اخر الاخبار

تشهد قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق تحديات كبيرة على مستويات متعددة، تبدأ من نقص الدعم الطبي والتعليم المتخصص، إلى غياب التسهيلات الاجتماعية والبنية التحتية الملائمة، ما يعرقل اندماجهم الفعلي في المجتمع.  ويطالب ناشطون ومختصون بإصلاحات عاجلة تشمل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص العمل، وضمان حقوق ذوي الاعاقة وفقاً للاتفاقيات الدولية، لتعزيز دورهم وتمكينهم كجزء لا يتجزأ من المجتمع العراقي.

ولادة في يوم الانتخابات

مريم الجابري وهي أم لطفلتين من ذوي الإعاقة، واجهت ظروفا صحية قاسية، تتحدث مريم عن بداية رحلتها مع طفلتها الأولى، رهف، التي ولدت في ظروف صحية بالغة الصعوبة. تقول: "كنت أعاني من عسر ولادة، تزامن مع يوم انتخابات، ولم تتوفر سيارات إسعاف أو غرف عمليات، ما أدى إلى اختناق الطفلة أثناء الولادة بسبب نقص الأوكسجين، وبالتالي تلف خلايا الدماغ".

رهف، التي يبلغ عمرها اليوم 15 عاما، لم تنطق بكلمة واحدة طوال حياتها، وتعاني من تأخر ذهني شديد. حاولت مريم أن تتابع حالتها طبيا، وبدأت رحلات المراجعة منذ أن كان عمر الطفلة تسعة أشهر، لكنها لم تشهد تحسنا.

ثم ولدت الطفلة الثانية، زهراء، عام 2014، بعد أن اختارت مريم أن تلدها بعملية قيصرية لتتجنب تكرار مأساة رهف. إلا أن القدر لم يكن أرحم، إذ بدأت ملامح الإعاقة تظهر بعد شهرين فقط من ولادتها.

تقول مريم: "في البداية كانت طبيعية، لكن فجأة بدأت تعاني من اضطرابات في النوم والحركة، ولم تكن كسائر الأطفال".

ومع الوقت، تأكد أن زهراء أيضا تعاني من اضطرابات في الدماغ، لكن حالتها كانت أفضل نسبيًا من أختها، حيث بدأت تظهر مؤشرات على تطور إدراكي تدريج: "زهراء الآن في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة حكومية للتربية الخاصة، ونجحت هذا العام بتفوق".

رغم المراجعات المستمرة للأطباء، ومعاناتها الصحية والنفسية، لم تتلق مريم وبنتاها أي دعم حقيقي من الدولة: "ماكو رعاية، ماكو مراكز متخصصة كافية، ولا حتى دعم نفسي أو اجتماعي، ولا أحد يسأل شنو نحتاج. حسيت إحنا مو ضمن حسابات هالدولة" تضيف بحسرة.

نقص في كل شيء

يقول د. سامر محمد مدير دائرة ذوي الاحتياجات في الديوانية، أن الدائرة تواجه تحديات كبيرة في تقديم الخدمات اللازمة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، على رأسها ضعف التمويل وغياب المناهج التعليمية المتخصصة.

وقال محمد لـ "طريق الشعب"، أن "طبيعة عمل الدائرة تشمل توفير المستلزمات الأساسية مثل القرطاسية والمنظفات اليومية، إضافة إلى الصيانات الضرورية للصفوف والمرافق الصحية والحدائق داخل المدارس. لكن مع ذلك، نواجه عوائق كبيرة بسبب قلة التخصيصات المالية، ما أثر بشكل مباشر على قدرتنا في تحسين الخدمات المقدمة".

وأضاف أن واحدا من أبرز المشكلات البنيوية تتمثل في استخدام مناهج دراسية غير مخصصة لذوي الإعاقة، حيث تُستخدم مناهج أعدت بالأصل للطلبة الأسوياء، دون مواءمة حقيقية مع قدرات واحتياجات الطلبة من ذوي الإعاقات الذهنية أو السمعية.

وتابع "نحن بحاجة ماسة إلى مناهج تعليمية خاصة تتناغم مع الرؤية التربوية العامة للدولة، وتنسجم أيضا مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2021".

وبين أن غياب أدوات تعليمية مثل لغة الإشارة والمحتوى الصوتي المناسب يعيق إدماج هؤلاء الطلبة في العملية التعليمية، بل ويحرمهم من فرص إتمام الدراسة بشكل رسمي.

واشار الى أن "هذا الخلل يحرمهم من دخول الامتحانات البكالوريا، وبالتالي من الحصول على شهادة معترف بها تُعينهم مستقبلاً في فرص العمل أو التعيينات الحكومية".

ضرورة إجراءات تشريعية عاجلة

ودعا حسين المعموري، عضو في فريق تطوعي مختص بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى تبني حزمة إجراءات تشريعية ومجتمعية عاجلة تهدف إلى تمكين ذوي الاعاقة ودمجهم الفعلي في المجتمع العراقي، مؤكدا أن ما يقدم حاليا لا يزال دون مستوى الطموح، ولا يعكس التزامات العراق الحقوقية والإنسانية تجاه هذه الفئة.

وقال المعموري في حديث لـ "طريق الشعب"، ان هناك عددا من المحاور الأساسية تشكل انطلاقة فعلية لتغيير واقع ذوي الاعاقة في العراق، في مقدمتها فرض تعيين نسبة من ذوي الاعاقة في مؤسسات القطاع الخاص، من خلال تشريعات ملزمة ترفد بحوافز ضريبية ومالية، إلى جانب إطلاق حملات توعية تبرز قدراتهم وإمكاناتهم، مدعومة ببرامج تدريب مهني وتأهيلي.

وأضاف أن من أهم النقاط المهملة في الوقت الحالي، البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، حيث دعا إلى إلزام المدارس والجامعات بتوفير مصاعد كهربائية، ممرات مهيأة، ومرافق صحية مخصصة لذوي الاعاقة، وأن يكون ذلك جزءا من المتطلبات الهندسية الأساسية في منح التصاريح.

دعم طموح تصديهم للمسؤولية

وأكد المعموري أهمية إعطاء الكفاءات من ذوي الاعاقة الفرصة في مواقع المسؤولية، عبر تطوير برامج توظيف وتدريب قيادي تفتح أمامهم، بما يضمن مشاركتهم الفاعلة في اتخاذ القرار، داخل مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص.

كما طرح فكرة إنشاء خط ساخن مخصص لذوي الاعاقة وأسرهم، يقدم الدعم والمشورة ويسهل إجراءات التواصل مع الجهات المعنية، فضلًا عن خدمات الطوارئ الصحية والنفسية على مدار الساعة.

وفي جانب الخدمات التعليمية، شدد على ضرورة رفع مستوى الرعاية في دوائر ومعاهد ذوي الاعاقة عبر تخصيص ميزانيات حقيقية، وتوفير تقنيات تعليم حديثة، وتنفيذ استبيانات دورية لقياس رضا المستفيدين وأُسرهم وتحسين الخدمات استنادًا إلى النتائج.

وطالب المعموري بتفعيل دور الرقابة المجتمعية على هذه المؤسسات، من خلال تشكيل لجان تضم أصحاب خبرة وأهالي من ذوي الاعاقة، إلى جانب إشراك وسائل الإعلام لرصد التحديات والنجاحات بشكل شفاف.

واختتم المعموري بالتأكيد على حق ذوي الاعاقة في الترفيه والحياة الاجتماعية، داعيا إلى إنشاء حدائق ومرافق ترفيهية مخصصة لهم، وتنظيم فعاليات رياضية وفنية تُعزز من اندماجهم وتُشعرهم بالانتماء إلى المجتمع.

وقال ان "هذه الحلول ليست رفاهية، بل ضرورة لبناء مجتمع عادل لا يُقصي أبناءه، بل يحتضنهم ويمكنهم، ويمنحهم الأدوات ليكونوا فاعلين في التعليم والعمل والحياة اليومية".

نسبتهم ١٣ في المائة

وتبلغ نسبة ذوي الإعاقة في العراق 13 في المائة، ويعلق الناشط الصحي عباس عبد علي قائلا ان "هذه النسبة تشكل تحدياً كبيراً"، ويرجع ارتفاعها إلى عوامل عدة منها الحوادث المرورية، وحالات العنف المسلح، والحروب المتكررة التي خلفت أعداداً كبيرة من المصابين بإعاقات جسدية وعقلية.

وأوضح عباس لـ "طريق الشعب"، أن الوضع الصحي لذوي الاحتياجات الخاصة في العراق يعاني من نقص حاد في الخدمات والتجهيزات الأساسية، فالمستشفيات المتخصصة قليلة جداً ولا تفي بمتطلبات العلاج والتأهيل، فيما تفتقر معظم المباني والمؤسسات الحكومية إلى التسهيلات الضرورية مثل ممرات الكراسي المتحركة، ومواقف السيارات المخصصة، وأجهزة المساعدة التكنولوجية.

وأشار إلى أن غياب الدعم الحكومي المادي، وعدم تخصيص ميزانيات مناسبة لذوي الإعاقة، إضافة إلى ضعف برامج التأهيل والرعاية الصحية النفسية، يزيد من معاناة هذه الفئة ويحد من فرصهم في العيش الكريم والمشاركة المجتمعية الفعالة.

ولفت عباس إلى أن الاحتجاجات الشعبية في عام 2019 أدت إلى زيادة أعداد ذوي الإعاقة، نتيجة الإصابات التي تعرض لها المحتجون، مشدداً على أن هذه الفئة لم تحصل على أي دعم أو تعويض مناسب من الجهات الرسمية. كما لفت الى تعرضهم للابتزاز مقابل توفير احتياجاتهم.

وخلص الى ان "الإهمال الحكومي المستمر في توفير الرعاية الصحية المتخصصة، والبنية التحتية الملائمة، والبرامج الاجتماعية الداعمة، يجعل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر هشاشة، ويمنعهم من تحقيق استقلاليتهم وحقوقهم الأساسية".

عرض مقالات: