اخر الاخبار

مع تسارع دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجالات العمل في العراق، يزداد القلق بين أوساط العمال حول مستقبل وظائفهم، خصوصاً في القطاعات التي تعتمد على المهام اليدوية أو المتكررة. ففي غياب سياسات حكومية واضحة لتنظيم هذا التحول، يواجه كثير من العاملين مخاوف حقيقية من الإقصاء أو فقدان مصادر رزقهم، وسط تغير سريع في طبيعة سوق العمل.

ويرى خبراء أن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يقدمه من فرص لتطوير الأداء وزيادة الكفاءة، قد يتحول إلى أداة لتقليص الوظائف بدل خلقها، إذا لم يُرافقه وعي مجتمعي وتشريعات تحمي حقوق العاملين.

نظام في اتخاذ القرار

وقال المختص في الأمن السيبراني حسين السعيدي، إن "الحديث عن الذكاء الاصطناعي بات يأخذ مساحة واسعة، خاصة بعد دخوله في مجالات متعددة كالتعليم، الطب، البرمجة، وحتى الصحافة". وأكد السعيدي أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أصبح نظاماً يشارك في اتخاذ القرار أو دعمه، ما يخلق تأثيرات واسعة النطاق على سوق العمل والمجتمع.

وأضاف السعيدي لـ "طريق الشعب"، أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لتطوير الأداء وتسريع الإنجاز وتقليل الأخطاء، خاصة في البيئات التقنية والطبية. كما أنه يمكن رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة من المنافسة في سوق تهيمن عليه الشركات الكبرى، فضلاً عن خلق وظائف جديدة في مجالات مثل تطوير الأنظمة الذكية وصيانتها".

وأردف "لكن، في المقابل، هناك من ينظر إلى هذه التكنولوجيا باعتبارها تهديداً حقيقياً، خاصة للوظائف التي تعتمد على المهارات الروتينية أو اليدوية. ويخشى البعض أن تؤدي زيادة الاعتماد على الأنظمة الذكية إلى فقدان عدد من فئات المجتمع لفرص العمل، لا سيما أولئك الذين لا يمتلكون المهارات الرقمية الكافية".

وبيّن ان "القلق لا يتوقف عند مسألة البطالة، بل يمتد إلى قضايا أكثر تعقيداً مثل التفاوت الرقمي بين الأفراد، واحتمالات الاستخدام غير الأخلاقي لهذه التكنولوجيا، سواء في المراقبة أو التلاعب بالمعلومات".

وفي ظل هذا الواقع، نوّه السعيدي بأن "العراق يمتلك طاقات شبابية كبيرة، وعقولا قادرة على التأقلم مع التحولات التكنولوجية"، مؤكدا أهمية التوعية والتوجيه، ليس فقط من خلال سياسات حكومية، بل عبر المناهج التعليمية في المدارس والجامعات.

واختتم السعيدي حديثه قائلاً ان "الذكاء الاصطناعي ليس عدواً، لكنه يحتاج إلى إدارة ذكية كي لا يتحول إلى عبء على المجتمع".

تحديات جدية

بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل في العراق، ذكر علي محمد، ناشط في قضايا العمال، "إننا نواجه تحديات جدية تتعلق بمستقبل العمال في العراق، خاصة في القطاعات التي تعتمد على العمل اليدوي أو المتكرر"، لافتا إلى وجود "مخاوف حقيقية من أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى تقليص فرص العمل، لا سيما في ظل غياب سياسات حكومية واضحة لحماية حقوق العاملات والعمال، وتأهيلهم لمواكبة التحول الرقمي".

وأضاف لـ"طريق الشعب"، أنّ "العراق بحاجة ماسة إلى وضع خطط استراتيجية شاملة تضمن انتقالًا عادلًا نحو استخدام الذكاء الاصطناعي، دون المساس بكرامة وحقوق الطبقة العاملة. يجب أن تركز هذه الخطط على التدريب المهني، وتحسين البنية التحتية للتعليم، وضمان الحماية الاجتماعية للعمال الذين قد يتأثرون بفقدان وظائفهم".

واختتم بالقول ان "نحن لا نعارض التطور التكنولوجي، بل ندعو إلى أن يكون الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية، لا أداة لتكريس التفاوتات الاقتصادية والإقصاء من سوق العمل".

تأثيرات متسارعة

وتحدث زيد عمر، الخبير في الأمن السيبراني، عن تأثيرات متسارعة تشهدها الساحة العراقية في ما يتعلق باعتماد الذكاء الاصطناعي، خاصة منذ بداية عام 2025، مشيرا إلى أن التحول الرقمي بدأ يأخذ منحى أكثر جدية في العراق، سواء من جانب الشركات أو الأفراد، لا سيما في مجالات العمل والدراسة.

وأوضح عمر لـ "طريق الشعب"، أن "هذا التحول، رغم الفرص الكبيرة التي يتيحها، بدأ يثير القلق لدى العديد من الموظفين، وخصوصا من يعملون في وظائف تقليدية تعتمد على المهام المتكررة، مثل الترجمة والتحرير، حيث أصبحت هذه الوظائف مهددة نتيجة اعتماد الأفراد والشركات على أدوات الذكاء الاصطناعي، المجانية منها والمدفوعة".

وبيّن أن عددا من مكاتب الترجمة في بغداد، أربيل، والبصرة، شهدت تراجعا في الطلب على خدماتها بنسبة تزيد على 35 في المائة خلال عام واحد، بحسب دراسات محلية، بينما تأثر نحو 15 في المائة من العاملين في مجال الترجمة والتحرير بشكل مباشر.

وعلى صعيد المهارات الرقمية، أشار عمر إلى نتائج مسح وطني أظهر أن أقل من 20 في المائة من موظفي القطاع العام يمتلكون مهارات رقمية متوسطة أو متقدمة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإقصاء في حال تسارعت وتيرة التحول إلى العمل المدعوم بالذكاء الاصطناعي.

وأضاف أن "الذكاء الاصطناعي بدأ يشق طريقه إلى القطاع الخاص بوضوح، حتى في مهام مثل كتابة المحتوى وتصميم الصور، ما جعله منافسا مباشرا لمصممي الجرافيك، المترجمين، كتاب المحتوى، وصانعي الفيديوهات".

ووفقا لمحادثات أجراها مع شركات عاملة في المجال، فإن 40 في المائة من العاملين في هذه الوظائف تأثروا بالفعل بفعل هذا التحول على مستوى العراق والعالم.

وأشار عمر إلى غياب القوانين الواضحة في العراق التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، محذرا من أن هذا الفراغ القانوني قد يؤدي إلى حالات فصل تعسفية دون وجود حماية قانونية للعاملين، لاسيما أن الشركات تمتلك السلطة الكاملة في قرارات التوظيف أو الاستغناء عن الموظفين.

عرض مقالات: