المقدمة/ عرفتُهُ انساناً، مخلصاً لثقافته، له حضورٌ متميز في المحافل والمهرجانات، ويحمل طاقة ايجابية في التعرّف والتواصل مع الآخر. التقيتُهُ مرّاتٍ في محطات ولقاءات ثقافية، سمعتُهُ شاعراً للقصيدة الفصحى والعامية التي يبدعُ فيها أكثر. في أمسية السبت من أماسي (منتدى المحاويل الثقافي) قدّمَ الشاعر (طارق حسين) نفسه شاعراً لقصيدة الطفل وهذه اضافة لمواهبه وفنونه، وهي معلومة أخرى لي.
قصيدة الطفل الأولى-عصر الحضارات-/
(ديلي لول / يالولد ياابني دلول/ عدوّك عليل/ وساكن الجول).
هناك بعض الآثاريين يُرجعُ البدايات الأولى لقصائد الطفل الى العهد السومري وما كانت تقوم به الأم السومرية من تنغيم وتهويدات لطفلها كي ينام وعبارة (ديلي لول) من المفردات السومرية المعجونة في لغتنا العربية (سواء العامية أو الفصحى) فمعنى كلمة (ديلي لول ) كما يشير اليه عالم الآثار السويدي (المصدر : “معجم اللغة السومرية”_ أكي ولدمر سوبيرغ” عالِم الآشوريات السويدي الشهير والأستاذ المختص باللغة السومرية بجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية) :
(ديلي) : مقطع سومري يعني الوحيد والفريد والمميَّز الذي لا مثيل له، (لول): التربيت بحنان وبدافع الحُب. فيكون المعنى الأساسي من هذه العبارة المتوارثة منذ آلاف السنين عبر الاجيال في بلاد الرافدين هو :
يا صغيري الوحيد والذي لا يماثلهُ طفل آخر ، أُمّك تربِّت بكل حنان على ظهرك لتنعم بالنوم الهادئ. ). وهناك الكثير من التراتيل الدينية والتعويذات التي كشفتها اللقى قي مختلف الحضارات الانسانية، تؤكد وجود أهمية في رعاية الطفل وتربيته ونشأته.
قصيدة الطفل في تراثنا العربي/ من تراثنا العربي والاسلامي نستحضر البذرة التي نمت بعدما انتقلت عبر العصور، والتي شكلت ذخيرة للأدب بأنواعه.
استخدام الرجز : يقولُ الدكتور صفاء خلوصي في كتابه(د. صفاء الخلوصي ، فن التقطيع الشعري و القافية ، 1966).
الرجز لغةً : الاسم ( رجز ) و هو ضرب البعير بين فخذيه للقيام .. كما انه مرض يصيب الناقة فترتعش أرجلها و تتقارب و سمي الرجز الشعري وفقا لتقارب أجزائه و قلة حروفه .
الرجز اصطلاحا :هو فن من فنون الشعر العربي و يطلق عليه ( مطية الشعراء ) لسهولة نظمه و سرعته و لخفته ، و يعتبره بعض النقاد الانطلاقة الابتدائية للشعر العربي .
سبب التسمية :ان تفعيلة هذا البحر الشعري هي ( مستفعلن مستفعلن ) ، و بها تتوالى الحركة و السكون ثم الحركة و السكون و هو ما يشبه سير الناقة بتثاقل و رعشتها حيث تسير وتسكن حتى تسمى بالرجزاء لفعل ذلك .
قيل بأن اصل الشعر رجزا ، و أن فحول شعراء الجاهلية كانوا في بدايتهم راجزين كالمهلهل و أمرؤ القيس . و اعتبار أن بداية الشعر رجزا يعززه المنطق القائل بان سهولة الكلمات تديم تواصلها بين الناس ، و لا أبالغ لو وصفت الأرجوزة عند العرب قديما كالشعر الشعبي عندنا حاليا ، فالتعقيد باستخدام الكلمات و الصعبة يبعدها عن مخازن الذاكرة . لقد لقي فن الأرجوزة عناية كبيرة في العصر الأموي ، و ظهر كشعر تعليمي في اللغة العربية ، و قد انبرى لهذا الفن مجموعة من شعراء العصر الأموي كالعجاج و ابن رؤبة ، و يرى الدكتور شوقي ضيف ( في كتابه : العصر الجاهلي من تاريخ الأدب العربي ) أن فن المقامة في العصر العباسي تولد من فن الأرجوزة في العصر الأموي . و يتميز فن الارجوزة بأن عباراته قصيرة ، و أقرب الى الغناء ، و يسهل على القارئ و السامع حفظه ، كما يتميز بتقطيع العبارات و الجمل الاعتراضية .
