"ما أن تطأ قدماك مبنى المستشفى وتشاهد الأعداد الكبيرة للمراجعين والزحام الشديد على غرف الأطباء الاختصاصيين - وهي مرقمة بالتسلسل من ١ الى اكثر من ٢٠ غرفة - حتى تطغى الغشاوة على عينيك وتشعر بالإحباط الشديد مما ستعانيه في قادم الأيام. فالمسألة ليست بالأمر الهين واخذ موعد من احد الأطباء لا بد أن يمر عبر سلسلة طويلة من المراجعات والتأجيل. إذ تبدأ الخطوة الأولى بمرورك على غرفة (لجنة المواعيد)، ولمجرد أن يخبروك باسم الطبيب الاختصاصي الذي يُفترض بك مراجعته، سيطلبون منك العودة بعد 3 اسابيع لإكمال خطوة الألف ميل"!
بهذه الكلمات يبدأ الكاسب أبو أحمد حديثه لـ"طريق الشعب"، عن تجربته العلاجية في "مستشفى ابن الهيثم" التعليمي للعيون في بغداد.
ويضيف قوله: "في هذا المكان تبدأ رحلة المواعيد والعذاب. حتى تُجرى لك العملية، عليك ان تنتظر وقتا طويلا وتتابع موعدا مؤجلا باستمرار، لا يقل عن سنة، كما هو مثبّت في جدول المواعيد"، مبينا أنه "أقف في طابور طويل كي ادخل الى غرفة الطبيب الاختصاص وأخضع للفحص. يصطف أمامي العشرات من المراجعين، معظمهم من الفقراء الذين لا قبل لهم بأسعار أطباء القطاع الخاص والمستشفيات الأهلية".
ويعتبر "مستشفى ابن الهيثم"، المؤسسة الصحية الحكومية الوحيدة في العراق، المتخصصة في علاج أمراض العيون وجراحتها. وبالرغم من أهميته، إلا أنه يعاني مشكلات عديدة ويواجه تحديات تؤثر على عمله، ومنها الازدحام الشديد الذي يشهده باستمرار بسبب كثرة أعداد المراجعين مقابل الطاقة الاستيعابية الضعيفة للمستشفى، ما يتسبب في إرباك إداري ويؤثر على جودة الخدمات.
ويرى مراقبون أن هذا المستشفى، كي يتمكن من تقديم خدماته بشكل انسيابي، يحتاج إلى توسعة وتطوير في البنى التحتية والمستلزمات والأجهزة الطبية والعلاجات، مشددين على أهمية بناء مستشفى مماثل في جانب الكرخ من بغداد كي يمتص قسما من الازدحام الشديد في "ابن الهيثم"، فضلا عن بناء مستشفيات متخصصة في طب العيون في بقية المحافظات.
ومن خلال مشاهدات مراقبين ومواطنين، فإن هناك فرقا واضحا بين طموح أطباء المستشفى - وجلهم من الكوادر الطبية الجيدة - والواقع الصحي البائس، الذي لا يقتصر فقط على هذه المؤسسة، بل ينسحب على معظم المؤسسات الصحية. فيما يشكل ضغط المراجعين الذين يأتون إلى "ابن الهيثم" من مختلف محافظات البلاد، إرباكا شديد في عمل الكوادر الطبية، الأمر الذي يتعارض علميا وعمليا مع وظيفة هذا المرفق الصحي المهم.
معاناة كبيرة
من جانبه، يتحدث المواطن أحمد الغزي عن "معاناة كبيرة لا يمكن وصفها" يواجهها خلال مراجعته "مستشفى ابن الهيثم"، موضحا لـ"طريق الشعب" أنه بالإضافة إلى الازدحام الشديد وتأخر المواعيد، يعاني المستشفى قلة الكادر الطبي المتخصص.
