اخر الاخبار

أقام منتدى “بيتنا الثقافي”، صباح السبت 16 أيلول 2023، جلسة بعنوان: “آليات الانتقال الديمقراطي من دولة الكيانات السياسية الى الدولة المدنية” حاضر فيها عميد كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين، الدكتور عامر حسن فياض، مقدما ايجازات سريعة وشاملة للعديد من القضايا المرتبطة بالديمقراطية، بدءا من الانتباهات التي تثيرها وصولا الى ما آلت اليه الممارسة خلال العقدين الأخيرين.

وقال فياض في مستهل الندوة التي ادارتها الناشطة النسوية سهيلة الأعسم، انه جمع 7 انتباهات عن “الديمقراطية”، مبينا ان “سماع كلمة الديمقراطية قد يثير الكثير من الانتباهات، وقد تصل الى 20 انتباهة”، منوها الى انتباهاته السبع.

مسار معبد بالعراقيل

واضاف فياض، “علينا ان ننتبه الى ان الحديث عن الديمقراطية في العراق لا يمكن ان يؤكدها بشكل مطلق او يلغيها بشكل مطلق، ونسمع دائما من يذهب بعيدا في تأكيدها ومن يذهب ايضا بإلغائها”، مبينا ان “الديمقراطية ليست قرارا او نزوة ورغبة عابرة وانما هي مسار فيه تعقيدات كثيرة وهو مسار معبد بالعراقيل”.

واضاف، ان “الديمقراطية عملية تكوينية بنائية لا يمكن ان تكون صيغة جاهزة تنتقل بنا من مكان الى اخر، وعملية تأسيسية تحتاج الى مستلزمات ولها ابعاد وفيها تراكمية”، مبينا ان “اخطر المخاطر على الديمقراطية هو ان تمارس من قبل غير الديمقراطيين، وليس على مستوى العراق انما على مستوى الكثير من المجتمعات، وطالما انها تفهم على اساس الكثرة فما بالكم ان تكون الكثرة متخلفة؟ المخرج سيكون متخلفا بالتأكيد”، مكملا حديثه “اخطر المخاطر ان يتأتى عليها من ممارستها من قبل غير الديمقراطيين فهي قابلة للاستخدام غير البريء، ولهذا نربط الديمقراطية بكونها مسارا معقدا”.

لا مكان للشعبوية

واشار الى ان “العالم يعيش ما نسميه (الشعبوية) وحسب التجربة التاريخية فان الشعبويات تنتهي الى واحد من مآلين لا ثالث لهما، اما الى الاستبداد أو الفوضى، ولا مستقبل ثالثا للشعبويات”، لافتا الى ان “الديمقراطية لا يمكن عزلها عن 3 اطروحات، سيما في التكوين والاستمرار، وهي: العدالة الاجتماعية والبعد الدولتي والاستقلال”.

وذكر في هذا الصدد، ان “لا حديث عن ديمقراطية في ظل غياب العدالة الاجتماعية، فضلا كذلك عن البعد الدولتي، اذ لا ديمقراطية دون وجود اطار دولتي مؤسساتي دستوري، اضافة الى انه من غير الممكن ضمان الديمقراطية بغياب الاستقلال”.

ونبه الى انه “لا بد ان ننطلق من فهمنا للقوانين الجدلية التي تتحكم ببناء المجتمع المدني من المستلزمات التي تتوزع الى بعد سياسي واقتصادي واجتماعي وضرورة التوقف عند عناصر المجتمع المدني التي تتمثل بالفرد ومواصفاته الخاصة وجماعة خاصة وسلطة سياسية بمواصفات خاصة”.

اطار الدولة المدنية

وأكمل، ان “اي تفكير في بناء اطار دولتي مدني حديث لا بد ان يأخذ في الاعتبار 3 قوانين؛ الأول (الداخل والخارج) قانون تنازع ما بين الارادية الداخلية والخارجية، اذ انه خلال الدولة العراقية العشرينية نلاحظ ان هناك تنازعا ظل مرافقا لعملية بناء الدولة منذ التأسيس والى يومنا الحاضر، احيانا تكون الغلبة للخارجية على الداخلية والعكس، واحيانا تتوازن في عملية البناء”، لافتا الى ان “من يفكر في عملية البناء لا بد ان يأخذ بنظر الاعتبار هذا القانون وهو ليس للحديث المجرد، سيما انه الان اكثر حضورا بسبب العولمة والتداخل والتواصل، وان كل الاحداث البسيطة الداخلية تتحول الى عالمية”.

ولفت الى ان “القانون الثاني هو (التجزئة والتوحيد) اي ان عملية بنائية لدولة حديثة يمكن ان تكون مخرجا لنتائج التجزئة والتوحيد، ففي الدولة العشرينية نلاحظ انه قفزت مشكلات تؤكد عملية التجزئة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عند تأسيس الدولة برزت مشكلة اقتطاع الموصل من العراق واستمر الجدل، واستمر هذا القانون في الدولة العراقية من خلال ما يقتطع لصالح السعودية والاردن وغيرهما، وأتت مؤخرا موضوع الفيدرالية، والتي تعد تقسيما بغياب الديمقراطية، وان الدعوة للفدرلة من غير الديمقراطيين عملية انفصال وتجزئة”.

