اخر الاخبار

يعاني مستخدمو الانترنيت في العراق بطئا شديدا في السرعة وانقطاعات متكررة وارتفاعا في أجور الاشتراك. ويُعرب المستخدمون باستمرار عن استيائهم من تدني تلك الخدمة التي باتت ضرورة لا غناء عنها، واصفين إياها بـ"السلحفاة"، تعبيرا عن بطئها مقارنة بما موجود في بقية الدول، ومنها دول الجوار.

ورغم إطلاق العديد من الوعود بتحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق الخدمة، لم تُسجَّل خطوات فعلية تُحدث فرقاً حقيقياً على أرض الواقع، الأمر الذي يؤثر سلباً على مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، بدءاً من التعليم والعمل، وصولاً إلى الاقتصاد والتواصل الاجتماعي - حسب ما يذكره الاختصاصي في هندسة الاتصالات والإلكترونيات، كنار روشن طارق في حديث صحفي.

تقصير حكومي

يُزوّد الانترنيت في العراق إلى المستخدم، عبر طريقين: الأول يكون من خلال شركات الاتصالات، والآخر من خلال شركات المزود الأرضي (الأبراج).

وعن رداءة الخدمة، يقول عضو لجنة الاتصالات البرلمانية هيثم الزركاني، أن هيئة الإعلام والاتصالات ووزارة الاتصالات هما المسؤولتان عن متابعة الخدمة وجودتها "لكن ما يُلاحظ هو ان هناك تقصيرا حكوميا واضحا في هذا الأمر".

ويوضح في حديث صحفي، أن الجهتين المذكورتين تعزيان ضعف الانترنيت، خلال الإجابة عن تساؤلات البرلمان في هذا الشأن، إلى أن "هذه الجودة هي ما تم التعاقد عليه مع الشركات"، مشيرا إلى ان "مزودي الانترنيت الأرضي يواجهون الشكاوى المتكررة، بالاعتذار لوجود عملية مد شبكة أو قطع كابلات أثناء عمل مشاريع بنى تحتية وغير ذلك".

أسباب ضعف الخدمة

في شأن أسباب تردي الخدمة، يقول المهندس كنار روشن طارق، أنها تعود لمجموعة عوامل، أولها البنية التحتية.

ويبيّن في حديث صحفي، أن "العراق يعتمد على كابلات ألياف ضوئية تمر عبر دول مجاورة، ما يجعل الخدمة عرضة للانقطاع والتلاعب. كما أن البنية التحتية الداخلية متقادمة وغير كافية لتغطية الطلب المتزايد".

ويتابع القول: "كذلك تنتشر في قطاع الاتصالات مظاهر الفساد المالي والإداري، ما يعيق تنفيذ مشاريع تطوير حقيقية للخدمة، ويؤدي إلى ضعف الرقابة على شركات الانترنيت".

ومن الأسباب الأخرى، يذكر طارق  أن الكثير من الشركات المزودة لخدمة الانترنيت تعمل بشكل غير منتظم، ولا تلتزم بمعايير الجودة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاوت كبير في مستوى الخدمة، مضيفا أن الضغط المتزايد على الشبكة يتسبب أيضا في تردي الخدمة "فأعداد المستخدمين تزداد، والاعتماد على الانترنيت يتوسع في مختلف مرافق الحياة، في الوقت الذي لم يجر فيه رفع الطاقة الاستيعابية للشبكة".

وينوّه طارق إلى ان الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، تتسبب أيضا في تردي خدمة الانترنيت "فأزمة الكهرباء المزمنة تؤثر على استقرار الخدمة، نظراً لاعتماد الأبراج ومحطات التوزيع على الطاقة بشكل مباشر أو غير مباشر".

عدم مواكبة التطور

من جانبه، يقول الاختصاصي في حوكمة وأمن تكنولوجيا المعلومات، علي أنور، أن "عمل الانترنيت بشكل صحيح يتطلب بنى تحتية وتقنيات وضوابط وسياسات وتشريعات، وهذه جميعها يبدو العراق متأخر فيها".

ويوضح في حديث صحفي أن "وزارة الاتصالات وسعت أخيرا شبكة FTTH، وهي اختصار لعبارة "الألياف الضوئية إلى المنزل"، وهذا يعزز من الجودة، لأن الـ "واي فاي" عادة ما يتعرض إلى مشكلات".

أما بالنسبة لتسعيرة الانترنيت في البلاد، والتي تحددها وزارة الاتصالات، فيراها أنور "عالية"، مرجعا ذلك إلى حاجة الوزارة لتمويل رواتب 14 ألف موظف يعملون في "الشركة العامة للاتصالات والمعلوماتية" التابعة للوزارة.

ويتابع قوله أن "الشركة تعمل بالتمويل الذاتي، وبالتالي تلجأ الوزارة إلى رفع أسعار السعات التي تؤجرها لشركات الانترنيت، لتأمين الرواتب".

وبالعودة إلى طارق، فيرى أن تحسين خدمة الانترنيت بات ضرورة ملحة لبناء دولة عصرية واقتصاد قوي ومجتمع متعلم ومنفتح، لافتا إلى أن هذا الأمر يتطلب جهوداً متكاملة من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، واتخاذ خطوات جدية في سبيل إحداث تحوّل نوعي في مستقبل العراق فبدون انترنيت قوي ومستقر، سيظل العراق متأخراً عن ركب العالم المتقدم في مختلف الميادين".

خطوات تحسين الخدمة

عن سبل تحسين خدمة الانترنيت ومعالجة مشكلاتها، يقول طارق أن الأمر يبدأ بإصلاح وتطوير البنية التحتية "إذ يجب أن يكون هناك استثمار في كابلات الألياف الضوئية داخلياً، مع ربط العراق مباشرة بالكابلات البحرية الدولية، ما يخفف من الاعتماد على الدول الوسيطة"، داعيا إلى "إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانترنيت، تكون مهمتها مراقبة جودة الخدمة، ومحاسبة الشركات المقصرة، ووضع معايير واضحة للترخيص والتشغيل".

ويشدد على "أهمية محاربة الفساد والاحتكار، من خلال دعم الشفافية في العقود والتراخيص، وتشجيع المنافسة بين مزودي الخدمة، ما يؤدي إلى تحسين الأداء"، مشددا أيضا على "التوجه نحو الانترنيت الفضائي. إذ يمكن للعراق، على المدى المتوسط، الاستفادة من تقنيات مثل الانترنيت عبر الأقمار الصناعية مثل (ستارلينك) لتوفير بدائل حديثة وسريعة، خاصة في المناطق النائية".

كذلك يدعو طارق إلى تحسين الطاقة الكهربائية، عبر دعم مشاريع الطاقة المستدامة وربطها بمراكز توزيع الانترنيت لتقليل الأعطال والانقطاعات، مشيرا إلى "ضرورة نشر الثقافة الرقمية، من خلال برامج تعليمية وتوعوية توضح أهمية الانترنيت الجيد وتأثيره على الاقتصاد والتعليم والصحة، ما يدفع المواطنين للمطالبة بخدمة أفضل، ويشجع الابتكار".