فيما يلفت إلى أن قاعات الانتظار "خانقة بائسة، لا يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة للمراجعين، ما يضطر الكثيرون منهم، وفي ضمنهم كبار سن ومرضى، إلى الانتظار في الحديقة، وحتى في الشارع خارج مبنى المستشفى"!
جشع طبي!
في السياق، تنقل "طريق الشعب" عن مريض طلب عدم ذكر اسمه، القول أن "مشكلة هذا المستشفى لا تكمن فقط في نقص الأطباء وضعف البنى التحتية، إنما في جشع بعض الأطباء. فلمجرد أن تخبرهم بأنك تريد إجراء عمليتك في الجناح الخاص، تزول العوائق أمامك، ويُحدد لك موعد قريب"، مشيرا إلى أن "أجور الجناح الخاص في (ابن الهيثم)، أقل مما في مستشفيات القطاع الخاص. فمثلا يبلغ معدل أجر إجراء عملية العين البسيطة في جناح المستشفى الخاص، نحو 400 ألف دينار، بينما يصل الأجر في المستشفيات الأهلية إلى مليون دينار. وهذا فرق كبير. وبالرغم من ذلك، تبقى تكاليف العمليات مرتفعة، لا يقوى عليها الفقراء وذوو الدخل المحدود، ما يضطرهم إلى التوجه للجناح العام، وتحمّل فترات انتظار طويلة قد تسبب لهم مضاعفات صحية خطيرة".
فحوصات وسط الفوضى!
أم خالد، امرأة مسنة تراجع المستشفى برفقة ابنها. ولأنها تعاني مشكلات في النظر، تكاد تسقط على الأرض وهي تشق طريقها بصعوبة بالغة بين المرضى المزدحمين للوصول إلى غرفة الطبيب.
يقول ابنها خالد لـ"طريق الشعب" أن "النظام في المستشفى يبدو مفقودا، وعلى المسؤولين هناك أن يجدوا حلا لهذه المأساة". ويتساءل: "كيف يستطيع الطبيب ان يفحص المراجعين بدقة، ويشخّص حالاتهم المرضية ويصف لهم العلاجات وسط غرفة مكتظة خانقة؟!"، مستغربا من "تجمع المرضى حول جهاز فحص العيون بينما يُجرى فحص لمريض واحد". ويشير إلى أن "كثرة أعداد المراجعين، وما يسببه ذلك من فوضى، يُربك عمل الأطباء. والغريب في الأمر، هناك من المرضى مَن يجلب معه أكثر من مرافق، وبعضهم يجلب أطفاله وكأنه خارج في نزهة"!
سوء التوزيع الجغرافي للمستشفيات التخصصية
لا تنكر الكوادر الطبية مشكلة ضعف القدرات الاستيعابية للكثير من المستشفيات التخصصية في البلاد. وفي هذا الصدد يقول الطبيب د. واثق عبد القادر، أن "مستشفياتنا كانت وما زالت تعاني اختناقات شديدة. إذ ان طاقاتها الاستيعابية محدودة، تضاف إلى ذلك محدودية الأجهزة الطبية وسوء التوزيع الجغرافي لتلك المؤسسات، حيث يتمركز معظمها في العاصمة".
ووفقا لمراقبين، فإنه يتطلب من الجهات المعنية السعي الجاد إلى تحقيق الهدف الأساس من المؤسسات الصحية، عبر تطوير بناها التحتية بما يتناسب والكثافة السكانية لكل منطقة، لا سيما أن الكثير من مباني تلك المؤسسات متقادم ومتهالك، وبعضه آيل للسقوط.
ويشعر المواطنون بوجود تقصير حكومي واضح تجاه القطاع الصحي، رغم اهميته الكبيرة. ويرى كثيرون أن بناء المزيد من المستشفيات ليس أمرا بطرا أو حاجة كمالية، إنما ضرورة ملحة، خاصة أن الكثيرين من أبناء الشعب يعانون أمراضا مزمنة، ومنها أمراض العيون.