هوية سياسية مشتركة

وتابع فياض حديثه عن القوانين، مبينا ان “ثالث القوانين هو (الهوية السياسية) والبحث عن هوية سياسية مشتركة، حيث ان معظم المجتمعات متنوعة، وهذا التنوع يفرز هويات قومية ودينية ومذهبية وجغرافية، وتأتي المشكلة في عملة البناء”، مؤكدا ان “الدولة الحديثة تحتاج الى هوية سياسية والباني عليه ان يفكر بهوية مقبولة لا تلغي الهويات الفرعية وفي نفس الوقت لا تختار واحدة من هذه الهويات لتكون سيدة على باقي الهويات”.

ونوه فياض الى مستلزمات عملية بناء الدولة المدنية، “السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية” مشيرا الى ان “حين تريد الانتقال من كيان الى دولة مدنية تحتاج الى عقد اجتماعي، لا بد من اعتماد مبدأ التعددية السياسية والفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية واحترام حقوق الانسان”، مبينا ان “التطبيق العملي يحتاج الى مسار طويل فيه عذابات وتراجعات وتقدم، ويعتمد على الظروف الموضوعية التي تشكل مثل هذه الدولة”.

الاستقرار والتوازن

وبين انه “نحتاج الى اقتصاد يحمل صفتين، الاستقرار والتوازن، وضرورة ان تؤمّن النشاطات الاقتصادية احتياجات المواطن وحفظ كرامته. اقتصاد لا نريد نسبة الانتاج اكثر من الاستهلاك، فيما اقتصادنا الحالي يقوم على الخصوبة الاستهلاكية والعقم الانتاجي وهذا ليس اقتصادا متوازنا”.

وعلى الصعد الاجتماعي، أكد فياض ان “عملية البناء في العراق تحتاج الى الطبقة الوسطى وهي قبة الميزان القادرة على خلق عملية التوازن، وهي فئات ميسورة لا تحتاج الى احد، ولا احد يحتاجها ومن الممكن ان تكون وسيطا بين الاغنياء والفقراء، وهي عادة ما تدفع بأبنائها الى التعلم والتعليم وتتمتع بصفة الاستنارة”.

وفي ما يتعلق بالمستلزم الثقافي، اكد فياض ان “البناء في الثقافة لا يمكن ان تكون مستعجلة، وهو يقوم على غلبة 3 نزعات بالتأثير والسلوك، حيث لا بد أن تكون غلبة للعقلانية على اللا عقلانية، في كل مجتمع من حيث التأثير والسلوك، فضلا عن غلبة النزعة الفردية على النزعة الجماعية في التفكير والسلوك، وليس القصد النزعة البدوية الانانية بل اولوية اختيار الشخص ليس من مذهب وعشيرة ودين، وانما لما يمتلكه من خصائص ذاتية تمكنه من المساهمة في بناء الدولة الحديثة، واخيرا تكون غلبة النزعة العلمانية على النزعة اللا علمانية، بعد ان توصل العقل البشري الى ضرورة الاستفادة من العلمنة ولا يمكن ان تطرح انت ديني ولا ديني، انما تمايز وظيفي بين المؤسسات، وحين نصل الى التمييز بين وظائف المؤسسات تتغلغل هذه النزعة”.

عملية البناء

واوضح استاذ العلوم السياسية، انه “حين تتوفر المستلزمات نحتاج الى بناة، ولا بد ان يتمتعوا بمواصفات خاصة، يكون مكملا لا مصفرا فهي عملية بناء، والقطع والتصفير لن يساعدا في عملية البناء، وان يكون تفاعليا وليس افتعاليا وان يتمتع بثقافة الاستقالة لا الاستطالة، ويعرف كيف يقدم الاكثر اهمية على المهم، ويميز ما بين الاستحقاق الوطني والاستحقاق الجهوي”.

واوضح، انه “حين يتوفر هؤلاء سيواجهون مشكلات، والذي يريد ان يصبح ديمقراطيا عليه ان يعرف انه سيتعامل مع خصوم، فضلا عن ان سد العوز التشريعي في مجال استكمال القوانين الدستورية تشكل عقبة في مسار البناء الديمقراطي”، مبينا انه “لدينا عجز خدمي كبير وتراجع كبير في العديد من المجالات وعزوف عن الاولويات وعشق للماضي وكراهية للمستقبل”.

ولفت الى ان “كل الامم تحترم تاريخها وتستحضر العبر والدروس، ولكن من يستحضر التاريخ عليه ان يغادره، لا ان يعيش فيه ويعتاش عليه وهذه العملية تؤدي الى كره المستقبل”، موضحا انه “لدينا عوق مؤسساتي وهناك مؤسسات مهمة بلا قانون وهناك قوانين بلا مؤسسات”.

هذا ودار بعد انتهاء حديث الدكتور فياض نقاش وحوار وطرحت تساؤلات اجاب عليها السيد المحاضر بشكل تفصيلي، مؤكدا ان الديمقراطية عملية تراكمية.