بدأت عملية تسويق الحنطة لموسم 2025، ورغم أن نسبة التسويق حتى يوم 20 أيار الجاري لم تتجاوز 30 بالمائة من الناتج المتوقع، فقد تم رصد العديد من الملاحظات التي تكشف مكامن الخلل وتثير علامات الاستفهام والدهشة، ومنها:
أولاً– انسيابية السيارات الناقلة للحنطة ضعيفة جداً في كافة المحافظات والسايلوات، حيث تمتد طوابير الشاحنات لعشرات الكيلومترات، وتقضي عدة أيام قبل أن تصل إلى أبواب السايلو لتفريغ حمولتها، مما يشير إلى غياب الاستعداد الجاد من قبل شركة تجارة الحبوب لاستقبال المحصول، رغم معرفة الجهات المعنية المسبقة بموعد الحصاد وكمياته.
ثانياً– عدم توفر مخازن كافية لخزن المحصول يدفع الجهات المعنية إلى تفريغ الشاحنات في ساحات مفتوحة، ما يعرّض الحنطة لعوامل الطقس القاسية. ففي بابل، على سبيل المثال، تم خزن نحو 70 بالمائة من الحنطة الواردة في العراء، ما يهدد بخسائر فادحة في النوعية والكمية.
ثالثاً– قلة عدد المختبرات والفاحصين المشرفين على استلام المحصول يؤدي إلى تأخير الاستلام بشكل كبير، مما يحمّل الفلاحين أعباءً مالية إضافية بسبب تكاليف النقل والانتظار، ويفتح الباب واسعاً أمام الفساد. ففي بعض المحافظات، لا يُستلم المحصول إلا بعد دفع "رشوة" وصلت إلى (50) ألف دينار لأشخاص يتمركزون عند بوابات السايلوات!
رابعاً– رغم إعلان شركة تجارة الحبوب نيتها تسديد أثمان الحنطة للفلاحين بسرعة وفوراً، لم يتسلم أي فلاح أو مسوّق مستحقاته حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ما يشير إلى تعمّد أو تلكؤ في تنفيذ الالتزامات المالية تجاه المزارعين.
خامساً– هناك معطيات موثوقة تؤكد امتناع بعض المزارعين من أصحاب الحيازات الكبيرة (500 دونم فأكثر) عن زراعة أراضيهم الداخلة ضمن الخطة الزراعية، وبدلاً من ذلك قاموا ببيعها لتجار قاموا بتسويق حنطة بأسمائهم، أما من خزين العام الماضي أو من المحصول المهرّب عبر الحدود. وقد تم رصد مثل هذه الحالات في الناصرية والنجف والسماوة، ما يعكس وجود شبكة فساد معقدة يتداخل فيها التاجر بالمزارع بالمؤسسة الرسمية، سواء كانت الزراعة أو التجارة.
سادساً– لم يتم تفريغ المخازن والسايلوات من خزين العام الماضي، والذي يبلغ بحسب شركة تجارة الحبوب أكثر من مليوني طن، مما يزيد الضغط على مراكز الاستلام الحالية ويهدد بتوقفها.
سابعاً– يتضح بجلاء غياب التنسيق بين الجهات الزراعية والتجارية فيما يتعلق بالناتج المتوقع، مما أفشل جهود وزارة التجارة في تهيئة طاقات خزن كافية، علماً أن الوزارة تفتقر إلى خطة عملية لتطوير منظومة الخزن، فضلاً عن عدم توفير الموازنة اللازمة لذلك.
ثامناً– قامت وزارة التجارة، بشكل مثير للاستغراب، باستيراد حنطة لعام 2024 بمبلغ (25) مليون دولار من أستراليا ودول أخرى، رغم وجود خزين محلي وفائض، في الوقت الذي لا توزّع فيه الحصة التموينية من الطحين كاملة على المواطنين، حيث لم تُوزّع إلا لتسعة أشهر فقط من أصل اثني عشر شهراً، وسط معدلات فقر مرتفعة في المجتمع العراقي!
تاسعاً– تستمر الحرائق في حقول الحنطة بعدة محافظات، وسط صمت مستهجن من قبل بعض أعضاء اللجنة الزراعية في البرلمان، الذين يهوّنون من خطورتها، وكذلك وزارة الزراعة، التي لم تتخذ أي إجراءات رادعة بالتنسيق مع الدفاع المدني للحد من هذه الكارثة المتكررة، مما دفع عدداً من الإعلاميين للتلميح إلى احتمال أن تكون هذه الحرائق مفتعلة ومتعمدة.
ختاماً نقول: إن الجهات المعنية مطالبة، وبإلحاح، بالإسراع في استلام محصول الحنطة من الفلاحين، وتسديد مستحقاتهم دون تأخير، فالمماطلة هنا لا تعني سوى الإضرار بالأمن الغذائي، وتشجيع الفساد، ودفع المزارع نحو الهجرة وترك الأرض!