وعلى هذا الاساس فإن الإرجوزة مدرسةٌ تعليمية، حيث توخّى معظم علماء العرب والمسلمين وضعَ علومهم على شكل ارجوزة لسهولة الحفظ وقابليتها على التنغيم ولقصر عباراتها واستخدام المفردات البسيطة المفهومة.
والأمهات المسلمات في بقاع الأرض (من خلال التراث الفكري الاسلامي) استمرت معهن وتجذرت تنويمات وتهويدات الطفل، الهدهدة والترقيص، وفيها من التعويذات وذكر، ما له صلة بالإلهي والمقدس، ومن الأنبياء والأولياء الصالحين..
ومن خلال هذا السرد التاريخي السريع، نقتطفُ حقيقةً، أن أغلب ما قيل في الطفل من نصوص، لكاتب مجهول، تتناقل الأجيال الكلمات دون ذكر للكاتب أو المؤلف.
الحاضر والطفل:منذ خمسينات القرن العشرين، بدأت تباشير قصيدة الطفل الجديدة، وتكاد (الحلة) محافظة بابل تتسيّد الموقف، إذ انبرى لها (باقر محمد محمود سماكة الربيعي)، ومن قصائده( البلبل الفتّان/ عندي خروفٌ ابيضُ/ تعالَ ياسميرُ/ ..) وكذلك الشاعر محمد الوادي، ومن شعراء قصيدة الطفل الذي يمكن عدّهم (على سبيل المثال لا الحصر)، سليمان العيسى، فاروق سلوم، عبد الرزاق عبد الواحد،سعد جاسم، وغيرهم من الشعراء.
لماذا أدب الطفل والقصيدة تحديداً؟
من أخطر وأصعب أنواع وأشكال الكتابة في الآداب العالمية أجمعها، أن تكتبَ للطفل، لأنك تحتاج الى مؤهلات وشروط خاصة في كيفية وطريقة توصيل الرسالة، حسب فئة عمرية تحمل ما تحمل من عناصر الذكاء والبحث والسؤال في كل شيء، ومحاولة استكشاف عوالم جديدة تظهر أمامه أو في خاطره.
وهذا ينعكسُ ايضا على المسرح والموسيقى والرسم والفنون السمعية والبصرية الأخرى، لا تقتصر على النّص بأي شكل كان.
وكانت أخصب فترة مرت في هذا الأدب والفن، بداية سبعينات القرن الماضي، أيام تأسيس واصدار مجلّتين مختصة بالطفل هما (مجلتي والمزمار) وما تلاها من اصدارات لدواوين شعرية وقصص وحكايات محلية ومترجمة.
طارق حسن والطفل/ بينما تقرأ لـ (طارق حسين) كأنك تقرأ روحية طفل، واحاسيسه، حيث تتماهى في ذاته لتكوّن لغةً وموسيقى أدوات لإيصال الرسالة، كونه اعتمدَ في احساسه قبل كل شيء، صدق المشاعر، وما يمتلك من ثقافة، وفوقها جميعا، مناصرته للسلام والحرية، ولغدٍ أفضل.
ومن أشعاره : - بالعلم والعمل
(أجل أجل/ بالعلم والعمل/تزدهر الشعوب/وترتوي القلوب/بنسمة الأمل...)
ونص آخر: (- عصفور الحرية):
(الصياد : عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة ./
العصفور :تبا لتلك اليد التي تفضي إلى مقبره .).
وفي اللغة العامية: (المدرسة ):
(هيا بنا للمدرسه/ نقره علوم الهندسه/هيا بنا يولاد / نرسم وجه بغدادبين الحقول المشمسه.) في هذه النصوص تقرأ روحاً وثّابة مؤمنة بقضية وتترجمها بأشكال وألوان من الكتابة والفن، تراه بسيطة كنسمة، عميقة المعاني ودلالاتها لم تكن مخفية، يختار القافية واللون الشعري والكتابي بما يتلائم مع الموضوع. وكذلك تستشف لغة الحوار وطريقة ادارته في النصوص.
الشاعر (طارق حسن) سيظل حاملاً راية قصيدة الطفل حتى في كتاباته الشعرية للكبار، فيها الحبكة، والمنولوج، والقفلات التي يجعلها نواعيره التي تستفز الآخر ليكون حرفه جمرةً وزهرة.