة الصحة جميعها تملك أنابيب من المياه الآسنة تصل لنهر دجلة”.

وتؤكد أن “تلوث المياه ينتج عنه أمراض عديدة أبرزها السرطان والامراض الجلدية المتنوعة والتسمم، فضلًا عن إضراره الكبير بالثروة الحيوانية”.

وتراجعت مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات خلال الصيف الجاري، في عموم محافظات العراق، ما ينذر بجفاف أقسى خلال الصيف القادم، يرافقه ارتفاع معدلات التلوث البيئي في عموم البلاد، فيما تؤكد ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أن البلاد تعاني من “أزمة مياه حقيقية”.

جهود طوعية

وبحسب تقديرات حكومية سابقة، فإنّ الملوحة أصبحت تهدد نحو 54 في المائة من الأراضي الزراعية بالتزامن مع اجتياح التصحر لأكثر من 39 في المائة من الأراضي العراقية خلال العامين الماضيين.

فبعد أن كان دجلة مصدرا مهما للمياه النقية، أصبح اليوم ملوثا، مثل معظم الأنهر الأخرى التي تجري في العراق، حتى إن ضفافه باتت مكبات للنفايات، ومجراه مصبا لمياه الصرف الصحي.

وتتحدث مرح عن حملة سفراء المناخ، قائلة: انها “حملة تطوعية تضم المئات من الشابات والشباب الذي اجتمعوا بحافز شعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم، ولحرصهم على إبقاء نهر دجلة يحتفظ بمكانته”.

وتضيف إن “الحملة تنظم بالتعاون مع وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتهدف الى زيادة الوعي بخطورة تلوث مياه نهر دجلة”.

وتقدر نسبة المياه الثقيلة التي ترمى يوميا بنهر دجلة بخمسة ملايين متر مكعب، وهذه الكميات المهولة من الملوثات تفقد قدرة دجلة الطبيعية على تنقية نفسه، خاصة خلال السنوات الماضية التي كان فيها منسوب مياهه منخفضا جدا.

تقصير

وفي هذا الشأن، يرى الخبير البيئي محمد شاكر ان “ارتفاع منسوب نهر دجلة خلال فصل الشتاء المقبل لا يساعد النهر على إعادة تنقية نفسه، بسبب كمية الملوثات المتواجدة والمستمرة”.

ويصف شاكر حال دجلة الان بأنه “يصارع الموت جراء الجفاف الذي ضرب العراق خلال سنوات”.

ويؤكد خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن “الانحسار الكبير لمياه نهر دجلة جعل التلوث بارزاً على عكس السنوات السابقة، ما تسبب بنفوق كبير للأحياء المائية. كما انه انعكس بشكل سلبي على مياه الشرب، وجعلها غير صالحة”.

وينوه بأن “هذا التلوث يحمل خطرا كبيرا على صحة الإنسان”، مستدركاً بالقول إن “رمي النفايات في النهر هو ممارسة غير مسؤولة، ويتحمله كل الجهات الحكومية والمواطنين؛ إذ بعضهم يرمي النفايات بشكل عشوائي، ومن دون وعي”.

ويشير الى أن هناك ضعفا كبيرا بالتشريعات القانونية التي تحمي البيئة، وتمنع تلوث المياه وهناك تقصير كبير بمسألة محاسبة المقصرين

عرض مقالات: