اخر الاخبار

تشهد محافظة ديالى، خلال السنوات الأخيرة، تصاعدًا لافتًا في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، وسط تحذيرات من ناشطين ومختصين بالشأن الصحي من تفشي الظاهرة على نحو غير مسبوق، وغياب المعالجات الجذرية من قبل الجهات الحكومية المعنية.

عوامل بيئية وصحية

وتشير الإحصائيات إلى تسجيل أكثر من 1000 إصابة سنوية، حيث تؤكد شهادات محلية وجود عوامل بيئية وصحية تسهم في هذه الكارثة، على رأسها الطمر العشوائي وتلوث الهواء ونقص الإجراءات الوقائية.

وتتزامن هذه التحذيرات مع مطالبات نيابية بإجراء تحقيقات علمية للكشف عن مسببات هذه الإصابات، لا سيما في المناطق التي سجلت نسبا مرتفعة من المرضى، في وقت يواصل فيه مركز الأورام في ديالى تقديم خدمات علاجية.

ارتفاع مقلق في معدلات الإصابة

 الناشط المدني سيف علاء، أحد المتطوعين في دعم مرضى السرطان بمحافظة ديالى، واحد المحاربين، قال إن أعداد المصابين بهذا المرض في المحافظة سجلت ارتفاعا مستمرًا ومقلقاً خلال السنوات الأخيرة، مرجعاً ذلك إلى عوامل متعددة صحية وبيئية.

وقال علاء لـ "طريق الشعب"، أن "مرض السرطان هو نمو خلايا خارجة عن سيطرة الجسم، ما يؤدي إلى تعطيل عمل الخلايا السليمة".

وأضاف أن هذا المرض قد يصيب جميع أعضاء الجسم، إلا أن هناك عوامل مختلفة تسهم في تنشيط الخلايا السرطانية، منها الفيروسات، والاستعداد الوراثي، فضلاً عن التعرض لبعض الملوثات البيئية.

وفي استعراضه للإحصائيات، أفاد علاء بأن محافظة ديالى سجلت قرابة 400 إصابة جديدة بالسرطان عام 2016، بحسب مفوضية حقوق الإنسان، فيما تجاوزت الإصابات حاجز 600 حالة في سنوات لاحقة، ليصل الرقم إلى أكثر من 1100 إصابة سنوياً بحلول عام 2024، بحسب البيانات الأخيرة.

وتطرق علاء إلى التحديات البيئية، مشيراً إلى أن من بين أسباب تفشي المرض في ديالى الطمر الصحي العشوائي في ناحية كنعان، والذي يتسبب بحسب قوله بأمراض متعددة، منها التهاب الرئة الحاد، وأمراض جلدية مزمنة، وليس السرطان فقط.

وأشار إلى أن مركز الأورام في ديالى ما زال يوفر علاجات أساسية بالمجان، رغم ما وصفه بـ "الانقطاعات المؤقتة لبعض الأدوية المهمة بسبب عدم توفيرها من قبل وزارة الصحة"، معتبراً ذلك أمراً وارداً لكنه يتطلب إدارة مستمرة وضمان البدائل.

واختتم سيف علاء بالقول ان "أعداد المصابين تتزايد، وهذا يتطلب تحركا عاجلا من الجهات الصحية والمجتمعية، ليس فقط على مستوى العلاج، وإنما بالتوعية والوقاية، ومواجهة المسبّبات بجرأة وشفافية".

مطالبات بتحقيق علمي شامل

فيما أكد النائب عن محافظة ديالى رعد الدهلكي "ضرورة إجراء تحقيق علمي شامل للكشف عن أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية في منطقتي دور الزراعة والعداي"، مشيرا إلى أن "هذه الأمراض لم تعد تقتصر على فئة عمرية محددة، ولم تعد حالات فردية، ما يضع المجتمع أمام تحد صحي جدي، يتطلب تشكيل لجنة وطنية عليا لدراسة الظاهرة ووضع حلول عملية للحد من انتشارها. بالإضافة الى تحرك عاجل من قبل وزارة الصحة للكشف عن العوامل المسببة لهذه الأمراض، خصوصًا مع وجود عدة فرضيات تحتاج إلى دراسة علمية دقيقة".

وأضاف الدهلكي في تصريح لـ "طريق الشعب" أن المناطق المذكورة شهدت في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالسرطان، ما أثار قلق أهالي المنطقة.

وعدّ أن هذه الإصابات تشكل مأساة إنسانية تحمل العائلات أعباء مالية كبيرة في سبيل توفير العلاج اللازم".

وأشار إلى أنه قدم طلبا رسميا لإجراء تحقيق وفق الإجراءات المعتمدة للكشف عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع.

إصابة واحدة في كل يوم!

وكشفت دائرة صحة ديالى، في 1 نيسان 2025 ان "المعدل اليومي للإصابات السرطانية في المحافظة هو إصابة واحدة يوميا، وان تراكمية الأمراض السرطانية في المحافظة تتجاوز 5000 إصابة، وهي موثقة في سجلات خاصة مع عناوينهم وأسمائهم وأرقام هواتفهم، وجميعهم يخضعون لبرنامج تلقي الأدوية".

ويقول مدير اعلام صحة ديالى، فارس ..... ان "مركز الأورام السرطانية في ديالى يعد من بين أكثر المراكز تنظيما وتطورا على مستوى العراق"، مشيرا إلى أن المركز يقدّم خدمات علاجية وتشخيصية متقدمة بشكل مجاني، حتى للمرضى القادمين من خارج المحافظة.

ويضيف ؟؟؟ لـ "طريق الشعب"، أن "جميع العلاجات باهظة الثمن متوفرة داخل المركز، وكذلك التحاليل المختبرية التي عادة ما تكون مكلفة جداً في المراكز الأهلية، تُجرى هنا بدون أي مقابل. المركز لا يقتصر على استقبال مرضى ديالى فقط، بل نمنح المرضى من بغداد ومحافظات أخرى بطاقة علاجية وندرجهم ضمن الحصة الدوائية الخاصة بدائرة صحة ديالى". وأردف كلامه بان هناك ابرة واحدة لا تتوفر دائما، بينما بقية الادوية متوفرة بصورة مستمرة.

وأشار إلى أن هناك "مشروعا إنشائيا ضخما، يضم مجمعا تخصصيا للأمراض السرطانية والقلبية، يقع على طريق بغداد  بعقوبة، نأمل افتتاحه خلال الشهرين المقبلين".

ولفت الى ان التحدي الأبرز يتمثل بقلة السيولة المالية التي تعاني منها العديد من المؤسسات، منوها إلى أن الطواقم الطبية العاملة في مركز الأورام الحالي تعد من خيرة الأطباء في العراق، والعناية بالمرضى تتم على مدار الساعة بنظام الشفتات لضمان استمرارية الخدمة.

كما أشار إلى أن اهتمام وزارة الصحة بمرضى السرطان قد ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع نسب الإصابة في كافة المحافظات، الا ان الوضع تحت السيطرة في المحافظة.

الحكومة تتجاهل تعهداتها الدولية

يقول الطبيب المختص في الأورام السرطانية، الدكتور عامر الشجيري، إن "الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعا مقلقا في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية في العراق، ليس فقط من حيث الأعداد، بل حتى في ظهور أنواع جديدة من الأورام، التي لم تكن شائعة من قبل، وهو ما يستدعي وقفة جدية من الجهات المعنية".

وأضاف الشجيري في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "اللافت في الأمر هو غياب أي تحرك حكومي فعلي لمواجهة المسببات الواضحة لهذه الظاهرة، سواء من خلال الدراسات الميدانية أو عبر الإجراءات الوقائية"، مشيرا إلى أن الحكومة لم تلتزم حتى الآن بتعهداتها الدولية بشأن تقليل انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون، رغم خطورته كأحد العوامل المساهمة في تلوث الهواء وتدهور الصحة العامة.

يشار الى ان دراسة علمية أجريت العام الماضي في جامعة كربلاء بينت أن من أبرز أسباب انتشار السرطان في البلاد هي التدخين، والنظام الغذائي غير الصحي، وتلوث الهواء الناتج عن تقلص المساحات الخضراء بسبب التوسع العمراني غير المخطط، فضلا عن التعرض للمواد الكيميائية السامة الناتجة عن استخدام أسلحة ثقيلة في العمليات العسكرية.

وذكر الشجيري في هذا الصدد، أن "90 في المائة من المصابين بالسرطان في العراق يحتاجون إلى العلاج الإشعاعي، لكن البنية التحتية الصحية لا تزال غير مهيأة لتوفير هذه الخدمات بشكل كاف، ما يزيد من معاناة المرضى ويفاقم أعباءهم الجسدية والنفسية والمالية".

وأكد، أن معالجة هذه الأزمة الصحية تتطلب خطة وطنية شاملة، تبدأ من الاعتراف بحجم المشكلة وتمر عبر توفير التمويل اللازم وتحديث النظام الصحي، وتنتهي بتطبيق السياسات البيئية والصحية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، "لأن صحة الناس ليست هامشا بل أولوية وطنية".

 

عرض مقالات: