يحتفل العالم سنويا في العاشر من كانون الأول باليوم العالمي لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تتواصل فيه انتهاكات حقوق الانسان على المستوى المحلي.
وحمّل عدد من ناشطي حقوق الانسان القوى السياسية الحاكمة مسؤولية تدهور هذا الملف، نتيجة لعدم التزام العراق بالاتفاقيات الدولية، واستمرار الافلات من العقاب.
تقرير مفزع
وأظهرت مؤشرات نشرتها مفوضية حقوق الإنسان المستقلة في العراق، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، ارقاما واحصائيات مرعبة لأوضاع العراقيين، خاصة في مجال الحريات والحقوق.
ولفت مؤشر مفوضية الحقوق إلى وجود 5 ملايين يتيم يمثلون نحو 5 في المائة من أجمالي الايتام في العالم، الأمر الذي يعكس حجم الخسائر البشرية والمآسي الإنسانية التي خلفتها أعمال العنف والحرب ضد الإرهاب على سكان البلاد وخاصة الأطفال منهم.
مليون طفل في سوق العمل
ولم تتوقف الإحصائية الحقوقية عند حدود فقدان الأطفال لآبائهم، بل كشفت أيضاً عن انخراط مليون طفل في سوق العمل، بالنظر لحالة العوز التي تعاني منها العوائل الفقيرة، إلى جانب وجود 45 ألف طفل بلا أوراق ثبوتية رسمية، نتيجة لانتماء آبائهم لتنظيم (داعش).
كما أشارت إلى وجود 4 ملايين ونصف مليون طفل ترزح عوائلهم تحت خط الفقر. وهناك 5000 شكوى مقدمة على خلفية العنف الأسري.
البطالة والفقر
وبحسب إحصاءات المفوضية المتعلقة بحياة المواطنين وأمنهم وحرياتهم، فإن مؤشراتها سجلت نسبة فقر 25 في المائة من مجموع السكان، بضمنهم إقليم كردستان، ونسبة بطالة تقارب الـ14 في المائة.
وسجلت مقتل 596 مواطناً بسبب أعمال العنف، فيما بلغ عدد المواطنين المفقودين 8 الاف مفقود منذ عام 2014، وأشارت المفوضية إلى أن السلطات العراقية لم تقم بواجبها حيال هؤلاء المفقودين واسرهم، لجهة إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة مصيرهم، أو تعويض عوائلهم ماليا. ومعظم حالات الفقد والتغييب هي في المحافظات التي احتلالها «داعش» بعد عام 2014.
وأشار مؤشر المفوضية إلى اعتقال 10 ناشطين وصحافيين.
حالات تعذيب
وأكدت المفوضية تلقيها 900 شكوى تتعلق بحالات التعذيب وسوء المعاملة في السجون من دون أن تقوم السلطات بالتحقيق.
أما في مجالي التعليم والصحة، فقد كشفت المؤشرات عن واقع مرير يعانيه الطلاب في المدارس من خلال حاجة البلاد إلى 8000 مدرسة، وكشفت عن ان نسبة التسرب وترك الدراسة بلغت 73 في المائة من اجمالي المراحل الدراسية وضمنها الكليات والجامعات (الابتدائية: 91%، المتوسطة: 36%، الثانوية: 18%، الجامعات 14%).
وذكر إحصائية المفوضية عن وجود 1000 مدرسية طينية (مبنية من مادة اللبن).
الصحة والسكن
وفي المجال الصحي، كشفت عن مقتل 175 وإصابة 150 في احتراق مستشفى ابن الخطيب في بغداد، ومستشفى الحسين في الناصرية المخصصين لعزل المصابين بفيروس كورونا.
وذات المؤشرات القاتمة امتدت لتشمل مجال السكن والعشوائيات، حين أكدت المؤشرات حاجة البلاد إلى 3 ملايين ونصف المليون وحدة سكنية للتغلب على أزمة السكن الخانقة، وتحدث أيضا عن 4000 مجمع عشوائي يسكنها نحو نصف مليون أسرة، تتركز معظمها في العاصمة بغداد بواقع 1022 مجمعا، و700 مجمع في محافظة البصرة الجنوبية الغنية في النفط، علما ان اجمالي مداخيل النفط العراقي الذي يصدر معظمه من هذه المحافظة بلغ نحو 8 مليارات دولار أمريكي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طبقا لإحصاءات شركة «سومو» النفطية.
وفي مجال النقل، ونظرا لسوء حالة معظم الطرق الخارجية وعدم فاعلية الرقابة المرورية، سجل مؤشر المفوضية وقوع 8286 حادثا مروريا، تسبب بوفاة 2152 مواطنا.
يشار إلى أن إحصاءات ومؤشرات مفوضية حقوق الإنسان، جاءت بعد أيام من عودة أعضاء مجلسها إلى ممارسة مهامهم بعد أن أقدم البرلمان العراقي قبل انتهاء دورته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى إيقافه من «دون سند قانوني». لكنها استأنفت عملها مجدداً منذ أيام، بعد أشهر عدة على إيقافها إثر انتهاء ولاية أعضائها البالغة أربع سنوات.
لا أولوية لحقوق الانسان
ويقول علي البياتي عضو مفوضية حقوق الانسان لـ“طريق الشعب”، ان «هناك تصنيفا للحقوق السياسية والمدنية ويوجد تصنيف للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكل هذه الحقوق في تراجع، ولا نستطيع القول ان من اولويات المؤسسات في العراق حماية هذه الحقوق».
ويضيف ان «الدستور العراقي كفل المساواة بين العراقيين بالحقوق والحريات ولا تمييز بينهم، بينما نرى انه مع بداية تأسيس السلطة منذ 2003 وحتى الان ان الدولة تعتمد على آليات تمييزية حيث ان السلطات في البلاد موزعة بين المكونات، وهذا مخالف لنظرية مناهضة التمييز التي اقرها الدستور».
ويؤكد البياتي، ان «المؤسسات العراقية ما تزال منذ عام 2003 تعمل بآليات تقييدية وبيروقراطية تجعلها غير قابلة للاستجابة للاتفاقيات الدولية ومبادئ الدستور العراقي، بالتالي فإن حقوق الانسان ليست من أولويات المؤسسات الحكومية، كل هذا نتيجة لنهج المحاصصة الطائفي وسوء الإدارة الذي يهيمن على الدولة».
وتابع ان «الاقتصاد هو المحرك لكل العملية السياسية والذي يكفل توفير حقوق المواطنين، لكنه في الواقع لم يقدم ما مطلوب منه على اعتبار انه يعتمد على الريع النفطي الذي يوفر فقط التوظيف الحكومي ويهمل توفير العمل في باقي القطاعات التي هي جزء من الحقوق الاقتصادية للمواطنين»، منوها الى «عدم توفر حقوق اخرى مثل الصحة والتعليم والنقل والسكن».
العراق في الصدارة
بدورها، تشير الناشطة في مجال حقوق الانسان بشرى العبيدي الى ان «العراق يتصدر قوائم الدول الأشد انتهاكاً لحقوق الانسان، ودائماً ما تؤشر التقارير الدولية لحقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة، عدم التزام العراق بالاتفاقيات التي صادق عليها»، مبينة ان «توصيات الامم المتحدة بشأن حقوق الانسان تضعها الحكومات ضمن الاهتمامات الثانوية، وهذا ما تؤكده البرامج الحكومية».
وتكشف العبيدي في حديثها لـ“طريق الشعب” عن «عدم اشارة المنهاج الحكومي للحكومة الحالية الى موضوع حقوق الانسان مطلقا»، مبينة ان «العراق فقد منصب نائب رئيس مجلس حقوق الانسان العالمي، بسبب القمع الذي تعرض له المحتجون في تشرين».
وتؤكد الناشطة ان «العراق بلد متخم بالتشريعات، لكن تطبيقها يواجه خللاً كبيراً، نتيجة لسيطرة الأحزاب المتنفذة على مقاليد الحكم ومؤسسات الدولة، واستخدام نهج المحاصصة في تعيين مدراء المؤسسات، ما جعل تلك المؤسسات غير قادرة على الالتزام بالاتفاقيات التي صادق عليها العراق»، مشيرة الى ان «السلطة القضائية تحاول ان تطبق المتاح من القوانين النافذة للتصدي لهذه الانتهاكات، لكن هناك انتهاكات غير مغطاة بقوانين مثل الاختفاء القسري او الانتهاكات ضد المرأة والطفل».
الافلات من العقاب
من جهتها، تقول النائبة السابقة والمدافعة عن حقوق الانسان ندى الجبوري، ان «حقوق الانسان هي سلوك مجتمعي يجب ان تعمل عليه مؤسسات التعليم في العراق»، معربة عن أملها في أن تكون حقوق الانسان «ضمن الأولويات السياسية، من أجل تحقيق الرفاهية الإنسانية».
وتعتقد الجبوري ان «تعطيل مفوضية حقوق الانسان في البلاد هو نتيجة لكون هذه الحقوق ليست ضمن أولويات العمل السياسي»، مؤكدة ان «الإفلات من العقاب احد أسباب استمرار انتهاكات حقوق الانسان في البلاد».
سلوك مترسخ
الى ذلك، يقول رئيس مؤسسة الحق لحقوق الانسان، عمر فاضل: ان «انتهاكات حقوق الانسان في العراق هي ضمن سلوكيات الافراد، وهو شيء مترسخ منذ زمن؛ فالتعذيب على سبيل المثل هو جزء من عمليات التحقيق في العراق»، مشيرا الى ان «بعض الانتهاكات لها حاضنة اجتماعية، فضلاً عن غياب الجدية من القبل الجهات المعنية في مواجهة هذه الانتهاكات».
ويضيف لـ“طريق الشعب” ان «الاختفاء القسري احدى المشكلات الكبيرة التي تواجه العراق، فضلاً عن ارتفاع عدد قرارات الإعدام، وهذا القرارات في بعض الأحيان هي في محل شك لعدم نزاهة التحقيق احياناً. وعدا ذلك ما تزال ازمة النازحين تراوح في مكانها».
يُذكر ان العراق سبق ان وقع على عدد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان وابرزها: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد المدني الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، اضافة الى الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة اشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة اشكال التعذيب، والاتفاقية الدولية للحد من الاختفاء القسري، واتفاقية حقوق ذوي الإعاقة.